محافظون وتجارب (14) فخر المنصورة
عندما شرعت فى كتابة سلسلة مقالات «محافظون وتجارب» لم تكن تتوافر لدى كل المعلومات التى تمكننى من الاقتراب من تجارب محافظين انتهت تجربتهم منذ زمن.
وقبل الشروع فى الكتابة كان البحث عن مصادر للمعلومات لتمكننى من معرفة تجارب المحافظين السابقين، بسلبياتها وإيجابياتها، وتعددت المصادر بالفعل، ما بين معايشات خاصة كنت خلالها قريبًا من تجارب عدد من المحافظين من خلال عملى الصحفى، إلى جانب الرجوع للأرشيف الصحفى ومصادر جمع المعلومات التى تتوافر الآن على مواقع البحث الإلكترونية، وتبقى الشهادات الحية لمواطنى المحافظات ممن عايشوا تجارب محافظيهم والتى وفرت ليس فقط المعلومات التى يمكن أن أعتمد عليها فى الكتابة عن تجربة أى محافظ سابق - وهى تُعد شهادة أمام الله يجب ألا تتصف إلا بالصدق والتجرد من أى أهواء خاصة - وكانت المفاجآت فى شهادات عدد من الزملاء والأصدقاء عن محافظيهم السابقين. فبعض الشهادات عادت بالذاكرة إلى الوراء لأكثر من 50 عامًا كتجربة السيد وجيه أباظة فى البحيرة، وبعضها ذكرت تجارب سلبية كتجربة المحافظ الإخوانى محمد عثمان إسماعيل فى أسيوط والتى انتهت قبل 40 عامًا تقريبًا، وغيرهم من التجارب المهمة لمحافظين من أصحاب التجارب الرائدة.
أما بطل مقالة اليوم فهو اللواء فخر الدين خالد محافظ بورسعيد والدقهلية الأسبق، والذى ترك منصبة قبل 24 عامًا تقريبًا، ورحل عن دنيانا قبل 14 عامًا، ولايزال يتذكره أهالى محافظة الدقهلية بكل خير، بما فعل وما قدم وترك لهم من واقع يعيشونه.
اللواء فخر الدين خالد ابن مدينة المنصورة تقلد العديد من المناصب أهمها رئاسة أكاديمية الشرطة ومحافظًا لبورسعيد، واختتم مسيرته بتولى منصب محافظ الدقهلية لفترة لا تُعد طويلة ولكنها الأكثر تاثيرًا على حياة أهالى محافظة الدقهلية وخاصة مدينة المنصورة.
فلنا أن نتخيل أنه خلال الفترة من يناير 2006 وحتى أكتوبر 2009 فقط استطاع اللواء فخر الدين خالد أن يرسم البسمة على وجه عروس الدلتا «مدينة المنصورة»، بعد أن تزينت بالأشجار، وتعطرت بالورود، ونظمت شوارعها وحلت مشاكلها، وأعاد لها بريقها.
ففى عهده فقط تلاشت مشكلة القمامة (عادت الأن أسوأ مما كان)
فلم يترك اللواء فخر الدين خالد أرضا فضاء إلا وحولها إلى حديقة أو أعاد زراعتها بالأشجار، فكانت حديقة «عروس النيل» التى تحولت من خرابة ونادى مهمل ومهجور لعشرات السنين حتى أصبح فخرًا للمدينة ومتنزهًا لأهلها.
أيضا حقق نقلة فى حالة نادى جزيرة الورد الذى كان موقعه عبارة عن مستنقعات من المياة الراكدة العفنه، فقام بردمها وحولها إلى حديقة جزيرة الورد أحد أهم معالم المنصورة الأن، ومعها كانت المشاية أجمل مناطق المنصورة واغلاها سعرًا ،وبالقرب منها أنشأ أيضا حديقة « صباح الخير يا مصر «.
بأختصار لم يترك إبن المنصورة البار مكانًا مهملا الإ وحوله لحديقة ، فهو أول من قام بنقل وتفريغ مواقف المنصوره وإخراجها خارج المدينة والقضاء على المواقف العشوائية، فغير شكل ووضع شارع السويس الذى كان يعج بالفوضى والعشوائية فأصبح من أجمل شوارع المنصورة وأوسعها.
وكان لكورنيش المنصورة النصيب الأكبر من الاهتمام حتى حقق له السيولة المرورية (عاد الآن لسيرته الأولى) وحول شارع الجمهورية لاتجاه مرورى واحد وأنشأ عددا من المطالع والمنازل على الطريق.
ولم ينس ابن المنصورة ومحافظها رمزا من رموز محافظة الدقهلية وهى سيدة الغناء العربى «أم كلثوم» فأنشأ ميدانا يحمل اسمها وأقام تمثالًا لتخليدها أصبح الآن مزارًا مهما للمصريين والعرب من عشاق فن أم كلثوم.
وسيذكر التاريخ أن اللواء فخر الدين خالد هو أول من وضع التخطيط الدائم لمنطقة الاستاد، إلى جانب حلمه بإنشاء متحف قومى لمحافظة الدقهلية، وخصص لذلك مساحة 60 فدانًا كانت عبارة عن خرابة، حَلِم «خالد» أن تصبح حديقة دولية يتباهى بها أهالى الدقهلية ولكن الحلم تلاشى بعد تركه لمنصبه.
أما مدن الدقهلية فقد جد اللواء فخر الدين خالد فى إحياء شبكات المرافق فكانت أهم مشاريع الصرف الصحى ومياه الشرب فى عهده والتى كانت تشرف عليها وزارة الاسكان.
يتبقى التأكيد أن البساطة والتواضع، هما سرا نجاح اللواء فخر الدين خالد وقربه من الناس وحبهم له، هذه البساطة دعته لأن يغير من تقاليد معتادة لاستقبال الوزاء وكبار الشخصيات فى المحافظات، وبدلًا من إقامة مآدب الغداء فى الفنادق والنوادى الكبرى، كان يصر هو على استقبال ضيوفه فى منزله ليقدم لهم الطعام كأى بيت مصرى عادى، من طيور البط والحمام والفراخ إلى جانب المحاشى والفطير المشلتت، وهو ما كنت شاهدًا عليه فى إحدى الزيارات بصحبة وزير الإسكان الأسبق لمحافظة الدقهلية وكان الاستقبال حافلًا.. رحم الله فخر المنصورة اللواء فخر الدين خالد.