مصر ومكافحة الإتجار بالبشر
تحدثنا فى الأسبوع الماضى عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية والجهود التى تبذلها الدولة المصرية للحد من هذه الظاهرة وكيف نجحت بالفعل فى ذلك بدليل عدم رصد أى محاولة للهروب من البلاد عبر الشواطئ المصرية منذ عام 2016....واليوم نتحدث عن ظاهرة أخرى لا تقل أهمية عن الهجرة غير الشرعية بل تعتبر إحدى وسائلها أو نتائجها وهى جريمة الإتجار بالبشر....ويأتى سبب تناولنا لتلك الجريمة ان العالم قد إحتفل يوم 30 يوليو الماضى باليوم العالمى لمكافحة الإتجار بالبشر وكان لمصر كلمة تحدث فيها الدكتور/ مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء حيث أوضح ان مصر تمتلك تصوراً شاملاً للقضية خاصة على ضوء الأزمات الإقتصادية والمنازعات الدولية والمواجهات العسكرية التى تشهدها مناطق متعددة من العالم خاصة فى المنطقتان العربية والأفريقية وعلى رأسها الأزمة السودانية....وتتمحور وجهه النظر المصرية فى إنه لا يمكن لدولة منفردة ان تستأصل جذور تلك الجريمة وان على الدول جميعها ان تتكاتف سوياً لبذل أقصى الجهود اللازمة للتصدى لمخاطر تلك القضية وللإكتشاف المبكر عن صورها الجديدة التى أصبحت تعتمد على تكنولوجيا المعلومات.
وجريمة الإتجار بالبشر ليس بالضرورة ان تتم على الساحة الدولية بين بعض الدول وبعضها ولكنها من الممكن أيضاً ان تتم فى نطاق الساحة الداخلية لدولة واحدة ويتمثل ذلك فى جرائم خطف الأطفال أو تجارة الأعضاء البشرية مستغلين فى ذلك الفئات الأكثر ضعفاً وإحتياجاً....ومن هذا المنطلق فقد شهدت الجهود الوطنية فى مصر طفرة كبيرة فى مجال مكافحة تلك الجريمة حيث إتخذت جميع الإجراءات الإحترازية التى تضمن حياة كريمة لمواطنيها على الرغم من التحديات الإقتصادية المختلفة حتى لا يقع أى مواطن فريسة لأى شكل من أشكال جريمة الإتجار بالبشر ....وقد كان لإهتمام القيادة السياسية فى هذا الشأن دور كبير للحد من هذه الجريمة النكراء فى سبيل حماية الفرد والمجتمع من خلال المساعدات والمشروعات المقدمة للفئات الأكثر إحتياجاً مثل حياة كريمة وتكافل وكرامة الى جانب الدعم المقدم من منظمات وجمعيات العمل الأهلى.
أما على الصعيد الإقليمى فقد جاء فى كلمة رئيس مجلس الوزراء ان مصر سعت دائماً الى إيجاد حلول للأزمات المتفاقمة فى دول المنطقة وقد ظهر ذلك جلياً فى الأزمة السودانية الراهنة حيث إستقبلت مصر الأشقاء الذين نزحوا من السودان تحت وطأة الحرب الدائرة هناك وسمحت لهم بالعبور الى أراضيها والتعاون مع كل الجهات الوطنية والدولية لتوفير الإحتياجات الإنسانية اللازمة لهم من مأكل وملبس ومسكن الى جانب إتخاذ التدابير الإحترازية المرتبطة بعدم تعرضهم لأى صورة من صور الإتجار بالبشر التى تسعى الدولة المصرية الى الحد منها ومكافحتها بكل السبل الممكنة.
وتشير التقديرات والإحصاءات الى ان صور الإتجار بالبشر المختلفة تمثل ثالث أكبر نشاط إجرامى فى العالم يحقق أرباح بعد الإتجار فى السلاح والمخدرات...بل ان هناك توقعات بأن هذه التجارة سوف تتقدم على تجارة السلاح لان مخاطرها أقل بكثير منها ناهيك عن تعاظم الارباح التى يمكن تحقيقها من الإنسان عدة مرات ولفترات طويلة من الزمن.
