هل انتشر الإسلام بحد السيف؟! سؤال قديم.. ورؤية جديدة!
(1)
معركة فكرية قديمة حديثة وسؤالٌ تقدم لإجابته كثيرون عبر التاريخ من بين مؤيدين للفكرة من مستشرقين وبين منكرين لها من مفكرين ورجال دين مسلمين وعوام!
لكن الملاحظ أن كلا من المؤيدين والمنكرين وكأنهم قد اتفقوا على الخلط بين شيئين مختلفين تمام الاختلاف. لقد خلطوا بين انتشار الإسلام كعقيدة دينية مجردة أو كفكرة، وبين قيام دولة المسلمين الأولى أو خلافتهم الأولى!
المؤيدون والمؤكدون لأن الإسلام انتشر بحد السيف وقوة السلاح ارتكنوا إلى وقائع ما يسمى بالفتوحات الإسلامية أو الغزو العسكرى، وتجاهلوا تفاصيل تحول شعب كل دولة من الدول التى تم غزوها إلى العقيدة الجديدة!
والمنكرون لفكرة انتشار الإسلام بقوة السلاح قرروا تجاهل وقائع تلك الغزوات العسكرية والمرور العابر لها وتغليفها بغلاف دينى مقدس، وانكبوا على تدوين قصص وتفاصيل تحول الشعوب إلى العقيدة الجديدة، وحاولوا خلط القصص الحقيقية بالروايات الدينية التى يكتنف العوار العلمى الموضوعى كثيرا منها! أى خلط الحقيقة بالأوهام والأساطير!
لذلك فإننى أعتقد أن أول خطوات تقديم إجابة موضوعية لهذا السؤال السرمدى هو أن نفككه ليصبح سؤالين منفصلين تماما يلزم لإجابته كاملا أن نقدم إجابتين، تستقل كل واحدة منهما بنفسها تماما عن الأخرى!
ويصبح لدينا سؤال أول هو كيف انتشر الإسلام فى كل دولة من الدول التى تم غزوها من بعد وفاة النبى (ص)؟
بينما السؤال الثانى هو كيف قامت إمبراطورية الخلافة الإسلامية؟
وكجزء متمم لهذا السؤال الثانى يمكن أن نتساءل ..هل غزو بلاد غير المسلمين أو (فتحها) – كما حدث بالفعل – هو شعيرة دينية أو أمرٌ دينى استجاب له المسلمون الأوائل أم أنه كان مجرد أطماع فى الاستيلاء على بلاد ومقدرات الشعوب الأخرى؟! ولأننا مصريون ومصر وتاريخها هو ما يهمنا، فسيكون تطبيق الإجابات على هذه التساؤلات على مصر وما حدث بها!
(2)
لنبدأ بنهاية السؤال الثانى..هل كانت الفتوحات صدعا بأمرٍ دينى مقدس؟!
بعد قراءة سيرة النبى (ص) نجد أن كل غزوة من غزواته ارتبطت بوقائع سابقة لها تؤكد أنها لم تكن إلا ردا لفعل أو استباقا لاعتداء مخطط له على المسلمين ودولتهم الناشئة بالمدينة المنورة. وحتى فتح مكة فكلنا يعرف ما اقترفه كفار مكة ضد المسلمين الأوائل وضده هو شخصيا عليه الصلاة والسلام!
فغزوات بدر وأحد وفتح مكة وما بينها من غزوات صغيرة قد كانت حلقاتٍ فى سلسلة من الصراعات بين المسلمين العرب والكفار العرب تدور رحاها فى أرض مشتركة بينهم جميعا!
وحتى مع التسليم بصدق الروايات عن الرُسُل الذين بعث بهم النبى (ص) للملوك والأمراء، فلقد كانت أولا رسالات من النبى (ص) بصفته مرسلا من الله وخصائص النبوة له وحده لا تُورّث لمن يحكم المسلمين بعده!
وثانيا فقد كانت رسالات تطلب أن يخُلى بينه وبين إبلاغ الرسالة للشعوب! ومع التصديق بالحديث المنسوب له (ص) (أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أنه لا إله إلا الله...) فهو مرة أخرى خاصية خاصة به وحده، رغم أن كثيرا من الضعف العلمى ينال مصداقية نسبة هذا الحديث عن النبى (ص)!
