محمد عفيفي مطر.. لا يمكن معرفة العالم بغير معرفة الخاص والذاتي
يعد الشاعر محمد عفيفي مطر، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 2010، واحدا من أبرز الشعراء المصريين في النصف الثاني من القرن العشرين.
يصف الناقد اللبناني “شوقي بزيغ”، تجربة محمد عفيفي مطر الشعرية بأنها: “هو كون هذه التجربة تتغذى من مصادر ريفية وترابية، وما يتفرع عنها من عناصر تكوينية وطقوس ومعتقدات.”
وفي إحدى زياراته إلى سوريا، باح الشاعر محمد عفيفي مطر، إلى التلفزيون السوري ببعض من دفاتره الشخصية، تحديدا أسراره الخاصة. فحول مفردة “الجوع” والتي تكثر في أعمال وقصائد “مطر الشعرية” يقول: أرجو ألا يفهم من كلمة “الجوع” الكلمة الفيزيائية العادية. الجوع ليس حالة فيزيائية فقط، ولعل أقسي أنواع الجوع، هو الجوع للكرامة. الجوع للكرامة علي مستوي الفرد، والجوع للكرامة علي مستوي المثقف الفرد.
لقد نشأت في أسرة بسيطة كادحة، في قرية فقيرة كادحة، في مجتمع فقير كادح. وأذكر في طفولتي وصباي لم يكن في قريتي أكثر من 20 شخصا يرتدون الأحذية. وكنت أري خصوبة الأرض الفياضة بالخضرة، وأري خصوبة البشر بالشعر والأساطير، وكنت أري الجوع أيضا.
وأردف “مطر”: الجوع، والخصوبة، والعقم، ربما كانت هي المحاور الثلاثة التي دار فيها شعري في الدورة الأولى في حركتي الشعرية.
ــ الانطلاق من الذاتي إلى الجمعي
وحول إن كانت مصطلحات محمد عفيفي مطر، تعبر عن مصطلحات جمعية أم ذاتية، تابع “مطر”: نشأة الشاعر كنشأة أي فرد يبدأ في التعرف علي العالم من حوله، بدءا من أسرته وأهل قريته مرورا بالتعرف علي شعبه وأمته وصولا للتعرف علي العالم. هذه الدوائر المتداخلة والتي تتسع شيئا فشيئا مع العمر، تجعل المعاناة والتأمل والرؤية فتحفز كثيرا من ذاتية الشعر والشاعر ولكن احساسه بكل ذلك، إحساسا ذاتيا أولا، ثم مع الثقافة تتداخل هذه الفردية مع أهداف عامة وقومية وإنسانية .
ولفت “مطر": في حقيقة الأمر لا يمكن معرفة العالم بغير معرفة الخاص والذاتي، وأقصد بكلمة المعرفة، معرفة الشعر الذي يكتب، معرفة ذاته كفرد في جماعة، كعامل بين عمال، كمثقف بين مثقفين، كمواطن بين مواطنين. وفكرة التضخم الذاتي للشاعر ربما كانت في حقيقتها طريقة في الدفاع عن النفس، وطريقة في الدفاع عن الوجود، وجود الذات وحلم التحقق إلي آخره .
وتابع “مطر”، صاحب ديوان “شهادة البكاء في زمن الضحك”: هذا العالم القاسي الذي يقتحم الشاعر بأظلافه وحوافره وأسلحته يحتاج إلي ما يقيم قامته في وجه كل هذه العاصفة المهولة من الترويض والتجويع. وربما كانت فكرة الذات المتضخمة عند الشعراء فكرة مبالغ فيها أولا، ونوعا من الدفاع الذات ثانية، ونوعا من ممارسة ما يمكن أن يكون موجودا في كل البشر وهو حب الاستعراض، وحب الـظهور أمام الآخرين، وحب خلع الأقنعة والأثواب والوقوف عاريا علي حقيقته كما هو دون النظر إلي موضوعات اجتماعية أو خلافه.
واختتم “مطر”: أنا لا أؤمن بنرجسية الشعراء لأنه يمكن أن يوجد في المجتمعات المتخلفة من هم أكثر نرجسية بشكل أقسي من الشعراء والشعر.