فلنحتفل بوفاء النيل
النيل هو شريان الحياة فى مصر عبر التاريخ، سواء كانت مصر هبة النيل، كما رأى البعض، أو كانت مصر والنيل هبة المصريين، الذين أجادوا التعامل مع النيل، وتطويعه لتكون مصر أرض الحضارة وفجر الضمير الإنسانى.
لا أُبالغ إذا قلت إن النيل- على مر التاريخ- هو سر الحياة فى مصر، ولنا أن نلقى نظرة على الخريطة، ونتخيل أننا التقطنا نهر النيل من عليها، ماذا يظهر لنا؟ سنرى مصر صحراء امتدادًا للصحراء الكبرى الإفريقية وصولًا إلى سيناء وشمال صحراء شبه جزيرة العرب وبادية الشام. هكذا ندرك أن مصر بفضل النيل والمصريين أصبحت بحق أشبه بواحة كبيرة فى وسط الصحراء.
ومن أجل حركة النيل والدورة الزراعية، ابتكر المصرى القديم تقويمًا فلكيًا، ورثته الكنيسة القبطية، فما أصبح يعرف بأشهر السنة القبطية هو فى الحقيقة امتداد للتقويم المصرى القديم، ولا يزال الفلاح المصرى- ربما حتى الآن- ينظم زراعته وفقًا لهذا التقويم.
من هنا كان الاحتفال- عبر العصور- بالفيضان، ووفاء النيل، أى وصول المياه إلى المستوى الذى يسمح بالرى والزراعة ثم الحصاد بعد ذلك، هو من أهم أعياد المصريين على اختلاف الحكام والفترات الزمنية.
وربما نتذكر جميعًا الفيلم الجميل «عروس النيل» للبنى عبدالعزيز ورشدى أباظة، هذا الفيلم الذى رسخ فى أذهان المصريين أن المصرى القديم كان يُلقى فتاة فى النيل كل عام، بينما لم تعرف الحضارة المصرية القديمة فكرة القربان البشرى، وكان ما يُلقى فى النيل هو دمية، تقربًا لإله النيل، وضمن احتفالات المصرى القديم بوفاء النيل.
وعادةً ما يحتفل المصريون منذ أقدم العصور بعيد وفاء النيل؛ حيث يفيض النيل بالحياة والرخاء، خلال النصف الثانى من شهر أغسطس. وأتمنى أن يعود الاحتفال القومى بوفاء النيل بقوة هذا العام، وأن تقام الاحتفالات على ضفاف النيل، ليس فى القاهرة فقط، ولكن على طول شاطئ النيل من أسوان إلى الإسكندرية، وسيكون ذلك رسالة قوية إلى العالم بأكمله على أهمية النيل بالنسبة للمصريين، ونحن نفاوض إثيوبيا بشأن تداعيات سد النهضة، ومن ناحية أخرى سيساعد هذا الاحتفال، الذى أتمنى أن يستمر لعدة أيام، على مزيد من الرواج للموسم السياحى، هذا فضلًا عن إدخال البهجة إلى قلوب المصريين فى هذه الأوقات الصعبة، وأيضًا العودة إلى الاحتفال بمظاهر الهوية المصرية.