إذن لقد مات النبى (ص) - وهو حاملٌ للرسالة، الإلهية متفردٌ وحده بخصائص النبوة - ولم تكن فكرة الاستيلاء على أراضى ومقدرات الشعوب الأخرى موجودة!
مات النبى (ص) فتفجرت صراعات قبلية خالصة وحاولت قبائل الاستقلال عن دولة المسلمين فيما يسمى (حركة الردة) وتحول الأمر إلى سياسة خالصة.
وفى الرواية المنسوبة لعمرو بن العاص وهو يجمّل غزو مصر للخليفة عمر بن الخطاب كان عمرو واضحا صريحا فى تحديد أسباب غزوها (ما رأيتُ مثل مصر وكثرة ما فيها من أموال.. وهى أعجز الأرض عن القتال والحرب.. إنْ فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونا لهم!) فلم يرد على لسان عمرو عبارة أو كلمة عن نشر الإسلام بين المصريين كسبب للغزو!
كان العرب ولقرونٍ طويلة قبل الإسلام يتناحرون قبليا وعجزوا عن أن يقيموا لأنفسهم دولة كبرى واحدة مثل باقى الإمبراطوريات المعاصرة لهم حتى جاء الإسلام فوحد سيوفهم، فكان هو الفكرة التى روضت الجميع لمدة كافية لإقامة الدولة المنشودة!
(3)
يفاجئنا التاريخ بحقيقة صادمة.. أن وصية النبى (ص) الواردة فى بعض الأحاديث المنسوبة له باتخاذ جند من المصريين لم ينفذها المسلمون، بل على العكس فقد قاموا بعكسها تماما وتم عمدا استبعاد المصريين من الجيش والأسطول الذى بنى سفنَه النجارون المصريون! خاف العرب من أن يتملك المصريون أي أسباب للقوة قد تدفعهم مستقبلا للاستقلال بمصر! أى أن الأمر كان سيطرة سياسية خالصة!
واقعة تاريخية أخرى تنسف تماما فكرة أن ما يسمى بالفتوحات كانت لنشر الإسلام! كنا ندرس ونحن صغار أن الفاتحين الأبطال كانوا يعرضون إحدى الخيارات الثلاثة على أهل كل بلد يغزونه (الإسلام أو الجزية أو الحرب!) لكن لدينا واقعة تاريخية تثبت عكس ذلك وأن تلك الاختيارات إنما كانت فى حال قدرة العرب العسكرية على الغزو، وفى حال عجزهم عن ذلك فقد كانوا يرتضون بشكل رسمى بخيارات أخرى وهى حسن الجوار مع مناطق عجزوا عن غزوها عسكريا، ولم يتململوا من أن تلك الاختيارات منعتهم حتى من الدعوة إلى الإسلام فى تلك المناطق!
عجز جيش عمرو بن العاص، ومن بعده جيش عبدالله بن سعد بن أبى السرح عن الاستيلاء بالقوة العسكرية على مناطق النوبة فى جنوب مصر وشمال السودان. فشلت ثلاث محاولات عسكرية! ثم تم توقيع اتفاقية اسمها (البقط) – ظلت فاعلة لعدة قرون - بمقتضاها ارتضى المسلمون أن يقدموا جزءًا سنويا من محاصيل مصر مقابل عدد من الرقيق وعدم قيامهم بأي أنشطة دعوية دينية! حاول مؤرخون مسلمون تجميل المعاهدة وتصويرها وكأنها معاهدة فتح! لكن هذه المحاولات التجميلية لم تقوَ على الصمود أمام حقائق التاريخ التى تؤكد انتشار الإسلام فى تلك المناطق ببطء وبشكل فردى عن طريق التجارة وهذا قد أطال المدى الزمنى الذى وصل فيه الإسلام إلى كل تلك البقاع!
لو كانت الفتوحات أمرا دينيا إلهيا لما وقّع المسلمون هذه المعاهدة ولاستمروا فى محاولاتهم العسكرية للأبد وحتى لو قُتلوا جميعا فى المعارك! لكن الأمر كان سياسيا خالصا كان الأمر يسير بمنطق ما نستطيع أن نحصل عليه بقوة السلاح فأهلا وسهلا وهو فتحٌ دينى، وما نعجز عنه نبحث له عن تخريجة سياسية دينية اسمها حسن الجوار بين دولة مسلمة وأخرى مسيحية! يعنى هذا أن غزو مصر عسكريا لم يكن أمرا دينيا وقضاءً وقدرا إلهيا! لكنه كان غزو استعمارى صريح لا يختلف عما سبقه فى تاريخ مصر!
