رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"العلاج بالفن".. صالون "الدستور" يناقش القضية: أفضل علاج لتقوية مناعة المجتمعات ضد التطرف

جانب من الندوة
جانب من الندوة

- بعض أصحاب الإعاقات متميزون فى الكثير من الرياضات، ولديهم مواهب مميزة فى الإذاعة والتليفزيون

- النقطة الأولى فى العلاج هى أن يعرف الإنسان نفسه، وهو مبدأ فلسفى معروف

- الورشة الواحدة يجب ألا تقل عن 5 أيام حتى يستفيد منها جميع المشتركين

مثلما يعيش الإنسان فى حالة صحية جيدة، قد يمر بوعكات صحية؛ وهو ما ينطبق على المجتمعات التى قد تتعرض لهزات صحية تتمثل فى تراجع مصفوفة القيم فيها، وانتشار بعض الظواهر التى تلقى صدى واسعًا بين الجموع لما لها من تأثيرات سلبية، نتيجة إيقاع نمط الحياة المتسارع، وتأثير التكنولوجيا وغيرها من التأثيرات، هنا يتدخل الفن والفلسفة كمعالجين للمجتمعات، أو كمضاد حيوى يدعم مناعة الوعى الجمعى، ويجعله مقاومًا للأفكار المتطرفة والسلبية؛ وبالتبعية يصبح المواطن فى تلك المجتمعات شخصًا فاعلًا وإيجابيًا ومشاركًا فى التنمية، بل مستشرفًا لمستقبل أسرته، أو مجتمعه الصغير ووطنه أو مجتمعه الكبير.

فى ندوة «العلاج بالفلسفة والفن» ضمن فعاليات صالون «الدستور» الثقافى هذا الأسبوع؛ يجيب خبراء ومختصون عن أسئلة: هل يمكن علاج المجتمعات التى شهدت تراجعًا قيميًا من خلال الفلسفة والفن؟ وكيف نبدأ؟ ولماذا بدأت عيادات العلاج بالفلسفة الانتشار فى الغرب؟ وهل يمكن تطبيق الفكرة فى مجتمعنا؟

مصطفى النشار: الفكرة تعود للقرن الخامس قبل الميلاد.. وبدأنا نشرها فى مصر 

قال الدكتور والمفكر مصطفى النشار، رئيس الجمعية الفلسفية المصرية، فى صالون «الدستور» الثقافى، عبر ندوة تحت عنوان «العلاج بالفلسفة والفن» إن الفلسفة لها جانبان، أحدهما نظرى يهتم بالتأمل فى مشكلات الإنسان والوجود وغيره، وفيه يحاول الفلاسفة الإجابة عن أسئلة حدية فى حياة الإنسان.

وأضاف: «وهناك جانب آخر تطبيقى، ظهر فى التاريخ المبكر لليونان للبحث فى قضايا الإنسان».

وأشار إلى أن «سقراط» كان رجلًا محبًا للفهم، فبدأ اختراع مبدأ الحوار لإظهار الحقيقة من خلاله، ومن وقتها أصبح «الحوار» أساس تطبيق الفكر الفلسفى، وعَرف تلميذه «أفلاطون» الفلسفة، وجعلها منهجًا فى التعليم.

ولفت إلى أنه من خلال هذا التيار، بدأت أول صورة من صور العلاج بالفلسفة، فى القرن الخامس قبل الميلاد، فسقراط حاول معالجة القضايا المجتمعية من خلال الحوار، وكان يركز على أنه «لا تدعِ العلم إلا إذا عرفت ماذا يعنى الذى تدعى العلم بشأنه»، مشيرًا إلى أن أزمتنا فى المجتمعات العربية، ادعاء المعرفة.

