كيف تؤثر الإصلاحات القضائية على الجيش الإسرائيلى؟
قبل أسبوعين، وافق الكنيست الإسرائيلى على قانون ينص على أن المحكمة العليا لم تعد قادرة على إلغاء القوانين التى تعتبر «غير مناسبة»، وهو ما يسمى بـ«قانون سبب المعقولية»، وسط معارضة قطاعات كبيرة من الإسرائيليين، وتوالى الاحتجاجات المستمرة منذ عدة أشهر. ومع انضمام أفراد من الجيش الإسرائيلى والاستخبارات إلى الاحتجاجات، وإعلان عشرات الآلاف من جنود الاحتياط من مختلف القطاعات عن رفضهم الحضور للخدمة، تدور النقاشات فى إسرائيل حول تبعات هذه الأزمة، وتأثيرها على الدولة العبرية وجاهزية جيشها وقدراتها الشاملة، خاصة مع استمرار الحكومة الإسرائيلية فى المضى قدمًا بملف الإصلاحات القضائية رغم الاحتجاجات، وهو ما نتناوله فى السطور التالية.
قلق من تأثير استقالات جنود الاحتياط على الجاهزية العسكرية خاصة فى وحدات النخبة
قال وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت إنه يعمل على التوصل إلى إجماع واسع؛ لضمان أمن إسرائيل، مع ترك الجيش الإسرائيلى منفصلًا عن السياسة.
فيما قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلى هرتسى هاليفى، فى خطاب إلى قواته: «أود أن أتحدث إليكم عن أهمية الوحدة واستعدادنا فى أوقات الخلاف، لقد حاولنا الابتعاد عن الخطاب الحالى، ولكن نظرًا لأهميته الحالية فى المجتمع الإسرائيلى فقد وقعنا فيه وتعرّضت وحدتنا للخطر، ومن واجبنا منع اتساع هذه التشققات».
من جانبها، لم تعلق قوات الأمن الإسرائيلية على الأسئلة حول كيفية تأثير جنود الاحتياط الذين ينضمون إلى الاحتجاجات على العمليات العسكرية، وهناك من يفسر ذلك بأن هذه القوات لديها عدد كبير من الجنود فى خدمتها الإلزامية، أما أولئك الرافضون للخدمة حتى الآن فهم من كبار السن من جنود الاحتياط.
فيما أوضح بعض مسئولى الجيش الإسرائيلى أن عددًا كبيرًا من جنود الاحتياط قد استقالوا بالفعل، وكشفوا عن أرقام مذهلة تشير إلى أن أكثر من ١٠ آلاف جندى احتياط، منهم حوالى ١٢٠٠ من سلاح الجو، و١٢٠٠ من استخبارات الجيش الإسرائيلى، فضلًا عن بعض الأطقم الطبية ووحدات القوات الخاصة وغيرها.
وحسب التقديرات وحتى هذه اللحظة، فإن رفض الخدمة فى سلاح الجو ليست له تداعيات كبيرة طالما أن إسرائيل ليست متورطة فى أزمة حادة، ولكن على المدى المتوسط إلى الطويل فإن ذلك يمكن أن تكون له عواقب بعيدة المدى، وإن كانت لن تتوسع إلا إذا انسحب أشخاص من الإدارات الرئيسية الأخرى، مثل الأمن أو القوات الإلكترونية، وإن كانت مسألة رفض الخدمة من الطيارين ستظل ذات أهمية، لأن القوات الجوية جزء أساسى من الجيش الإسرائيلى، وأحد أسباب قوته وتفوقه النوعى، ويُنظر إلى الطيارين على أنهم «أفراد النخبة».
ومع ذلك، فإن نظام التجنيد الاحتياطى وما يتبعه من أنظمة وظيفية وإلزامية أصبحت فى خطر كبير، ولكن اتفقت التقديرات على أن الخطر على المدى الطويل أكبر بكثير من الخطر على المدى القصير، وأولئك الذين توقفوا عن العمل التطوعى لفترة سيؤثر هذا على لياقتهم عند عودتهم، وإذا انتهت احتجاجاتهم فى المستقبل القريب وعاد المتظاهرون إلى الخدمة، فإن إعادة التأهيل ستكون ممكنة، ولن تستغرق وقتًا طويلًا، ولكن إذا زاد وقت إضرابهم فستقل لياقتهم.
من ناحية أخرى، فإن توقف هؤلاء عن الخدمة سيؤثر على النشاط الروتينى للجيش، أو الاستعداد للأحداث القتالية، فالجيش الإسرائيلى يحتاجهم جميعًا، وغيابهم يضر بأدائه، وتكمن المشكلة الأكبر فى المناطق التى يخدم فيها جنود الاحتياط، وكذلك فى تأثير ذلك على خفض التطوع فى وحدات النخبة، والذى إذا استمر سيؤثر بشكل فعّال على وجود المقاتلين المتقدمين للتطوع فى خدمة الاحتياط.
ولطالما أكد الجيش الإسرائيلى أن ميزته النسبية تكمن فى نوعية مقاتليه وتماسكهم وتضامن وحداته، وهى الميزات التى تواجه تحديات اليوم.