لو كانت الفتوحات تمثل حقيقة أمرا دينيا، لقاموا على الأقل بالفصل الدينى الفكرى فيه بين دول وثنية وبين دول يدين أهلها بديانة سماوية مثل مصر، ولفعّلوا خيار الغزو فى حال الدولة الوثنية، ولآثروا اتفاقيات الجوار مع دول أهل الكتاب ثم صبروا على انتشار الإسلام فى تلك الدول بالتدريج كما حدث فى جنوب مصر وشمال السودان!
(4)
حالة الشره للسيطرة على خيرات مصر ومحاولة (حلبها حتى جلد الضرع) حسب تعبير أحد الولاة تؤكد غاية الغزو! ولخص والٍ آخرٌ سياسةَ الحكم العربى – أسامة بن زيد النخعى 96 هجرية - حيث كان يقول لعماله (سلمتُ لكم أنفس الناس، فاحملوا القماش والبهائم وكل ما تجدونه لهم، ولا ترعوا أحدا، وأى موضعٍ نزلتموه فانهبوه!)
عمرو بن العاص كان الحاكم العربى الأوحد الذى تمتع بعبقرية فى حكم مصر، فلم يعمد إلى عصر موارد مصر لآخر قطرة، كما أحسن فى معاملته للمصريين ولم يشتد عليهم، وأدرك حاجة الحكام الجدد إلى المصريين فى إدارة البلاد لأن الغزاة وباختصارٍ لم يكونوا مؤهلين للحكم، وخاصة حكم مصر التى كانت تمتلك نظما إدارية متقدمة ومعقدة جدا!
لكن بعد سنوات حكمه سقطت مصرُ فى قبضة حكم دموى، واكتظت صفحات التاريخ بوقائع هذا الحكم، والتى يستخدم لها مؤرخو التاريخ الإسلامى المعاصرون لفظا مخففا هو (الشدائد) التى تعرض لها المصريون على أيدى بعض الولاة!
ما يسمى بالفتوحات الإسلامية لم تكن سوى غزو عسكري صريح قامت به جيوش العرب للاستيلاء بقوة السلاح على أراضى ومقدرات الشعوب والدول التى استطاعوا غزوها، ولم تكن أمرا إلهيا دينيا! كانت ترجمة واقعية على الأرض لأحلامٍ عربية تأجلت قرونا طويلة لأنهم فشلوا فى التوحد على فكرة تجمع سيوف ورماح القبائل فتوحدها وتوجه أسنتها إلى عدوٍ مشترك بدلا من توجيهها إلى بعضهم البعض!
وفى الواقع وفى ظل ما كان سائدا وقتها سياسيا، فإن ما قام به العرب من انتهاز الفرصة وتكوين إمبراطورية كبرى لم يكن خروجا عن المألوف! فقد كان عصر الإمبراطوريات الكبرى! لم تبحث إمبراطوريات أخرى عن مبرر أخلاقى أو دينى للاستيلاء على بلاد الغير وخيراتهم بالقوة العسكرية! فقد كان يكفى – مبررا ومنطقا - أن تمتلك أية دولة القوة العسكرية الكافية للغزو لتقوم بذلك دون أن تشغل نفسها بالتبرير! لذلك فأنا لا أدين من قاموا بالغزو لأنهم فعلوا ذلك، لكننى أدينهم - وأدين من يحاول فرض رؤيتهم علينا من مفكرين ومؤرخين وعوام – فى محاولة إلباس هذا الغزو رداءً دينيا مقدسا وتبريره بل ومحاولة فرض خيريته بالادعاء بأنه أمرٌ إلهى!
هذه إجابتى عن السؤال الثانى بشقيه، وفى الحقيقة هى ليست إجابة شخصية، لكنها إجابة تلفظها وقائع التاريخ ولا يحتاج الأمر إلا إلى بعض الموضوعية لقبولها!