وتابع: «أنشأ أفلاطون، الذى نتهمه بأنه أكثر الفلاسفة مثالية، أكاديمية فلسفية لتنشئة الحكام، فرأى أن الحكم فى (أثينا) فاسد، والحُكام فاسدون، والطريف أنه كان من ضمن هذه الطبقة الحاكمة، لكنه أدرك مبكرًا أن (الحكم) فيه مشكلة، ومن هنا جاءت أكاديميته الفلسفية، ليعلم الحُكام كيف يكتشفون الحكم الصحيح من خلال الحوار فى التعليم، وطرح الأسئلة».

وقال: «بدأ الطلاب يتعلمون من خلال الفلسفة ألا يدعوا المعرفة، وإذا وصلوا للحكم، فإنهم يركزون على مساعدة الآخرين على تلبية حاجاتهم ومطالبهم»، مشيرًا إلى أن «الناس مشارب وأهواء، والفيلسوف لا مصلحة له إذا حكم إلا إسعاد الناس والمجتمع».

واستعرض «النشار» منهج أرسطو، فهو صاحب مذهب المنطق: علمنا كيف نفكر بطريقة صحيحة وأنه لا بد أن يوجد معيار للتفكير الصحيح والتفكير الخاطئ مع صور الاستدلال المختلفة، فجاء هذا المنهج علاجًا لمشكلة عدم «معرفة الإنسان» أساليب التفكير الصحيحة.

وانتقد طريقة التعليم السائدة فى المدارس، قائلًا: «نركز على تنمية الجسم ومهاراته وننسى أن للجسم عقلًا، وفى مصر بدأنا تعلم التفكير النقدى ولكن متأخرًا فى الجامعات، أما الطفل فى أوروبا يتعلم منذ الصغر، طريقة التفكير النقدى، وكيف يكوّن رأيًا، لأن هذه مهارات التعليم الحقيقى».

وأضاف أنه لا بد من تعليم الأطفال «الفلسفة» من خلال آليات بسيطة، عبر القصص القصيرة، والحوار معهم وطرح الأسئلة عليهم مثل: هل يمكنك تسمية هذه القصة؟ ماذا تتوقع أن يكون الحل فى النهاية؟ ومنها يتعلم الطفل مهارات التفكير.

وأشار إلى أن فكرة تطبيق العلاج بالفلسفة فى مصر تكاد تكون بدأت بالفعل عندما أطلقت الجمعية الفلسفية المصرية مؤتمرًا علميًا دوليًا وتلقفه كل العالم العربى من خلال البحوث المشاركة.

وقال: «أصدرنا مجلدين تضمنا عددًا من الأبحاث فيما يتعلق بموضوع الاستشارة الفلسفية، تضمنت استشهادات عن التجارب الأوروبية فى هذا الموضوع، وبالتالى نتجه لتأسيس دبلومات متخصصة فى هذا الموضوع للحاصلين على درجة الدكتوراه فى علم الفلسفة لإدراكهم كل المذاهب الفلسفية، لأن معظم المذاهب الفلسفية علاج بالفلسفة، ولكن المهم هو كيفية استخراج الجانب العلاجى بما يتناسب والحالة التى نحاول علاجها من خلال المذهب الفلسفى المناسب؛ سواء الحالة الاجتماعية أو النفسية أو الاقتصادية؛ وما شابه».

وأضاف: «بمجرد إعلان الجمعية الفلسفية عن هذا الاتجاه بدأ المتخصصون فى علم النفس مهاجمتنا باعتبارنا منافسًا لهم، رغم أننا لا ننافس المتخصصين فى علم النفس، بل نكمل جهود بعضنا البعض».

وتابع: «فى إحدى جلسات المجلس الأعلى للثقافة بمشاركة لجنة الفلسفة لمناقشة ظاهرة الانتحار تحدثت مع أحد المتخصصين فى علم النفس، فوجدته يهاجمنا لمناقشتنا هذه القضايا، فما كان منا إلا أن تناقشنا سويًا فى أن علم الفلسفة لا يتضارب مع علم النفس، بل يكملان بعضهما البعض».

