التأويل وتلبيس العمة
"إن الحكم إلا لله"، هل الجملة دي فيه خلاف عليها من حيث "الضبط"؟ على حد علمي لأ خالص، دا حتى القراءات ما شفتش بينهم أي اختلاف، ولو من باب الصوتيات مش تغيير الدلالة، لا، مفيش خلاف هنا.
تمام، هل فيه خلاف من حيث "التفسير"؟ الإجابة: برضه لأ، مفيش خلاف على مدلول "الحكم"، وطبعا "الله" مفيش عليها خلاف، مفيش أي حد، في حدود علمي قدم أي "تفسير" مختلف.
كويس! إذن، هذا النص له قراءة واحدة، واضحة جامدة مغلقة، لا يمكن فهمها بـ طرق مختلفة، صح كدا؟
لأ طبعا غلط، لـ إنه هنا فيه خلافات مش خلاف، الخلافات دي على مستوى "التأويل"، مش الضبط ولا التفسير، لـ إن الحكم ليها "مدلول" واضح، إنما "المفهوم" بتاعها محتاج نقاش، "المفهوم" حاجة أوسع من "المدلول"، أوسع وأعمق وأكثر اتصالًا بـ الواقع.
مش بس الحكم، فيه هنا عندنا حرف جر خطير، هو "اللام"، الحكم "لـ" الله، حروف الجر زي ما شفنا في النحو، مالهاش مدلولات، إنما تعبر عن علاقة بين مدلولين، والعلاقة دي ممكن تحقيقها بـ صور كتيرة.
بـ التالي، ممكن جدًا، أصوغ أنا نظام لـ الحكم، تنطبق عليه جملة "إن الحكم إلا لله"، وحضرتك تعمل نظام حكم مختلف خالص، ويمكن متعارض، ينطبق عليه برضه مفهوم "إن الحكم إلا لله"، وحد تالت يعمل نظام حكم تالت، وهكذا وهكذا، من غير ما حد فيهم يلغي التاني، والنص يتحمل كل هذه "المفاهيم".
دا بقى حضرتك اللي يتقال فيه إنه هذا نص يحمل مستويات متعددة لـ الفهم، وقابل لـ قراءات مختلفة، وطرق فهم متنوعة، وأي طريقة منهم لا تلغي الأخرى، ومن حق أي حد يتأول، ويكون مفهومه الخاص.
الجملة دي تحديدًا تحديدًا هي اللي كان بـ شأنها موقف على بن أبى طالب، اللي فيه ناس بـ تشكك في الرواية أساسًا، إنما اللي بـ يثبتها بـ يقول إنه خرج من جيش على مجموعة سموا نفسهم "أهل الإيمان"، والتراث العربي سماهم "الخوارج"، ورفعوا شعار "إن الحكم إلا لله".
على بن أبى طالب بعت ابن عباس يناظرهم، وقال له: "لا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه"، بعدين ذو وجوه دي اتروت بـ صيغة "حمال أوجه".
سيبك من صدق الرواية أو كذبها، إنما الفكرة هنا إنه "تأويل النص"، أى نص، طبيعى يكون عليه اختلافات كبيرة، وكل واحد يبقى له تأويله، وآليات التأويل أصعب وأشق وأدق من آليات التفسير.
حضرتك لو بـ تفسر نص، ممكن جدًا، تمتلك دليلًا قاطعًا على إنه هذا الدال له ذلك المدلول، إنما المفهوم المتكون عن المدلول، وما يحقق هذا المفهوم على الأرض، موضوع مختلف.
هذه القابلية لـ التنوع والتعدد، مش مدعاة خالص خالص إنك تسحبها على كل المستويات، وما ينفعش خالص تشهرها في وجهي، كل ما نتكلم عن أي حاجة تخص النص:
• القراءات والأحرف
- حمال أوجه
• التفاسير المختلفة
- حمال أوجه
• الأحكام المستنبطة منه
- حمال أوجه
• السياق التاريخي لـ النص
- حمال أوجه
• التعاليم والأطر القيمية
- حمال أوجه
• تعالى اشرب شاي
- حمال أوجه
مفيش حاجة اسمها كدا، والتأويل لا يبدأ إلا بعد ضبط النص الأول، ثم انضباط تفسيره ثانيًا، ثم بعد كدا يا سيدي، اقعد قول حمال أوجه لـ الصبح، إنما غير كدا، هو دا بـ الظبط بـ الظبط، اللي اسمه تلبيس العمة.