(5)
نأتى للسؤال الأول..وبعيدا عن إقامة الدولة بقوة السلاح، ماذا عن انتشار الإسلام كعقيدة وفكرة فى تلك الدول التى تم غزوها عسكريا والاستيلاء عليها؟ كيف انتشرت الفكرة أو العقيدة؟ هل أجبر الغزاة بعد تمام الغزو هذه الشعوبَ على اعتناق ديانتهم الجديدة؟! كما قلتُ فإننى أتخذ من مصر نموذجا لتقديم إجابة موثقة فأنا بكل صراحة لستُ مهتما فيما أكتب ببلادٍ أخرى!
ما خلصتُ إليه بعد قراءة مستفيضة لما تيسر من توثيقه من وقائع تحول المصريين للإسلام أنه من الخطأ تقديم إجابة مقتضبة بكلمة واحدة كأن نقول بقوة السيف أو بالاعتناق الحر الخالص!
فلقد وجدتُ وقائعا تحول فيها مصريون إلى الإسلام لأسبابِ شتى، سواء كان هذا التحول قد تم بشكلٍ فردى أو جماعى! لكى نتخيل ما حدث لنا أن نفترض مثلا لو لم يتم الغزو المسلح مثلما حدث فى أقصى جنوب مصر وشمال السودان، هل كان المصريون سيبقون غير مسلمين؟! ما حدث فى تلك المناطق غيرِ المُستولَى عليها بقوة السلاح أن بعض أهلها تحول تدريجيا للإسلام وبقى البعض الآخر على ديانته! وهذا من تمام الطبائع الإنسانية تماما كما حدث فى اعتناق الشعوب للديانات الأخرى عبر التاريخ، وتماما كما حدث فى اعتناق المصريين للمسيحية!
كانت مصر دولة متوهجة فكريا وحضاريا وعلى مستوى من الرقى الفكرى والحضارى والفلسفى يصعب معه أن نتخيل أنها كانت ستبقى بعيدة عن الإسلام حتى بدون الغزو العسكرى! قطعا كان الإسلام كفكرة مجردة سيطرق بابها، وقطعا كان سيعتنق الإسلام مصريون عن عقيدة تامة دون ضغط لكن على مدى زمنى أطول، وقطعا كان سيبقى مصريون على ديانتهم المسيحية مهما تقادم الزمن عليهم!
لذلك فإن أول شكلٍ من أشكال تحول مصريين للإسلام كان عقائديا خالصا حتى قبل أن يستتب الأمر عسكريا وسياسيا للغزاة الجدد!
لكن هذا لم يحدث كما تصوره الروايات العربية الخيالية بأن المصريين – وبعد أن سمعوا عن عدل العرب – قد تحولوا أفواجا للإسلام بمجرد أن طرق العرب أبواب مصر! حالات اعتناق مصريين للإسلام فى البدايات الأولى حالات محدودة حاولت بعض المصادر حصرها فى بعض المناطق، لكنها ظلت حالات محدودة. وهذا منطقى تماما يتناسب مع فكرة عدم توفر الوقت الكافى مع خضم الأحداث العسكرية والسياسية لدراسة تلك الديانة الجديدة!
(6)
أما موجات تحول أعداد كبيرة من المصريين للإسلام، فقد كان لها أسبابٌ أخرى سجلتها صفحات التاريخ ولا يمكن أن نقول أنها وقعت بشكلٍ مباشر خوفا من سيفٍ مسلط على الرقاب، لكنها حدثت خوفا بشكلٍ غير مباشر، أو هربا أو رغبة أو طمعا!
لم تكن الجزية – مقارنة بضرائب البيزنطيين الجائرة – تسبب أزمة حقيقية للمصريين لذلك فلا يمكن الادعاء بأن مصريين قد تحولوا للإسلام هربا منها. لكن ما فرضه الحكام الجدد من ضرائب جائرة بعيدا عن الجزية كان سببا مباشرا فى حدوث هذا التحول! وهذه مغالطة يتهرب منها بعض الباحثين فيخصصون كل حديثهم للجزية دون النظر إلى الأعباء المالية الأخرى التى دفعت أحيانا كثيرا من المصريين لهجر أراضيهم الزراعية وقراهم تماما كما كان يحدث فى العصر البيزنطى! فأية ضريبة كانت تفرض على أى نشاط اقتصادى كان يتم مضاعفتها على غير المسلمين! كما تم فرض ضرائب كثيرة على الصناعات والحرف اليدوية بشكلٍ أعجز أحيانا المصريين عن الحياة بشكل طبيعى فتحولت أعدادٌ منهم لديانة الحكام الجدد!
