محافظون وتجارب "9"
«شيخ العرب» عبدالحليم موسى
استمرت أسيوط بوابة المرور لمنصب وزير الداخلية، طوال حقبتى الثمانينيات والتسعينيات، بداية من اللواء زكى بدر، الذى بدأ الحرب على الجماعات الإسلامية المسلحة من أسيوط واستكملها وهو وزير داخلية، وتكرر نفس الأمر مع اللواء عبدالحليم موسى، وتكرر مرة ثالثة مع اللواء حسن الالفى.
أما عن اللواء عبدالحليم موسى، الذى لقب بـ«شيخ العرب»، فقد عرف عنه الكثير من حبه لـ«آل البيت» وقربه إلى الله، ومن مداومته على أداء الصلاة فى أوقاتها، والابتسامة الدائمة التى كانت ترتسم على وجهه طوال الوقت، فنادرًا ما تجد له صورة يكون فيها عابث الوجه، ولم يعرف عنه أبدًا العصبية أو سلاطة اللسان.
لكن لهذه الشخصية وجه أخر، لا توثقه عدسات المصورين، ولكن أكدته الأحداث التى اشتعلت فى أسيوط خلال فترة توليه محافظة أسيوط بين أعوام 1987 و1990، قبل انتقال العمليات الإرهابية لمحافظة المنيا.
ثم اشتعال الحرب على الإرهاب عمومًا ووصولها لقمتها بين عامى 1990 و1993، وهى فترة تولى اللواء عبدالحليم موسى، أيضًا، وزارة الداخلية.. وهو ما ربط اسم عبدالحليم موسى بمحاربة الإرهاب.
وهنا يكمن السر الذى كانت تخفيه بشاشة وجهه، فلم يكن موسى سوى رجل أمن قوى ومحترف نجح فى مهامة الأمنية وتدرجه فى المناصب العليا؛ بداية من مدير للأمن العام، ثم مديرًا لمباحث أمن الدولة، ثم محافظًا لإقليم يشتعل بالإرهاب وبالخصومات الثأرية، ثم وزيرًا للداخلية.
أول نجاحات عبدالحليم موسى فى أسيوط كانت خفض حدة الخصومات بين القبائل؛ بإقرار سياسة المصالحات التى كان يشارك فيها بنفسه، ونجح من خلالها فى جمع عدد كبير من الأسلحة والقضاء على العديد من بؤر تجارة المخدرات، وهذه التجارة كانت تنشط على حس الخصومات الثأرية، حيث تكثر الأسلحة ويقل التواجد الأمنى، خاصة فيما يعرف بالجزر أو المناطق الجبلية.
ونجح اللواء عبدالحليم موسى فى إقناع بعض العائلات بالوقوف إلى جانب الدولة فى حربها مع الجماعات المسلحة ومشاركتهم فى إلقاء القبض على الكثير منهم، ومشاركتهم قوات الأمن فى إقتحام البؤر الإرهابية خاصة فى الجبال، ونجح فى أن يكون للعائلات دور فى منع هروب الإرهابين واختبائهم فى الزراعات والمغارات الجبلية.
وفى هذه الأثناء، اعتدت الجماعة الإسلامية على إحدى الفرق المسرحية بقرية «كودية الإسلام» التابعة لمركز ديروط، وقتلوا اثنين من شباب الفرقة، ما أغضب الرأى العام المصرى كله، وفى مقدمته الفنان الكبير عادل إمام، الذى قرر مواجهة الإرهاب فى قلب الأحداث بعرض مسرحيته «الواد سيد الشغال» فى أسيوط.
وبالفعل، تلقى الفنان عادل إمام الدعوة من اللواء محمد عبدالحليم موسى، محافظ أسيوط، لعرض المسرحية على خشبة مسرح قصر ثقافة أسيوط، وسط حفاوة شعبية من جماهير المحافظة، وكثافة أمنية كبيرة. وينجح تحدى عادل إمام وعبدالحليم موسى للإرهاب.
ورغم ذلك، تبنى اللواء عبدالحليم موسى، وهو وزير داخلية، فكرة المراجعات والحوار مع الجماعات المسلحة، وكانت سببًا فى إقالته من منصب الوزير، وفقًا لمذاكرات الدكتور كمال الجنزورى، رئيس الوزراء الأسبق، فقد اعتبرها الرئيس مبارك إهانة للدولة.
فى صباح أحد أيام ممارسة اللواء عبدالحليم موسى عمله كمحافظ، وأثناء مغادرته منزله إلى مقر المحافظة، استوقفه رجل صوفى مجذوب من رجال الصوفية، رث الهيئة، مهلهل الثياب، اقترب من المحافظ فاستوقفته الحراسة، فأمرهم المحافظ بالابتعاد عنه وطلب منه الاقتراب، صافحه «المجذوب» بكلتا يديه وقال: يا شيخ العرب، أنت رجل عظيم وقريبًا أنت وزير للداخلية.
ومن هذا اليوم لم يفارق «المجذوب» اللواء عبدالحليم موسى، قربه منه وتكفل به وبمعيشته وظل إلى جواره حتى تم تعيينه بالفعل وزيرًا للداخلية، ولعب «المجذوب»، وفقًا لأحاديث اللواء عبدالحليم موسى، دورًا فى إنقاذ حياته من الموت حين دبرت الجماعات الإرهابية لاغتياله، فيمنعه «المجذوب» من مغادرة منزله صبيحة يوم 12 أكتوبر عام 1990 وهو يستحلفه ألا يخرج مبكرًا، ويطالبه بتأخير خروجه، فيستجيب له عبدالحليم موسى ويؤخر خروجه لمدة ساعة، فيغتال الدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب، الذى كان خط سيرة هو نفس خط سير وزير الداخلية عبدالحليم موسى، ويعترف منفذ العملية صفوت عبدالغنى بأن المستهدف كان وزير الداخلية وليس رئيس مجلس الشعب، فيرتفع شأن «المجذوب» أكثر وأكثر عند اللواء عبدالحليم موسى، ولكنه يختفى فجأة ولم يظهر مرة أخرى رغم تكليف الوزير فرقًا للبحث عنه، لكن دون جدوى حتى الآن.
وللحديث بقية.