عن حسن الوزير وباب عشق
الذين أسعدهم الحظ وشاهدوا مسرحيات حسن الوزير السابقة، لن يترددوا فى التوجه الى مسرح الطليعة وتجاوز جيوش الباعة الجائلين للاستمتاع بعرض «باب عشق»، وأيضًا للاطمئنان على المسرح المصرى بشكل عام، أشاهد عروض المخرج القدير منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى، وأعرف أنه لم يكن مشغولًا بالمجد الذى يبحث عنه الكثيرون، وكان مهمومًا بالعمل فى معظم أقاليم مصر، التى كان يذهب إليها لتقديم خدمة ثقافية يحتاجها الجمهور المتعطش للفنون الرفيعة، ولن ينسى عشاق المسرح عمليه الرائعين، «أرض لا تنبت الزهور» للعظيم محمود دياب، و«طقوس الإشارات والتحولات» للعظيم الآخر السورى سعدالله ونوس، الذى قدم على مسرح الهناجر وكانت بطلته الفنانة الكبيرة سوسن بدر وحصلت على دورها فيه على جائزة أفضل ممثلة، وشاركها البطولة فيه نبيل الحلفاوى وحمدى الوزير والراحل الحبيب خالد صالح وخالد الصاوى، وهو العمل الذى نبه إلى موهبة الخالدين، حسن الوزير البورسعيدى الموهوب الذى بدأ ممثلًا واتجه الى الإخراج، لم يزاحم أحدًا على شىء، وأخلص لفن المسرح، من أجل إشاعة المناخ الإبداعى، واكتشاف المواهب الجديدة وتقديمها للناس، فى عرضه الجديد «باب عشق»، نجح الوزير فى معالجة نص إبراهيم الحسينى وقدم من خلاله حالة مسرحية مدهشة، ووضع المتفرج فى عالم سحرى يقترب من أجواء «ألف ليلة وليلة»، مظللًا بالموسيقى والغناء، يحكى العرض قصة أميرة جميلة وشابة تهوى الشعر، والغناء، وابنة وحيدة لملك قوى سترث الحكم من بعده، وتشترط الزواج من أفضل شاعر يمتلك الموهبة والقدرة على وصف جمالها، فيتسابق الشعراء لنيل رضاها، ولكنها ترفضهم جميعًا، يصل الخبر إلى شاعر موهوب مغمور، فيكتب قصيدة جميلة، ويسافر عبر الصحراء حاملًا قصيدته التى سميت «القصيدة اليتيمة» لأن شاعرها لم يكتب غيرها أو «القصيدة الدعدية» نسبة إلى الأميرة دعد، ابنة ملك نجد، ولكن أحد الأشقياء الطامعين فى الأميرة وملكها، يقوم بقتل الشاعر ويذهب بقصيدته إلى الأميرة التى أُعجبت بها، ولكن أشباح الشاعر القتيل تطارد العريس القاتل، فيصاب بالجنون وتكتشف الأميرة أمره، ولكنها تخفى الأمر بسبب المؤامرات التى تشتعل فى القصر بعد وفاة والدها، وتنتقم منه بطريقتها فيما بعد، الشاعر القتيل هو دوقلة، وقصيدته اليتيمة المكونة من ٨٨ بيتًا، لم يعرف أحد هل هو شخص حقيقى أم لا؟، ولكن سحر الحكاية يجعلنا لا نفكر كثيرًا فى الأمر، لأن العرض بلغته العربية السهلة استدعى عصرًا بأكمله بملابسه وديكوره، واقتربت الموسيقى، التى هى أقرب لخيال الرحبانية من الحالة ولكنها لم تمسكها كما ينبغى، وربما نجح الغناء فى تعويض ما نقص، العرض الحالم رفع من شأن الخيال، وطرح السؤال: ولماذا لا يحكم الشعراء؟، النص لم يتعامل مع الشعراء بمثالية، واعتبرهم طامعين فى السلطة مثلهم مثل الآخرين، واستدعاء قصة قديمة كهذه حاول مؤلف النص ومخرجه من خلالها البُعد عن صراعات الحاضر، وتوقع نهايات الزيف، العرض فى مجمله حقق ما يتمناه صانعوه، وهو تقديم عمل يؤكد على حيوية المسرح المصرى الذى يعانى من مشكلات مفهومة، وأيضًا جذب جمهورًا متنوعًا، وسعدت جدًا وأنا أشاهد عرضًا على مسرح الدولة مزدحم بالجمهور، ونجح حسن الوزير فى إخراج طاقات الممثلين بشكل رائع، وأتوقع لبطلة العرض هالة ياسر، التى قامت بدور الأميرة دعد، أن يكون لها شأن كبير، فهى جميلة وخفيفة الروح ولغتها سليمة وصاحبة حضور قوى، وأتمنى أن ينتبه لها صناع الدراما التليفزيونية، وأيضًا ماهر محمود الذى قام بدور دوقلة، وإسلام بشبيش الذى قام بدور هارون، والفنان فكرى سليم الذى قام بدور الملك باقتدار وحرفية عالية، وخالد العيسوى الذى قام بدور راشد السياف، ونجح حسن الوزير فى استثمار موهبة محمد جاد الذى قام بدور القائد جلال، وقدمه كممثل مخضرم، ولم نشعر بأنه ابتعد عن المسرح لمدة أربعين عامًا، وبقية الممثلين بالطبع، ديكور فادى فوكيه كان رائعًا، وأيضًا استعراضات محمد بحيرى البسيطة المتقشفة الخالية من المبالغات، وكان لقصائد الشاعر الكبير درويش الأسيوطى دور كبير فى نجاح العرض، «باب عشق» مسرحية جميلة استقبلها الجمهور والنقاد بحفاوة، وربما لهذا السبب لم يتم اختيارها فى المهرجان القومى للمسرح.