«الأباتشى» فى جنين.. هل تستعد إسرائيل لعملية عسكرية بالضفة الغربية؟
لأول مرة منذ ٢٠ عامًا، تقصف طائرة أباتشى إسرائيلية مناطق فى مخيم جنين بالضفة الغربية، فى محاولة لحفظ ماء الوجه بعد "فخ" المقاومة لقوات الاحتلال وإصابة المدرعات وبعض الجنود أثناء توغلهم فى المخيم.
بدأ الأمر بمناوشات، ثم أعمال عنف موسعة، ويبدو أن المقاومة كانت مستعدة، ما جعل إسرائيل ترتبك وتقدم على قصف المخيم، رغم أن ذلك لم يحدث منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
"الدستور" تستعرض، فى السطور التالية، تطور الأحداث، وسيناريوهات شن عملية عسكرية إسرائيلية على الضفة الغربية.
قصف نادر للاحتلال ردًا على «كمين المخيم».. وعمليات انتقامية من الجانبين
بدأت الأحداث تتصاعد، صباح يوم الإثنين الماضى، عندما انطلقت فرقة من مقاتلى وحدة "يماس" الخاصة وحرس الحدود ودورية المظليين إلى مدينة جنين؛ لاعتقال اثنين من المطلوبين الفلسطينيين.
وحسب تقارير، فإن مقاتلى "سرايا القدس"، التابعة لحركة الجهاد الإسلامى فى كتيبة جنين، اشتبكوا مع القوات الإسرائيلية فى عدة نقاط بالمدينة، وقالوا فى بيان إنهم "فجروا عددًا من العبوات الناسفة استهدفت مركبات للقوات الإسرائيلية". وأظهرت لقطات نشرتها وسائل إعلام فلسطينية انفجار عبوة ناسفة، وُضعت على جانب الطريق، بالقرب من المركبات العسكرية الإسرائيلية التى أحاط بها الدخان.
بعد ذلك، أطلقت مروحية من طراز "أباتشى" تابعة للجيش الإسرائيلى صواريخ على منطقة جرى رصد مسلحين فيها، على حد قول الجيش الإسرائيلى، من أجل السماح بإجلاء الجنود الجرحى إلى المستشفيات فى إسرائيل.
وأعلن الجيش الإسرائيلى عن إصابة ٧ جنود خلال الاشتباكات، ووصفت حالة جنديين بالخفيفة والمتوسطة، فيما أصيب ثلاثة من حرس الحدود بصورة متوسطة، وثلاثة آخرون إصابتهم طفيفة.
فى المقابل، قتل ٥ فلسطينيين فى الاشتباكات، وقال الجيش الإسرائيلى إن مروحية إسرائيلية نفذت ضربات نادرة فى المدينة، لإجلاء ٧ جنود جرحى من منطقة القتال، بعد انفجار العبوة الناسفة. ومساء يوم الإثنين، وقع هجوم دهس بالسيارة، فى شمال الضفة الغربية عند مفترق طرق ٣٠٠، ما أسفر عن إصابة ٤ أشخاص، من بينهم إسرائيليان بجروح طفيفة، وفلسطينيان فى حالة أكثر خطورة، وتم القبض على المنفذين، بحسب ما أفاد مسعفون فى منظمة "إنقاذ بلا حدود". ويوم الثلاثاء قُتل ٤ إسرائيليين، بعد أن أطلق مسلحان النار بالقرب من محطة وقود بجانب مستوطنة عيلى، حيث نفذت العملية بعد أن وصل المنفذان بسيارة من طراز شيفروليه سوداء لموقع الحراسة عند مدخل المستوطنة القريبة من رام الله، وأطلقا النار تجاه الحارس، وبعدها واصل أحدهما طريقه إلى محطة الوقود، وأطلق النار تجاه اثنين من المارة، وقتل أحدهما فورًا، وبعد ذلك دخل إلى مطعم "حمص الياهو"، الواقع فى محطة الوقود، وأطلق وابلًا من الرصاص.
ويوم الأربعاء، تجددت الأعمال الانتقامية من جانب المستوطنين، وأحرق المئات منهم بيوتًا ومركبات فلسطينية انتقامًا على العملية فى قرية ترمسعيا بالضفة الغربية، وأحرقوا عددًا من المنازل والمركبات، بحماية قوات الجيش الإسرائيلى، وانتشرت فيديوهات هجماتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى.
ومساء الأربعاء، اغتالت إسرائيل مُسلحين من حركة الجهاد الإسلامى، عبر ضربة جوية قرب جنين شمال الضفة الغربية. وهددت الحركة إسرائيل بإطلاق الصواريخ ردًا على الاغتيال.
وحسب المعلومات، فإن مُسيّرة إسرائيلية استهدفت سيارة فلسطينية قرب جنين، وجرى العثور بداخلها على ٣ جثامين احتفظت بها إسرائيل، التى أكدت وجود أسلحة فى السيارة.
وجاء فى بيان مُشترك للجيش الإسرائيلى والشاباك: "جرى تحديد مكان الخلية، بفضل معلومات استخباراتية مُحددة، فيما كانوا فى طريقهم إلى تنفيذ عملية إطلاق نار".
وكشف البيان عن أن الاغتيال جاء بُعيد تنفيذ الخلية عملية إطلاق نار أولى على معبر الجلمة، الفاصل بين جنين وإسرائيل. واتهمت إسرائيل الخلية بتنفيذ عمليات إطلاق نار عديدة على مستوطنات وجنود فى المنطقة مؤخرًا.