وقال: «أكدت أن اتجاه الشخص للانتحار هو قرار عقلى يتخذه الإنسان ليس فقط نتيجة تفاعلات نفسية ومشكلات مجتمعية، بل يأتى بعد أن يكون فكّر هذا الشخص فى كل هذه المشكلات، ومر بها، وبالتالى أخذ القرار بالانتحار، ولم نثنه عنه إلا إذا جلسنا مع هذا الشخص جلسة فلسفية لمناقشة قيمة حياة الإنسان، وما هى أهدافه فى الحياة، وماذا إذا كانت تحققت أم لم تتحقق، ولماذا لم تتحقق؟».

وأوضح: «بمجرد فتح مساحة حوار مع الشخص الذى قرر الانتحار حول أهمية الحياة وأهمية وجوده لأسرته ومجتمعه، وكلها مسائل فلسفية، نستطيع إقناعه بالتراجع عن هذا القرار الذى اتخذه». وأشار «النشار» إلى أن فكرة ذهاب الشخص إلى عيادة طبيب نفسى فى مصر لا تزال خطوة تتطلب قدرًا كبيرًا من الشجاعة، خشية الوصم الاجتماعى، لافتًا إلى أن هناك عددًا من الأطباء النفسيين فى حاجة للعلاج بالفلسفة، لكثرة دراستهم المنهج السلوكى من مداخل طبية، وكثرة المشكلات التى درسوها، التى قد تكون أصابتهم بهزات نفسية، وهى إحدى المشكلات التى تواجه مجتمعنا.

واستطرد: «بالتالى أرى أن الاستشارة الفلسفية بمثابة مخرج للإنسان من الوصم لمعالجة ما يمر به من أزمات، على أساس أن المستشار الفلسفى يقابل الأصحاء وليس المرضى الذين يواجهون أى مشكلة فى حياتهم الخاصة أو العامة».

وأكد «النشار» أن النقطة الأولى فى العلاج هى أن يعرف الإنسان نفسه، وهو مبدأ فلسفى معروف؛ مشيرًا إلى أنه ليس هناك ما يعرف بالمعالج الفلسفى، بل هو «مستشار فلسفى»، خاصة أن رؤية الفيلسوف رؤية كلية وليست جزئية، وهو ما يمكنه من التعرف على منبع المشكلة، وبالتالى توجيه المريض إلى العلاج بالقراءة، أو توجيهه إلى كيفية تعلم الاستدلال المنطقى. وأوضح: «هناك أحد المستشارين الثقافيين فى أوروبا تعرض لأحد المرضى الذين تؤرقه مشكلة الوسواس القهرى، وأنه يشعر بأنه مستهدف من أحد الأشخاص الذين يريدون قتله، وأنه ينتظره أسفل سرير نومه، فما كان من مستشاره النفسى إلا أن قال له الحل بأن يبيع هذا السرير ويفترش الأرض أثناء نومه لمدة أسبوع، فما كان من صاحب الشكوى إلا أن فعل ذلك فذهب ما يؤرقه تمامًا، وانتهت شكواه».

وأكد «النشار» أنه تولى وضع مواد الفلسفة فى مناهج الثانوية العامة منذ عام ٢٠١٥، وجميعها فلسفة تطبيقية وليست تنظيرية، ولكن ما حدث أنه جرى تحويلها إلى حفظ، بدلًا من أن تكون تطبيقًا عمليًا.

هاجر سمير: أعالج أطفالًا ومدمنين بالحكايات والرسم.. وأتعاون مع أطباء نفسيين

روت هاجر سمير، إخصائية نفسية ومعالجة بالفن، تفاصيل نجاحها فى علاج أحد الأطفال بالفن، من خلال جلسة علاجية مفتوحة، تضمنت عدة أنشطة من بينها الرسم والحكى، وذلك كمحاولة للتقرب منه فى بداية الجلسة.

