ثورة يوليو «2-3»
ما زالت ثورة يوليو، رغم مرور عشرات السنين، تدور حولها العديد من التساؤلات، التى يطرحها البعض أحيانًا فى صورة شكوك، بل أحيانًا فى صورة اتهامات تُوجه إلى ثورة يوليو، تصل إلى وصفها بالمؤامرة.
من أهم هذه التساؤلات علاقة ثورة يوليو بأمريكا، لا سيما فى فترة البدايات، هذه العلاقة الملتبسة التى تصل إلى حد أن وصفها بعض المناوئين ليوليو بأن «انقلاب يوليو هو صناعة أمريكية».
وبداية لا بد من الأخذ فى الاعتبار أن أى حدث تاريخى لا يحدث بمعزل عن العالم، وأن الحدث التاريخى يتفاعل مع المتغيرات العالمية، بل أحيانًا يكون نتيجة لهذه المتغيرات، أو على الأقل تلعب هذه المتغيرات دورًا مهمًا فى صناعته، بل تطوره.
من هنا لا يمكن تصور وقوع حدث كبير فى بلد مهم مثل مصر، ومنطقة الشرق الأوسط يُعاد تشكيلها فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، دون وجود مؤثرات خارجية، وهنا سينصب اهتمامنا على الدور الأمريكى فى المنطقة، لا سيما بعد الدور الكبير الذى لعبته فى الحرب، وخروجها منتصرة، وتحوّلها إلى القوة العظمى الأولى فى العالم، مع تراجع القوى العجوز: بريطانيا وفرنسا. كما تمتعت أمريكا فى ذلك الوقت بميزة القوة العظمى ذات الوجه الحسن؛ إذ لم يُعرف عنها التورط فى حركة الاستعمار فى منطقة الشرق الأوسط، مثلما تورطت إنجلترا وفرنسا. وهناك من يرى أن أمريكا سعت بحق إلى وراثة الدور البريطانى فى المنطقة، لا سيما مع ضعف بريطانيا، وصعود الاتحاد السوفيتى، وخوف الغرب من ابتلاع الاتحاد السوفيتى منطقة الشرق الأوسط، مثلما فعل فى شرق أوروبا. من هنا ألقت أمريكا بثقلها فى المنطقة خوفًا من قيام انتفاضات شيوعية، وحرصت على دعم وجود أنظمة مناوئة للشيوعية.
ويؤكد البعض وجود اتصالات سرية بين بعض الضباط الأحرار ومسئولين أمريكيين قبيل ثورة ٢٣ يوليو، وربما يكون ذلك صحيحًا، ولكنه ليس دليلًا على أن ثورة يوليو صناعة أمريكية. وبالقطع كانت مصر محط اهتمام وتواجد كل أجهزة المخابرات العالمية، نظرًا لمكانتها. كما أن تطور الأحداث فى مصر منذ إعلان إلغاء معاهدة ٣٦ فى عام ١٩٥١، وقيام الكفاح المسلح ضد الوجود البريطانى فى منطقة القناة، ثم حريق القاهرة فى ٢٦ يناير ١٩٥٢، والأزمة الاجتماعية فى الريف المصرى، ساعدت على الخوف من تمكن الشيوعيين من الوصول إلى الحكم فى مصر، كذلك لم يكن الغرب آنذاك راضيًا عن احتمال وصول الإخوان إلى الحكم، لذلك عندما قامت ثورة يوليو، تدخلت السفارة الأمريكية لمنع تحرك القوات الإنجليزية من قاعدة قناة السويس لقمع الضباط الأحرار، لأن حدوث ذلك كان يعنى الفوضى المطلقة، وربما قفز الشيوعيون إلى واجهة الأحداث. والحق أن أمريكا مالت إلى دعم ثورة يوليو فى البداية، لتهدئة الأجواء فى مصر، وحدث شهر عسل قصير من عام ١٩٥٢ إلى عام ١٩٥٤، عندما بدأ الخلاف بين أمريكا والضباط الأحرار حول قضايا معينة كان أهمها عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، وقبول سياسة الأحلاف العسكرية فى المنطقة.
من هنا سيبدأ الفراق بين أمريكا وثورة يوليو.