وهذه هى المرة الأولى منذ الانتفاضة الثانية، قبل ٢٠ عامًا، التى تغتال فيها إسرائيل نشطاء فلسطينيين فى الضفة الغربية، عبر غارة جوية، وأول مرة على الإطلاق، يتم فيها اغتيال عبر مُسيّرة.
إجراءات عقابية بالتخطيط لبناء 1000 وحدة سكنية جديدة
على الصعيد الرسمى، قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو: "قواتنا تعمل الآن فى الميدان للتعامل مع المنفذين، لقد أثبتنا، فى الأشهر الماضية، أننا سنتعامل مع القتلة دون استثناء"، مؤكدًا: "كل من يؤذينا سيكون إما فى القبر أو فى السجن".
ولاحقًا، عزز الجيش الإسرائيلى انتشاره فى المنطقة بقوات من وحدات مغلات وإيغور والكتيبة ١٣ من لواء غولانى، تحسبًا لرد الجهاد الإسلامى على الاغتيال.
فيما أعلن وزير الأمن الإسرائيلى، يوآف جالانت، عن إصداره الأوامر لمنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية غسان عليان، بإلغاء العشرات من تصاريح الدخول والعمل فى إسرائيل للعشرات من أفراد عائلات منفذى عملية "عيلى"، قرب رام الله من قرية عوريف. فى اليوم التالى للهجوم على مستوطنة "عيلى" فى الضفة الغربيّة، أعلن "نتنياهو" عن أن رئيس الوزراء، إلى جانب وزير الأمن، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اتفقوا على التعزيز الفورى للتخطيط لبناء ١٠٠٠ وحدة سكنية جديدة فى منطقة مستوطنة عيلى بجانب موقع الهجوم، وقالوا: "ردنا على الهجوم هو ضربه بشدة وبناء أرضنا من جديد". وحول كمين جنين، فقد أفاد مسئول أمنى فى حديث لموقع "واللا" الإسرائيلى، بأن "العبوة التى انفجرت فى جنين تزن حوالى ٤٠ كيلوجرامًا وهى شبيهة بعبوات لبنان وغزة". وأثار الحادث مخاوف المؤسسة الأمنية من إمكانية أن يكون الفلسطينيون قد دبروا كمينًا لمركبات الجيش، وقاموا بزرع العبوات الناسفة سلفًا على طريق خروجها من المدينة، وفق تصور أو معرفة حقيقية للطريق الذى ستسلكه تلك المركبات، وهو ما يستدعى تحقيقًا فى الأمر، وفقًا لتقرير لموقع واينت العبرى.
فيما بدأت المؤسسة العسكرية اتخاذ قرارات فورية، بتحصين المركبات العسكرية والمسماة "فهود بانتر" بطبقات إضافية، خصوصًا تلك التى تدخل إلى عمق مدن الضفة الغربية ومخيماتها.
ويفيد المراقبون بأن التكتيكات التى اتبعها الفلسطينيون هذه المرة مستوحاة من الماضى القتالى فى لبنان وغزة.
مخاوف من الإقدام على عملية موسعة تُهدد بانهيار السلطة الفلسطينية
أجرى رئيس الحكومة الإسرائيلى اجتماعًا أمنيًا، بمشاركة وزير الأمن ورئيس هيئة الأركان ومسئولين آخرين فى جهاز الأمن. ودار النقاش حول خطط لمواجهة العمليات الفلسطينية فى إطار عملية محدودة، بالتشديد على شمال الضفة الغربية.
وكشفت هيئة البث الرسمية "كان" عن وجود خلاف بين الجهاز الأمنى والمستوى السياسى حول حجم العملية فى شمال الضفة الغربية، وأيضًا حول تأثيرها على الميدان ووضع السلطة الفلسطينية. وصرح مسئول أمنى، حسب "كان"، بعد المطالبات للخروج فى عملية واسعة شمال الضفة الغربية، بأن "هذا يمكنه أن يتوسع إلى مناطق أخرى، والجهاز الأمنى الإسرائيلى يدرك أن عملية واسعة فى المنطقة يمكن أن تؤدى إلى انهيار السلطة الفلسطينية".
وذكر مصدر أمنى إسرائيلى أن الجيش الإسرائيلى اقترح على الحكومة الإسرائيلية تصعيد الرد، لإعادة الردع فى شمال الضفة، لتقرر الحكومة تغيير قواعد اللعبة، وإرساء معادلة جديدة ضد المُسلّحين فى الضفة الغربية عامة، وجنين خاصة. وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت قد ذكرت أن الجيش الإسرائيلى يستعد لشن عملية عسكرية واسعة النطاق، تركز على شمال الضفة الغربية، وفقًا لتصريحات مسئولين أمنيين الأسبوع الماضى.
وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلى زاد من عملياته من العام الماضى وحتى الآن، فى إطار عملية كاسر الأمواج، لكن الغرض من مثل هذه العملية إذا تم تنفيذها هو العمل على نطاق أوسع والقيام فعليًا بـ"جز العشب"، والهدف النهائى هو استعادة الردع.
وقال الجيش الإسرائيلى إنه من غير الواضح ما هى العواقب الأوسع على العلاقات مع السلطة الفلسطينية، إذا كانت غزة ستستجيب.. وما إذا كان الجيش الإسرائيلى قد يفكر فى شن عملية أكبر فى الضفة الغربية بعد الأحداث المتتالية.
وخلصت التقديرات إلى أن إسرائيل تريد القيام بعملية محدودة لوقف العمليات الفلسطينية ولكن دون التورط فى عملية موسعة قد تؤدى إلى انهيار السلطة الفلسطينية وفقدان سيطرتها على الأراضى، لأن إسرائيل ليست مستعدة فى هذه المرحلة أن تتولى حركة حماس السيطرة على الضفة الغربية.