وقالت «هاجر»: «تم تشخيص الطفل من قبل طبيبه النفسى بأنه مُصاب بــ(فرط حركة وتشتت انتباه)، ومن خلال عدة جلسات بالتعاون مع الطبيب النفسى، تضمنت رواية حكايات ورسمًا، كشف الطفل عن حالته، وقال لى إنه لا يحب الأبواب المغلقة».

وأضافت: «ظهر هذا فى رسم الطفل، الذى تضمن أبوابًا مغلقة، وشخصًا يضربه، فاكتشفت أن الأم هى السبب فى مشكلته النفسية من خلال تعنيفه وضربه، كما قال الطفل إنه يشعر بأن والدته لا تحبه، فتم الاتفاق على خطة علاجية مناسبة له، بالتعاون مع الطبيب النفسى».

كما أشارت إلى تجربة ثانية لها لعلاج أطفال ذوى الإعاقة بالفن، قائلة: «عملت فترة طويلة مع هؤلاء الأطفال، وهم أشخاص لهم هدف فى الحياة، بمن فيهم أصحاب الإعاقات العقلية، فهم ليسوا كما يصنفهم المجتمع بأنهم (أغبياء)، وكل ما فى الأمر أن نسبة ذكائهم أقل من الطبيعى، لكنهم يستطيعون التفاعل».

وأضافت: «بعض أصحاب الإعاقات متميزون فى الكثير من الرياضات، ولديهم مواهب مميزة فى الإذاعة والتليفزيون وغيرهما من المجالات»، مشيرة إلى أنه «مع دعم الأهل وجدت تطورًا كبيرًا فى علاج الكثير من هذه الحالات».

وواصلت: «مع غياب الوعى عند الأهالى، يأتى دور الدولة فى التوعية بضرورة دعم هذه الفئة، لأنهم بالفعل يستطيعون إفادة المجتمع»، منتقدة فى الوقت ذاته وجود أطباء نفسيين لا يمتلكون الوعى الكافى بـ«العلاج بالفن».

وأفادت بأن عملها يتضمن عقد جلسات مع مدمنين وأشخاص يعانون من اضطرابات نفسية، وتعتمد لعلاجهم مجموعة من الأنشطة الفنية، مثل النحت والرسم والخزف، واستخدام الألوان وعدد من الخامات الموجودة فى الطبيعة لتحويلها إلى منتجات.

وأضافت: «ما أستهدفه من هذه الجلسات هو (التنفيس)، والكشف عما يدور فى نفس هؤلاء، سواء من يعانون اضطرابات نفسية أو المدمنين، من خلال الرسم على سبيل المثال، دون حديث معهم، فأطلب منهم رسم لوحات، ومن خلالها أستطيع التعرف على المشكلة التى يعانى منها الشخص، برصد تكرارها فى رسوماته».

ورأت أن هناك أمراضًا لا يستطيع الطبيب النفسى التعامل معها بشكل كامل دون الاستعانة بـ«معالج بالفن»، معتبرة أن هذا التعاون يهيئ المرضى للتعاطى مع ما يعانون منه، وتشخيصه بشكل صحيح، خاصة أن هناك أمراضًا نفسية لا تتطلب العلاج بالعقاقير، وتحتاج إلى طرق حديثة مثل العلاج بالفن.

كما أشارت إلى استخدام العلاج بالفن فى التعامل مع مشكلة مثل إدمان الأطفال التكنولوجيا، وذلك من خلال تقديم بدائل لهؤلاء الأطفال، حتى يتوزع نشاطهم على مجالات مختلفة، دون الاقتصار على استخدام الموبايل ومواقع التواصل الاجتماعى فقط.

رشا طموم:  الموسيقى حوّلت مجرمين محتملين إلى أشخاص فاعلين

اشارت الدكتورة رشا طموم، مقررة لجنة «الموسيقى والأوبرا والباليه» بالمجلس الأعلى للثقافة، إلى أن الموسيقى تحديدًا باعتبارها «فنًا مصنوعًا»، لها قدرة سحرية فى التأثير على البشر، لذا تُستخدم فى العلاج، وأيضًا فى التنشئة والتكوين والوقاية.

