البابا شنودة
هلّت علينا منذ أيام ذكرى مئوية ميلاد البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، والشرق الأدنى، وعموم إفريقيا. وأتصور أنها مناسبة وطنية مهمة لأن الكنيسة القبطية هى دائمًا إحدى اللبنات الأساسية فى الحضارة المصرية، وإحدى ركائز الوطنية المصرية.
ولا نبالغ إذا قلنا إن البابا شنودة هو بلا جدال أهم بطريرك قبطى عرفته الكنيسة فى القرن العشرين، ولا يرجع ذلك إلى طول الفترة التى قضاها البابا شنودة على رأس الكنيسة؛ إذ اعتلى الكرسى البابوى من عام ١٩٧١ حتى وفاته فى عام ٢٠١٢، أى أكثر من أربعين عامًا، لكن المكانة التاريخية للبابا شنودة تعود بشكل أساسى إلى طبيعة شخصيته، وقدرته على التعامل مع متغيرات عصره، وما مر به من أحداث مهمة ومحورية فى تاريخ الوطن والكنيسة.
وأتصور أنه لا بد من العودة قليلًا إلى شخصية البابا شنودة حتى نستطيع تفهم الكثير من الأحداث التى صاحبت بابويته. لا يمكن تجاهل الأصل والطابع الصعيدى عند دراسة تاريخ البابا شنودة، حتى إن بعض مناوئيه، سواء من داخل الكنيسة أو من خارجها، كانوا يصفونه دائمًا بالبابا المتشدد.
ووعى البابا شنودة التاريخ جيدًا؛ إذ تخرَّج فى قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة. وعلى الرغم من التشدد الظاهرى الذى قد يبدو فى مظهره الخارجى، أو حتى فى بعض مواقفه، إلا أن الكثيرين لا يعرفون أنه كان شاعرًا يقرض الشعر، كما كان من حُفاظ الشعر العربى القديم، وكان شنودة مولعًا بشخصية مكرم عبيد، وكان عضوًا فى حزب الكتلة الوفدية، حتى إن مكرم عبيد أطلق عليه «شاعر الكتلة».
كما كتب البابا شنودة فى الصحافة، بل وكان عضوًا فى نقابة الصحفيين. وتميزت شخصية البابا بالانضباط الكبير، حيث التحق بالجيش المصرى، وكان من ضباط الاحتياط.
وفى داخل الكنيسة وقبل دخوله إلى الرهبنة، كان شنودة هو أحد أبناء مدارس الأحد، هذه المؤسسة الكنسية التعليمية التى لعبت دورًا مهمًا فى ظهور أجيال جديدة تسعى إلى إصلاح الكنيسة، والحفاظ على هويتها.
ولم يكن دخول شنودة إلى الرهبنة صدفة، بل كان فى حقيقة الأمر ضمن الظاهرة التى عُرِفَت بعد ذلك باسم «الرهبان الجامعيين»، وهو دخول خريجى الجامعات من الأقباط إلى الأديرة من أجل إصلاح الكنيسة من الداخل، وقد انعكس ذلك بالفعل فى إحداث نهضة ديرية ودخول الكنيسة القبطية مرحلة جديدة فى تاريخها.
أتصور أن هذه النقاط المثيرة التى أشرنا إليها هى نقاط أساسية ومحورية عند تناول تاريخ البابا شنودة وتعامله مع متغيرات الوطن والكنيسة، منذ وفاة الرئيس عبدالناصر، ووفاة البابا كيرلس السادس، والدخول إلى حقبة تاريخية جديدة ومختلفة.