استبعاد المصريين من الوظائف التى كانوا يتوارثون مهاراتها خاصة بعد مرور عدة عقود على الغزو وبعد أن اعتقد العرب أنهم يمكنهم الاستغناء عن المصريين فى إدارة البلاد، حتى أننا نرى أوامر صريحة مباشرة بهذا الاستبعاد يصدرها الخليفة عمر بن عبد العزيز ويستثنى منه بشكل مباشر (جباة الضرائب من الكتبة، والأطباء) لعجز العرب عن القيام بهاتين الوظيفتين!
فى موجاتٍ معينة حين كان يتولى الخلافة خليفة يكره غير المسلمين كان يصدر قرارات استبعاد لمئات الكتاب والموظفين، فيتحول بعضهم بعائلاتهم إلى الإسلام حرصا على ما كانوا يتمتعون به من مكانة اجتماعية وما يكانوا يحصلون عليه من مقابل مادى!
لكن أكبر وأشهر موجات التحول حدثت دائما بعد قمع الثورات! كانت هناك ثورات قام بها بعض المصريين ضد الحكام العرب خاصة حين كانت تضيق على المصريين سبل الحياة. تلك الثورات قابلها الحكام العرب بقوة ودموية شديدة وكان يتلوها دائما إجراءات عقابية كبيرة مما كان يدفع أعدادً كبيرة للهرب من تلك الإجراءات العقابية بالتحول للدين الجديد! وفى تلك الثورات انضم بعض المصريين المسلمين ومعهم بعض العرب المسلمين، لكن هذا لم يكن يمنع الحكام من القمع الدموى للجميع، لكن يتبع ذلك إجراءات عقابية للمصريين من غير المسلمين، وكانت آخر تلك الموجات وأشهرها ما حدث فى عصر المأمون حوالى 216هجرية. والتى تبعتها موجة تحول أعداد كبيرة للإسلام!
لذلك يمكن القول إن الإسلام انتشر فى تلك الدول التى تم غزوها – ومصر مثال لذلك – لعدة أسباب متزامنة ومتوازية وليس لسبب واحدٍ!
التحول العقيدى الخالص لم يكن غائبا عن المشهد فى الأشهر الأولى من الغزو، لكنه كان محدودا مقارنة بعدد سكان مصر! السيف لم يكن غائبا عن هذا التحول، لكنه لم يكن بالشكل التقليدى الساذج بأن يُرفع السيف على شخصٍ ما ويتم تخييره بين الإسلام وبين الإطاحة برقبته! فقط مُنِحَ المصريون حرية الاختيار، لكن ثمن الحرية هذه لم يكن السيف بعيدا عنها! سيف الترهيب بالخضوع لإجراءات عقابية أحيانا لم يكن لها ما يبررها سوى المزاج الشخصى للخليفة أو الوالى! وأحيانا كانت تتبع ثورات ضد الحكم!
يمكننى أن ألخص الإجابة فى عبارة واحدة..لقد انتشر الإسلام بالاقتناع، وبالترهيب والترغيب، أو بسيف المعز وذهبه، وللهرب من مضايقات اقتصادية أو اجتماعية أو إجراءات دموية، أو طمعا فى وظيفة أو منصبٍ أو تقربا للحكام!
(7)
أختم حديثى بالعودة للسؤال الافتتاحى..هل انتشر الإسلام بالسيف؟
أرى إعادة طرح السؤال بشكلٍ جديد يفرق بين قيام دولة المسلمين وبين انتشار الديانة!
لقد قامت دولة المسلمين بالسيف ولا شىءَ غيره! ولا غرابة فى ذلك حين نضعه فى إطاره التاريخى! لكن الغرابة المستهجنة أن يتم تحويل ذلك إلى مقدسٍ دينى وفعلٍ يتم التقرب به لله!
انتشر الإسلام كغيره من الأفكار والديانات والعقائد باقتناع بعض غير المسلمين به حتى فى بعض المناطق التى فشل المسلمون العرب فى غزوها عسكريا!
لكن فى الدول التى تم الاستيلاء العسكرى عليها تسارعت وتيرة انتشار الإسلام بشدة لأسباب كثيرة منها..الإيمان المجرد..الهروب من الأعباء الاقتصادية، وأحيانا النجاة من الممارسات الدموية العنيفة الصريحة، وتملق الحكام الجدد!