واستدلت أستاذ الموسيقى على ذلك بما حدث مع أينشتاين، ففى مدرسته صُنف كطفل ضعيف، كما قال عنه مدرسوه، موجهين والدته بتعليمه حرفة أفضل من المدرسة، فاشترت الأم له «كمانجا» وتركتها معه.

وأضافت: «وجد أينشتاين فى هذه الآلة صديقه الصدوق، وأصبحت ملاذه الوحيد، وتحول من خلالها إلى شخص آخر، وكان يقول إنه كلما وقفت معه أى معضلة رياضية، يمسك الكمانجا ويعزف».

لهذا دعت إلى ربط الطفل بالآلات الموسيقية، حتى يخرج طاقته فيها، بدلًا من إخراجها فى عنف مثلًا، لافتة إلى أن هناك دولًا كثيرة استخدمت الموسيقى لحل مشاكلها مثل فنزويلا، التى شكلت نموذجًا رائعًا فى العلاج بالموسيقى، فهى دولة نامية، ولديها عشوائيات وأحياء فقيرة بها معدل عالٍ من الجريمة، لذا أسست مؤسسة باسم «النظام»، يكون تعليم الأطفال فيها من خلال الموسيقى.

وأضافت: «تعلم الأطفال الموسيقى الكلاسيكية، التى جعلتهم يتعلمون الانضباط، والانسجام مع الكورال، فتحولوا من مجرمين محتملين إلى أشخاص فاعلين فى المجتمع وعازفين ماهرين».

وأشارت إلى مشروع «تطوير الـ١٠٠ مدرسة»، الذى دشنه عدد من رجال الأعمال قبل الثورة، وتضمن إنشاء مدارس مطورة فى عدد من الأحياء الفقيرة مثل السلام والنهضة والمرج، وكان هناك اهتمام بحضور الأطفال فيها حفلات الأوبرا، وتعليمهم الموسيقى، لكن هذه التجربة توقفت.

كما نبهت إلى مشروع تطوير الثقافة فى بعض الأحياء الفقيرة بمحافظة أسوان، ضمن مبادرة «أغاخان»، الذى تضمن إنشاء مركز لتعليم الأطفال كيفية تصنيع الآلة الموسيقية والعزف عليها، مضيفة: «الموسيقى شكلت فرصة لتحسين حياة الأطفال هناك».

وقالت أستاذ الموسيقى: «نحن فى لجنة الموسيقى بالمجلس الأعلى للثقافة، نسعى لإلقاء الضوء على المشروعات والأفكار التى تنشر الموسيقى كوسيلة لنشر الثقافة وتحسين المجتمع والتأثير عليه».

ورأت ضرورة أن يتشارك أساتذة الفلسفة مع الإعلاميين، لتقديم خطاب إعلامى فلسفى منطقى، على اعتبار أن الإعلاميين من المؤثرين، وكذلك الخطاب الدينى الذى هو فى حاجة لإعادة نظر، مختتمة بقولها: «ينبغى أن يتحدث خطباء المساجد مع الناس بالمنطق، وأن يتم توظيف مبادئ الفلسفة والمنطق فى المدارس». 

فيفى عبدالشهيد: المسرح يحرر أجساد المضغوطين والقلقين

أكدت فيفى عبدالشهيد، إخصائية الدعم النفسى والمعالج بالفن، أن المسرح يسهم فى تخفيف الكثير من الضغوط النفسية، مضيفة: «بهذا الفن تغيرت حياة الكثير من الأشخاص الذين شاركوا معى فى جلسات وورش العلاج بالفن»، واصفة لغة أجسادهم قبل اللقاء وبعده: «تكون أجسادهم مثل الخشبة، ومترقبين، وعلى وجوههم القلق والتوتر، وفى آخر جلسة يبدون أحرارًا وأجسامهم حرة وبها لغة من الحب».

