مصطفى كامل
تهل علينا هذه الأيام ذكرى ميلاد الزعيم مصطفى كامل، الذى وُلد فى أغسطس ١٨٧٤. وبدايةً أود أن أُنبه من الآن المؤسسات الثقافية بأن العام المقبل سيوافق ذكرى مرور ١٥٠ سنة على ميلاده، وأتمنى أن تستعد هذه المؤسسات من الآن لهذه المناسبة، وأن تحدث مناقشات ومراجعات لأفكار مصطفى كامل، وليس فقط إعداد كلمات احتفالية وحسب.
وبطبيعة الحال يرتبط اسم مصطفى كامل فى أذهان المصريين جميعًا بعبارته الشهيرة: «لو لم أكن مصريًا لوددت أن أكون مصريًا»، وتعبّر هذه العبارة فى حقيقة الأمر عما يطلق عليه القومية الرومانسية، وكان مصطفى كامل حقيقةً خير مُعبِّر عن ذلك، رغم أنه كسياسى كان براجماتيًا كبيرًا؛ تحالف فى البداية مع الخديو عباس حلمى الثانى ومع السلطان عبدالحميد الثانى، ومال تجاه فرنسا- وإن كانت الوثائق الفرنسية تشير إلى أن فرنسا هى التى استخدمته للتشهير بعدوتها اللدود «إنجلترا»- لكن فى حقيقة الأمر سواء تحالف مصطفى كامل مع الخديوية أو السلطنة العثمانية، أو حتى دعم فرنسا له، كل ذلك وظفه مصطفى كامل فى خدمة المسألة الوطنية من وجهة نظره.
ويُذكر لمصطفى كامل إصداره الجريدة الشهيرة «اللواء»، هذه الجريدة التى كانت تصب اللعنات على الاحتلال الإنجليزى فى مصر، والداعية إلى الجلاء والاستقلال. كما يحسب لمصطفى كامل تأسيسه الحزب الشهير «الحزب الوطنى»، هذا الحزب الذى كان يعتبر من أكثر الأحزاب شعبيةً فى مصر، حتى تأسيس حزب الوفد فى أعقاب ثورة ١٩، بل إن الزعيم الوفدى الشهير مصطفى النحاس كان فى مطلع شبابه من أعضاء الحزب الوطنى؛ إذ استقطب هذا الحزب غالبية الشباب المصرى آنذاك، كما ارتبط الحزب ارتباطًا وثيقًا بنادى المدارس العليا.
ويأخذ البعض على مصطفى كامل أنه المؤسس الحقيقى للشعبوية فى السياسة المصرية، حتى إن أحمد لطفى السيد «أستاذ الجيل» كان يصف الحزب الوطنى بحزب الغوغاء، وأن مصطفى كامل هو زعيم الغوغاء، وأن السياسة ليست بالشعارات الرنانة التى تداعب قلوب البسطاء من الناس، وأنه من الأهم أن تتسم السياسة بالواقعية والبعد عن الشعبوية، وأن عبادة الزعيم لن تجدى نفعًا للقضية المصرية.
ومن المثير أن الرئيس السادات عندما أراد تأسيس حزب له قبل اغتياله، اختار له اسم «الحزب الوطنى»، بل وقام باستدعاء تاريخ مصطفى كامل، ليوحى بأن حزبه الجديد هو امتداد للحزب الوطنى القديم، حزب مصطفى كامل.
ومن المفارقات المهمة أن مصطفى كامل هو الزعيم الوحيد فى الفترة السابقة على ثورة ٢٣ يوليو الذى تم إعداد فيلم روائى عنه، ولم نشهد أى فيلم على سبيل المثال عن أحمد عرابى، أو سعد زغلول، أو حتى مصطفى النحاس!