رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محافظون وتجارب " 10 " حلم ثوار يوليو ! (1)

قال تعالى : ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾  صدق الله العظيم  "الكهف الاية  82" 
(2)
على مدى 9 حلقات متتالية كتبت  تحت عنوان هذا المقال " محافظون وتجارب " عن عدد من المحافظين المهمين من أصحاب التجارب الخاصة التى أداروا بها محافظاتهم ، منها تجارب الفريق يوسف صبري ابو طالب و عمر عبد الاخر وعبد الرحيم شحاته في القاهرة واللواءان زكى بدر  وعبد الحليم موسي في أسيوط وقبلهم تجربة المحافظ الإخواني محمد عثمان إسماعيل وكذلك تجربة  للسيد وجيه اباظة في البحيرة ،  وكتبت ايضا عن قصة إنشاء كورنيش القاهرة ودور السيد عبد اللطيف البغدادى في إنشاءه رغم المعوقات الكبيرة التى كانت في طريقة من سكنات عسكرية للجيش البريطاني والسفارة البرياطنية المطلة على النيل وغيرها .
وهنا فسوف نحكى عن تجريبة مختلفة  لا تخص  محافظ بعينه  ، ولكنها ملحمة لابد أن تحكى للأجيال الصاعدة ، فالحديث هنا عن حلم وأمل ، لثوار يوليو بقياد الزعيم جمال عبدالناصر الذي حلم بإنشاء واد مواز لوادى النيل ، يقام على أرض الواحات الغربية البكر المنعزلة عن وادينا .
حلم الثوار بتحويل هذه البقعة من أرض مصر الى محافظة واعدة ، فأعلن الرئيس جمال عبدالناصر عام 1958 عن البدء في ارسال قوافل تعمير للواحات وقال انه حلم ان يتحول لواد مواز لوادي النيل يخترق الصحراء الغربية لتعميرها وزراعتها على مياه العيون والآبار بهدف تخفيف التكدس السكاني في وادي النيل والإستفادة منها زراعيا وإقتصاديا . 
و البداية كان التكليف  للمشير عبدالحكيم عامر لدراسة آفاق التنمية فى الصحراء المصرية ، وعلى الفور شكل المشير لجنة أطلق عليها لجنة تعمير الصحارى برئاسة اللواء حسن صبيح مدير سلاح المهندسين وبعضوية مقدم محمد وفيق عبد الرحمن للتخطيط والمقدم حسين إدريس للمياه الجوفية والمقدم محمود حمدى أباظة للميكانيكا والكهرباء والرائد أحمد رفيق النجار للمشروعات، وقامت اللجنة بدراسة لجميع الصحارى المصرية.  - وذكر هذه الاسماء هنا كان واجبا علينا لتكريم أصحابها فهم جنود الظل اللذين لم يلقوا التكريم المستحق– 
تم عمل الدراسات وبناء قاعدة بيانات ورسم خرائط ومسوح جيولوجية الى جانب دراسة التركيبة السكانية و الزراعات االقائمة ونظم الرى المتبعة منذ قديم الازل ، 
وبدأت اولى قوافل التعمير يوم 3 اكتوبر عام 1959برجال الجيش المصري من سلاح المهندسين إلي مدينة الخارجة حيث إتخذ الضباط موقع بشمال مدينة الخارجة ،  ليكون نقطة  إنطلاق كتائب التعمير لحفر الآبار واستصلاح الأراضي.ويبصح يوم 3 اكتوبر عيدا قوميا للوادى الجديد .
بدأ حفر الآبار في قرية باريس التى تحولت الى مدينة فيما بعد ، وكذلك حفر ابار في قرى المنيرة وجرمشين ،
وتم شق العديد من الترع والطرق  التى كان يتفاءل بها اهلى الواحات ، فكانت الذبائح تذبح مع كل بئر يتم تشغيله وتقام الولائم  ويشدو الأهالى بالأغاني منها  أغنيتهم الشهيرة " يا عين شويه شويه – الميه أهى جايه " .
وفي عام 1961 دخلت المحافظة نظام الإدارة المحلية لأول مرة ، و تم تعين اللواء أنور عبد الحليم البارودي كأول محافظ للوادى الجديد والذي عمل محافظا لمدة 7 سنوات ، ثم توالى تعين المحافظين اللذين كان إختيارهم بمعاير الكفاءة والجدية وطهارة اليد ، وكان في الأغلب أن يتم تعين محافظ من أبناء القوات المسلحة بإعتبار الوادى الجديد محافظة حدودية ترتبط بالأمن القومى ن ولكن ذلك لم يمنع أن تم تعين المهندس إبراهيم شكرى محافظا للوادى  في الفترة من عام 1974 و 1976، ثم تولى الدكتور كمال الجنزورى بين عامى 1976و 1977
(3)
يمكن القول أن مقومات دولة كبرى تتمتع بها محافظة الوادى الجديد تأكدنا منها خلال جولتنا الميدانية نظمتها اللجنة الاقتصادية لنقابة الصحفيين في غضون عام 2001 وشارك فيها نخبة من صحفيين الإقتصاد منهم الراحل الاستاذ شفيق أحمد على نائب رئيس تحرير روزاليوسف ، والراحل مجدي رياض نائب رئيس تحرير جريدة العربي ، و قد تجولنا محافظة الوادى الجديد من شمالها لجنوبها لنكتشف إننا أمام كنز مصرى إدخره الله لنا وللأجيال القادمة ، وتذكرنا  الآية الكريمة في سورة الكهف " وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا "
فالوادى الجديد أكبر محافظة مصرية من حيث المساحة وتبلغ 44 % من مساحة مصر و ترتبط بحدود مع محافظات مطروح والبحيرة والجيزة واسيوط و سوهاج وقنا واسوان ففيها من الأثار قرابة 193 منطقة أثرية وتاريخية لكافة العصور التاريخية منها الرومانية و القبطية والفرعونية و الإسلامية والفارسية والبطليمة.
وبالوادى تنتشر منابع للمياة الكبريتية معجزة الاستشفاء الى جانب الرمال البيضاء وأكبر احتياطى من الفوسفات وهناك ملحمة في قصة انشاء فوسفات ابو طرطور - سوف تكتب في حينها – 
وتمتلك محافظة الوادى أكثر من 4 ملايين نخلة، وتعتبر التمور هي المحصول الإستراتيجي الأول الى جانب كل أنواع الخضروات وأجودها وأهمها زيت الزيتون  .
ويمكن القول إن الوادى الجديد  هى المصدر الأهم للثروة الحيوانية في مصر وهو مصدر كفيل أن يغنى مصر باللحوم الحمراء والألبان والدواجن وبالأخص الديوك الرومى التي تتميز بالحجم الكبير يصل وزنها إلى 25 كيلو جراماً وكان يسمى ذو الصدر العريض .
في وادى النيل من يمتلك خمسة فدادين أرض زراعية يعتبر عمدة في بلده ، ومن أعيان وقتنا الحالي ، أما فى الوادى الجديد فحلم إمتلاك أرض صالحة للزراعة يبدأ بعشرة أفدنة وهو حلم قريب وليس ببعيد عن الطموحين ، هناك تجد مئات التجارب والناجحة وعشرات القصص لأسر غادرت محافظاتها وإنتقلت للوادى لتحقيق حلم إمتلاك ارض وزراعتها ، ورغم كل الصعوبات هناك قصص نجاح كثيرة تحكى ، ومازالت الأحلام باقية وحلم ثوار يوليو يتجدد كل يوم مع كل وافد جديد لأرض الوادى الجديد.