وقد إنتشرت مؤخراً جريمة الإتجار بالاعضاء البشرية فى بعض الدول العربية خاصة على ضوء انتشار الفقر وسوء الأحوال الإقتصادية التى تمر بها بعض الدول وأفرادها حيث تمثل فئة الأطفال الفئة الأكثر إستهدافاً...وتظهر خطورة هذه التجارة عندما تتم عمليات نقل الأعضاء فى بعض المستشفيات بعيداً عن الرقابة الصحية ....ومن هذا المنطلق فقد تصدت مصر – كما سبق ان اشرنا – الى تلك الظاهرة من خلال برامج التكافل الإجتماعى والإهتمام بالأسر المصرية على الصعيد الداخلى....كما صدقت على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة تلك الجريمة وإهتمت بإنشاء آلية تقييم ومتابعة حالات الإتجار بالبشر من خلال إنشاء اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الإتجار بالبشر عام 2007 حيث حققت إنجازات هامة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية فى هذا الخصوص ...كما تم الإعلان عن الإستراتيجية الوطنية الثالثة لمنع ومكافحة الإتجار بالبشر 2022 -2026 التى تضمنت أحدث السبل الإيجابية التى تم صياغتها على ضوء النجاحات التى حققتها مصر فى هذا المجال.
وعوداً الى بدء حيث كلمة السيد الرئيس مجلس الوزراء والتى أوضح فيها ان الإستراتيجية الوطنية الثالثة دعمت تعزيز خدمات الحماية المقدمة لضحايا الإتجار بالبشر والعمل على رفع الوعى العام بمخاطر الجريمة وأيضاً تعزيز التعاون الدولى ونقل التجربة المصرية فى مجال مكافحتها.
فى ذات الوقت فقد قامت اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة جريمة الإتجار بالبشر بتنفيذ التوجيهات الرئاسية من خلال الدور المنوط بها فى التنسيق بين الجهات الوطنية المختلفة للحد من مخاطر الجريمة وذلك من خلال التوسع فى برامج بناء القدرات التى إستهدفت فئات مختلفة من العاملين فى الجهات الوطنية المعنية إما بالتعامل مع الضحايا أو القائمين على إدارة العدالة لتحقيق الردع العام للجناة وذلك بموازة التوسع فى أنشطة رفع الوعى من خلال الحملات الإعلامية والندوات التوعوية لضمان رفع وعى المواطنين من جميع فئات المجتمع بماهيه الجريمة وصورها وكيفية الإبلاغ عنها عند التعرض لها.
وكما كان لمصر دورها الرائد والفعال فى مواجهة جريمة الهجرة غير الشرعية فهى قد قدمت نموذجاً رائداً فى مجال مكافحة جريمة الإتجار بالبشر أيضاً خاصة وان مصر تقع فى مناطق صراعات وأزمات إقليمية متعددة تجعلها دائماً قبلة للمنكوبين والفارين إليها....ولكن على الرغم من ذلك فإن التعاون الدولى لمواجهة تلك الجريمة يمثل ضرورة حتمية خاصة ان الإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين يمثلان جرائم دولية ولا يتسنى لدولة أو منطقة ان تتصدى لها بمفردها ومن هنا تأتى اهمية تعزيز التعاون المشترك بين الدول لضمان القضاء على تلك الجريمة سواء من منظور أمنى أو إجتماعى أو سياسى لكونها جريمة عبر حدود الدول وتستخدم فيها حالياً وسائل مستحدثة ومبتكرة لابد من مواجهتها ايضاً تقنياً وتكنولوجياً ومعلوماتياً.
جدير بالذكر ان الهيئة القومية بالبريد قد اصدرت طابعاً تذكارياً بمناسبة اليوم العالمى لمكافحة الإتجار بالبشر وذلك بهدف المشاركة فى نشر أهمية التصدى لهذه الجريمة....ودائماً هو قدر مصر كما ذكرنا ان تكون رائدة فى مواجهة الجرائم التى تمس الإنسان فى حياته وأمنه وأمانه وتعمل على التصدى لها ومواجهتها بكل الجدية والإرادة.
وتحيا مصر..