عزيز نسين «1-2»
تناقلت وكالات الأنباء، فى هذه الأيام، خبر عودة العلاقات الدبلوماسية بين كل من مصر وتركيا، وهو فى حقيقة الأمر خبر سار نظرًا لقِدم العلاقات بين البلدين، وأيضًا مدى تأثيرهما فى أحداث المنطقة.
هكذا وجدت نفسى أطالع أحد الكتب التى اقتنيتها مؤخرًا، وهو كتاب «مختارات من القصة التركية القصيرة»، وهو الكتاب الذى وضعه البروفيسور التركى- المصرى أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامى، وأستاذ تاريخ العلوم، وعضو مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، حيث قام بتقديم دراسة وسيرة لنخبة من أهم كُتاب القصة القصيرة فى تركيا، كما قام بالترجمة إلى اللغة العربية لمجموعة رائعة من هذه القصص.
ولأهمية الكتاب ومكانته، كتب المقدمة له أحد أهم رموز الثقافة المصرية، الدكتور ثروت عكاشة، وبذكاء شديد يشير عكاشة إلى نقطة مهمة- أتصور أنها ما زالت تنطبق على الوضع الحالى- وهى أن الفن والأدب هما لغة الحوار بين الشعوب، بصرف النظر عن الخلافات السياسية.
وقد بدأت معرفتى بالأدب والفن التركى مبكرًا، نظرًا لاهتمامى بالدراسات العثمانية. وكانت أولى قراءاتى فى هذا الشأن للكاتب التركى الكبير عزيز نسين، الذى تُرجِمَ بعض كتاباته إلى اللغة العربية. ولا أستطيع أن أصف مدى إعجابى وتعلقى بكتابات نسين، هذه الكتابات التى تنتمى إلى الأدب الساخر.
ولد عزيز نسين فى إسطنبول فى عام ١٩١٥، أى فى أثناء فترة الحرب العالمية الأولى، وهى لمن يعرف التاريخ التركى أحلك الفترات التى مرت بها تركيا. وتوفى نسين فى عام ١٩٩٥، وما بين التاريخين عاش نسين حياة صاخبة، تركت لنا إبداعًا عظيمًا.
بدأ نسين حياته بالالتحاق بالمدارس العسكرية، نظرًا لفقر أسرته، وعدم المقدرة على الإنفاق على التعليم فى المدارس المدنية. لكن سرعان ما تغيرت حياة نسين بعد ذلك، نتيجة التحولات الحادة التى عاشتها تركيا؛ إذ ترك الخدمة فى الجيش وتفرغ للكتابة، رغم أنه بدأ الكتابة وهو فى الخدمة بالجيش التركى، لكن القانون العسكرى التركى كان يمنع الكتابة فى المجال العام، لذلك كان يكتب باسم مستعار.
وكما هو الحال فى العالم كله، فإن احتراف الكتابة لا يوفر المال للمُبدِع، من هنا حاول نسين العمل بمهن أخرى توفر له نفقات العيش، من أجل تحقيق مشروعه الأدبى. وكما يقول أوغلو فى ترجمته لسيرة حياة نسين: «عمل فى التجارة ولم يفلح ثم احترف التصوير ففشل».
وانضم عزيز نسين إلى الحركة اليسارية فى تركيا، هذه الحركة التى كانت على خلاف دائم مع نظام الحكم فى تركيا. وكان انتماء نسين إلى اليسار العالمى الذى لا يكتفى بقضايا بلده فحسب، ولكن يرى أن القضية الاجتماعية هى قضية عالمية. من هنا كتب عزيز نسين مهاجمًا تغافل نظام الملك فاروق فى مصر، والشاه فى إيران، عن الأزمة الاجتماعية التى تعصف بكل من مصر وإيران فى مطلع الخمسينيات. وأقامت عليه سفارتا الدولتين دعوى قانونية أمام القضاء التركى، وحُكم عليه بالحبس ستة أشهر.
وفى المقال المقبل نستكمل رحلة عزيز نسين مع الحرية والإبداع.