5 يونيو
وقعت الواقعة فى ٥ يونيو، وما زلنا نعيش تبعاتها حتى الآن. ولا يهم مَن هو المسئول عن هذه الهزيمة المُرة، هل هو عبدالناصر؟ لكن الهزيمة لم تشمل مصر فقط، بل شملت كذلك الأردن وسوريا، فكيف نُحَمّل الهزيمة لفرد؟ ربما يرى البعض أنه- ناصر- هو الزعيم وهو مَن يتحمل المسئولية، وفى الحقيقة أعلن عبدالناصر بنفسه عن تحمله المسئولية كاملة، وعبدالناصر بعد ٦٧ ليس هو عبدالناصر ما قبل الهزيمة. هل هى هزيمة نتيجة النظام العربى المتردى؟ بالقطع نعم، لقد وصلت صراعات العرب بعضهم البعض إلى حالة أطلق عليها أحد المؤرخين الأجانب «الحرب العربية الباردة». هل هى مؤامرة غربية على العروبة؟ لا أميل إلى التفسير التآمرى للتاريخ، لأنه يقدم الإجابة السهلة، ويقدم فى الوقت نفسه مبرر الإعفاء من المسئولية، لأنها ببساطة شديدة: مؤامرة، والتاريخ على هذا النحو سيصبح مجموعة مؤامرات!
ربما لا يصدق القارئ أن إسرائيل وجدت نفسها فى مأزق فى أعقاب حرب يونيو. لقد أصبحت تحت يديها مساحات شاسعة من الأراضى، لا تستطيع قواتها الانتشار الكامل عليها، أو حتى الدفاع عنها بسهولة، وربما كان هذا السبب وراء إنشاء خط بارليف على الضفة الشرقية لقناة السويس فى محاولة للدفاع عن الداخل الشاسع فى سيناء. كما وجدت إسرائيل نفسها فى خضم محيط بشرى كثيف من الفلسطينيين، سواء فى غزة الآهلة بالسكان، أو فى الضفة الغربية المتداخلة مع حدود «إسرائيل ٤٨». بالقطع ابتهجت إسرائيل بمسألة توحيد شطرى القدس- الشرقية والغربية- وتحقيق الحلم الصهيونى، لكن المشكلة الكبرى كانت: وماذا سنفعل مع الفلسطينيين، أقصد فلسطينيى ٦٧؟
إذا رجعنا إلى سجلات ما بعد الحرب، كانت الفكرة السائدة فى إسرائيل الاستعداد لإعادة «بعض الأراضى المحتلة» لأن بقاء كل هذه الأراضى هو بمثابة خطر ديموغرافى واستراتيجى على مستقبل إسرائيل. لكن الطرح الإسرائيلى كان يتضمن إعادة رسم خريطة إسرائيل للوصول إلى ما أطلقت عليه إسرائيل «الحدود الآمنة». ورفض العرب هذه الرؤية، ولم يكن هناك زعيم عربى يقبل بالتنازل عن أى جزء من الأراضى المحتلة. وفشلت كل المحاولات الدولية، بما فيها قرارات مجلس الأمن فى التقريب بين الوجهتين الإسرائيلية والعربية. ومع مرور الوقت رفع الجانب العربى شعار «ما أُخذ بالقوة لا يُسترَد إلا بالقوة»، وعلى الجانب الآخر تشدد اليمين الإسرائيلى تحت دعاوى تاريخية بالية بطرح شعار «يهودا والسامرة، وأورشليم الموحدة» لتدخل المنطقة فى دوامة من الصراع والعنف، لا تزال تعانى المنطقة منها حتى الآن. ولم تدرك إسرائيل حتى الآن خطورة التداخل الجغرافى والديموغرافى بين الضفة الغربية وإسرائيل، وهى الأزمة المزمنة التى أشار إليها البعض فى أعقاب حرب ٦٧.