قمة الـ«بريكس» المقبلة
من المرجح إذن، أن يكون إصدار عملة جديدة على جدول أعمال القمة السنوية لتجمع «بريكس»، المقرر إقامتها الثلاثاء المقبل. وكنا قد انتهينا، أمس الأول، إلى أن التجمع، الذى يضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وستنضم إليه مصر قريبًا، قام بوضع رؤية متكاملة لإلغاء دولرة النظام المالى العالمى، وقدم للدول الأعضاء، والدول الصديقة، حلولًا عملية لتخفيف ضغط الدولار على عملاتها الوطنية.
القمة رقم ١٥ للتجمع تستضيفها وتترأسها جنوب إفريقيا، التى دعت إليها ٦٩ دولة، وأكدت ناليدى باندور، وزيرة خارجيتها، فى مؤتمر صحفى عقدته الأحد الماضى، أن ٢٣ دولة تقدمت بطلبات انضمام، من بينها ٨ دول عربية، هى مصر، الإمارات، السعودية، الجزائر، البحرين، الكويت، المغرب، وفلسطين. وأوضحت «باندور» أن القمة ستستعرض، فى تقرير خاص، مبادئ ومعايير وآليات توسيع التجمع وقائمة الدول الراغبة فى الانضمام إليه، لافتة إلى أن قادة الدول الأعضاء هم الذين سيتخذون القرار النهائى بهذا الشأن.
إمكانات، قدرات، وأوزان الدول الأعضاء فى تجمع الـ«بريكس»، البشرية والاقتصادية والسياسية، تتيح لها إحداث تحوّل جذرى فى القواعد التى تحكم السياسات الاقتصادية الدولية، إذ يسكنها ٤٢٪ تقريبًا من سكان كوكب الأرض، وأصبحت، مع نهاية الربع الأول من العام الجارى، تشكل ٣١.٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، مقابل ٣٠٪ لدول مجموعة السبع: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، كندا، ألمانيا، إيطاليا، واليابان. وطبعًا سيؤدى توسيع التجمع إلى زيادة إمكاناته وقدراته، وقد يؤدى، أيضًا، إلى إحياء مبادرات عديدة تم الإعلان عنها، منذ سنوات، ولم يتم اتخاذ خطوات جدية بشأنها، إلى الآن، كان من بينها، أو أبرزها، تأسيس مؤسسة تصنيف ائتمانى تنافس المؤسسات الغربية الثلاث الكبرى، موديز وستاندرد آند بورز وفيتش.
أحد أبرز أهداف هذا التجمع هو كسر الهيمنة الغربية، أو الأمريكية، على الاقتصاد الدولى، والإفلات من سيطرة البنك وصندوق النقد الدوليين، وبناء نظام مالى عالمى أكثر عدلًا وتوازنًا. ومع إيمانها بأن العلاقات بين الدول ينبغى أن تقوم على التضامن واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، تتشارك الدولة المصرية، «دولة ٣٠ يونيو»، قيمًا أساسية أخرى مع دول الـ«بريكس»، أبرزها الالتزام بالقانون الدولى، والإيمان بأهمية السلام والأمن والاستقرار فى تحقيق التنمية الوطنية والازدهار المشترك.
أيضًا، تقدّر مصر أهمية تجمع الـ«بريكس» وخصوصيته، ليس فقط فيما يتعلق بآليات العمل المؤسسى، التى تقوم بتنسيق سياسات الدول الأعضاء الاقتصادية، ولكن أيضًا بسبب الرؤى السياسية المشتركة التى اعتادت قمم التجمع تبنيها تجاه القضايا السياسية ذات الأهمية الخاصة للدول النامية. وخلال مشاركته فى قمة التجمع التاسعة، التى استضافتها الصين، فى سبتمبر ٢٠١٧، قمة «شيامن»، أعرب الرئيس عبدالفتاح السيسى عن تطلعنا، تطلع مصر والمصريين، إلى أن يتمكن التجمع من التوصل، فى وقت قريب، إلى آلية مناسبة للتواصل والحوار مع كل الدول النامية، التى يمكن أن تكون لها إسهاماتها فى التجمع.
توسيع عضوية الـ«بريكس» كان أبرز الملفات التى ناقشها وزراء خارجية الدول الخمس الأعضاء فى التجمع، خلال اجتماع عقدوه، أول يونيو الماضى، فى مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا، وقرروا تكليف الجهات ذات الصلة ببحث كل الجوانب المتعلقة بهذا الملف. وفى اليوم التالى، وتحت عنوان «لقاء أصدقاء بريكس»، عقد الوزراء الخمسة اجتماعًا مع وزراء خارجية ١٢ دولة، شارك فيه بعضهم حضوريًا، وبعضهم شارك عبر الفيديو كونفرانس، مثل سامح شكرى، وزير خارجيتنا، الذى تناول، فى كلمته، ما توليه مصر من أهمية لعلاقتها مع دول التجمع، التى تتشارك معها فى المواقف بشأن التحديات والفرص الاقتصادية، والالتزام بالعمل والتعاون متعدد الأطراف، المبنى على التضامن والفوائد المشتركة واحترام السيادة الوطنية.
.. أخيرًا، وسواء ناقشت قمة الـ«بريكس» المقبلة ملف إطلاق العملة الجديدة، أو الموحدة، أم لا، فالمؤكد هو أن جانبًا كبيرًا من مناقشاتها سيتركز على كسر هيمنة الدولار، أو كيفية إلغاء دولرة النظام المالى العالمى، وتعزيز التعامل بين دول المجموعة، القديمة والجديدة، والدول الصديقة، بعملاتها المحلية.