وأشارت إلى أنها عملت فى مجال الدعم النفسى لمدة ٢٠ عامًا، ولكنها منذ ٨ سنوات قررت استخدام الفن فى العلاج، ولجأت إلى المسرح كونه يملك الكثير من الأدوات الفنية التى تساعدها فى مجال عملها.

وأوضحت «عبدالشهيد» أنها قابلت العديد من الأشخاص الذين قدموا دعمًا كبيرًا لها، وبسبب هؤلاء شعرت بأنها «مديونة» لتقديم الدعم النفسى للآخرين، وبدأت فى دراسة هذا العلم فى جامعة القاهرة، وتعلمت علم «سيكودراما»، وتتلمذت على يد الدكتور الأسترالى «بن ريف».

وعن أبرز التحديات التى واجهتها، أضافت: «الثقافة المجتمعية لدى بعض الحالات التى أتعامل معها خاصة السيدات، فالتعبير الجسدى بالنسبة للنساء فى مصر قد يدخل فى إطار (العيب)، فنحن تعودنا على الكبت وعدم التعبير عن مشاعرنا وأجسامنا، ورأينا رغم أننا مجتمع محب للغاية للحركة، أن المصريين مختلفون فى الجزء الفنى، وأنه لدينا ذوق خاص».

وأضافت: «من بين التحديات التى أواجهها أثناء عملى كمتخصصة دعم نفسى ومعالج بالفن يتمثل فى الإيقاع السريع للزمن الذى نعيش فيه؛ الأمر الذى يجعل الناس غير قادرين على الحصول على هدنة، والانضمام إلى ورشة يستطيعون من خلالها استكشاف أنفسهم والتصالح مع أجسادهم»، مؤكدة أن الكثير منهم يرفض الحضور لضيق الوقت.

وقالت إن الورشة الواحدة يجب ألا تقل عن ٥ أيام حتى يستفيد منها جميع المشتركين، متابعة: «عندما أعمل مع جمعيات أهلية تابعة لمنظمات مجتمع مدنى فى حملات مثل قضية الختان، أو مناقشة قضية اللاجئين، أو الصدمات النفسية، أطلب أن يكون وقت الورشة كافيًا، لكن للأسف أجد صعوبة فى استجابة الناس».

وأوضحت «عبدالشهيد» أن من التحديات الأخرى التى تواجهها فى مجال عملها هو أن غالبية الأشخاص الذين يقررون الانضمام إلى أعمال فنية مسرحية ضمن جلسات العلاج بالفن يجدون صعوبة فى أدائهم المسرحى والفنى، مضيفة: «مع الوقت أكتشف تغيرًا ملموسًا فى طبيعة هؤلاء الأشخاص، وفن المسرح يساعدهم على اكتشاف لغة أجسادهم، ولغة من يؤدون على المسرح أمامهم، وأيضًا يساعدنى ذلك فى تشخيص طبيعة ما يعانون منه من الوهلة الأولى».

وأكدت أن من بين الملاحظات المهمة التى اكتشفتها فى الورش أن غالبية المشاركين يعانون من انحناء الظهر، ما يشير إلى عدم ثقتهم فى أنفسهم، ومعاناتهم من حالة انكسار وخذلان والوحدة، مضيفة: «أحاول مسرحة المناهج الدراسية فى بعض المدارس الخاصة، والمدارس الحكومية لم تستجب لهذا الأمر».

وأشارت «عبدالشهيد» إلى أنه يجب أن يسير الإنسان فى مسارات متعددة حتى يصل إلى العلاج المطلوب، مشددة على أهمية العلاج بالفنون مثل الموسيقى والمسرح واختيار المناسب لكل حالة.

وأضافت: «قد يكتشف البعض أن الموسيقى هى اللغة المناسبة للتعبير عما يجول فى نفسه أو من خلال الكتابة، أو فنون الأداء ولغة الجسد».