مخاوف من تسييس الجيش.. وترقب أزمة دستورية بين الحكومة والقضاء
عادة ما كان للجيش الإسرائيلى مكانة خاصة عند الإسرائيليين، ولطالما نُظر إليه على أنه بوتقة الانصهار التى جمعت أشخاصًا من مختلف أنحاء العالم، كما تظهر استطلاعات الرأى دائمًا أن الجيش هو المؤسسة الأكثر موثوقية فى إسرائيل.
وأجاب حوالى ٩٠٪ من الإسرائيليين اليهود عن سؤال عن ذلك بقولهم إنهم يثقون بالجيش، وذلك وفقًا لاستطلاعات معهد الديمقراطية الإسرائيلى، فيما عانت مؤسسات أخرى من تآكل الثقة على مدى العقود الماضية. ولطالما كان الجيش الإسرائيلى بعيدًا عن السياسة ولا ينخرط فيها، ولكن الوضع الآن تغير، إذ أصبح الجيش منخرطًا فى السياسة اليوم، وإذا كان جنود الوسط واليسار يعارضون حاليًا الإصلاحات القضائية للحكومة اليمينية، فمن المتوقع أنه مع حكومة وسط يسار قد يعارض الجنود اليمينيون الاتفاق مع الفلسطينيين أو إخلاء المستوطنات، وهذه أزمة لن يتم حلها على المدى القريب. وحول ذلك، قال رئيس الموساد ديفيد برنياع إنه إذا علقت المحكمة العليا الإسرائيلية، فى جلستها المقررة فى سبتمبر المقبل، قانون إلغاء حجة المعقولية فإنها ستخلق أزمة دستورية، مع الدخول فى سيناريو يحدث فيه فراغ فى الشرعية.
وأضاف: «سيكون من غير الواضح أن أيًا من مؤسستى البرلمان والمحكمة العليا لديها المزيد من الشرعية، لكنّ الخبراء القانونيين يتفقون على أنه من غير المرجح أن تلغى المحكمة العليا القانون فى هذه القضية بالذات». وأشار إلى أنه حتى إذا وقعت إسرائيل فى أزمة دستورية، فإن تسييس الجيش الإسرائيلى لن يزيد من احتمال حدوث انقلاب.
تحذيرات من تقويض قدرة تل أبيب على الردع الإقليمى فى ظل تصاعد التهديدات على مختلف «المناطق الساخنة»
الأحد الماضى، أصدر معهد دراسات الأمن القومى «INSS» تحذيرًا أشار فيه إلى أن الجيش الإسرائيلى، الذى وصفه بـ«الجيش الشعبى»، «معرض لخطر التفكك، فى واقع محفوف بالمخاطر يهدد معادلة الردع الإقليمى، وأن هذا يحدث وسط تصاعد التهديدات على مختلف الجبهات».
كان المعهد قد حذر بالفعل وقبل عدة أشهر من خطة الإصلاح القضائى، لكنه أشار الآن إلى أن الضرر الذى يلحق بالأمن القومى الإسرائيلى أصبح حقيقة واقعة.
وقال، فى تقرير له: «الاضطرابات الشديدة التى يمر بها الجيش الإسرائيلى تقوض أسس (جيش الشعب)، وهذا من شأنه أن يقوض الردع الإسرائيلى، ويضر بقطاع التكنولوجيا الفائقة الذى تعتمد عليه الدولة، ويضعف الاقتصاد، ويزيد الانقسامات فى المجتمع».
فى المقابل، يرى المراقبون أنه فى حالة نشوب صراع حاد فإن جنود الاحتياط سيعودون إلى الخدمة، وهو ما حدث عندما عاد جميع جنود الاحتياط لقتال حركة «الجهاد الإسلامى» الفلسطينية بغزة فى مايو، وللمشاركة فى عملية جنين أوائل يوليو الماضى.
وتساءل المراقبون: هل سيستغل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أى توتر لإحداث مواجهة يعيد بها توحيد الإسرائيليين أم لا؟
وحسب صحيفة «جيروزاليم بوست»، فإن نتنياهو توقع أن تداعيات إلغاء قانون حجة المعقولية لن تؤثر بشكل خطير على استعداد الجيش الإسرائيلى للحرب، كما أنه استند أيضًا على دعم قيادات الجيش له، بعدما أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلى هرتسى هاليفى، وقائد القوات الجوية اللواء تومر بار، أنهم سيدعمون الحكومة ضد تهديدات جنود الاحتياط، وأنهم لن ينحازوا إلى جانب سياسى، وإن كانوا فى الواقع اصطفوا وراء نتنياهو.
وحذر المراقبون من أن الخطر لا يزال قائمًا، معتبرين أنه إذا لم تتمكن القوات الجوية الإسرائيلية فى غضون أسبوعين من القيام بغاراتها الجوية المعتادة على المواقع الإيرانية فى سوريا، فإن «وكلاء إيران» سيفهمون ما تعانيه إسرائيل، وقد تكون لديهم فرصة لتهريب المزيد من الأسلحة تحت عيون الإسرائيليين.
وأوضحوا أنه ربما فى مرحلة ما قد يقرر «حزب الله» اللبنانى أو إيران بدء تصعيد محدود لاختبار ما إذا كان سلاح الجو الإسرائيلى لا يزال يعمل، وهو ما قد يؤدى إلى حرب لم تكن لتحدث لولا ذلك.