ثورة يوليو «3-3»
من النقاط المثيرة للجدل حول تاريخ ثورة يوليو مسألة الإيجابيات والسلبيات، وأقصد ما يقال عنه إيجابيات ثورة يوليو، وما يقال عنه سلبيات نظام يوليو. وهنا نجد أنفسنا فى وضع غريب، بل دعونى أقول مريبًا بعض الشىء؛ إذ ما يراه أنصار يوليو أنه بمثابة إيجابيات، يراه الطرف الآخر سلبيات مطلقة، وهكذا نعود إلى النقطة المهمة التى تحدثنا عنها فى المقال الأول من هذه السلسلة، وأقصد كيف نقرأ تاريخنا، وللأسف نحن نقرأ تاريخنا من خلال ثنائية: أبيض وأسود، إيجابيات يراها البعض هكذا، ويراها البعض الآخر سلبيات، ولم نحاول الخروج من هذه الثنائية المثالية الهلامية، لم ندرك أن كل قرار تاريخى له جوانب إيجابية وفى الوقت نفسه له أيضًا جوانب سلبية، لكننا نُصر للأسف الشديد على ثنائية: أبيض وأسود!
ومن أهم هذه القرارات قوانين الإصلاح الزراعى، هذه القوانين التى أصدرتها ثورة يوليو مبكرًا فى محاولة لتجاوز الأزمة الاجتماعية التى كان يعانى منها الريف المصرى آنذاك. يراها أنصار يوليو إيجابية مطلقة، بينما يراها الطرف الآخر سلبية مطلقة أدت إلى الاعتداء على الملكية الفردية، كما أدت إلى المزيد من تفتيت الملكيات الزراعية، بحيث أصبح من الصعب قيام تنمية زراعية على نطاق واسع. وينسى الجميع أن مسألة الإصلاح لم تكن من بنات أفكار ثورة يوليو، وإنما كانت مطروحة قبل يوليو فى الساحة السياسية المصرية، بل فى البرلمان نفسه، وأن الإصلاح الزراعى لا يمُت بالصلة للاشتراكية أو الشيوعية، وإنما هو من نتاج الأفكار الرأسمالية فى محاولة لحل الأزمة الاجتماعية، وأن أمريكا نفسها روجت لمسألة الإصلاح الزراعى فى الشرق الأوسط منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، فى محاولة لحل الأزمة الاجتماعية، والحيلولة دون وصول الشيوعيين إلى الحكم لا سيما فى مصر وسوريا والعراق.
هكذا كانت قوانين الإصلاح الزراعى ضرورة حتمية للأزمة الاجتماعية. وقد أدركت يوليو الأثر السيئ لذلك على تفتيت الملكيات الزراعية، وعدم قيام تنمية واسعة ولذلك عوّلت ثورة يوليو على الجمعيات التعاونية الزراعية فى محاولة لعلاج هذا الأمر، وإن شاب هذه التجربة الكثير من سوء الإدارة.
فى الحقيقة كانت قوانين الإصلاح الزراعى، مثلها مثل قرارات أخرى ليوليو أشهرها تأميم قناة السويس، لها إيجابيات ولكن فى الوقت نفسه لها سلبيات، لكن أعيننا تعودت على القراءة من منظور: أبيض وأسود فحسب، وهذه هى المأساة.