"محافظون وتجارب" (5)
محافظ المعارك
فى الجزء الخامس من سلسلة مقالات «محافظون وتجارب» نصل إلى محطة مهمة فى تاريخ محافظة القاهرة و التى سأختم بها الحديث عن محافظى العاصمة مرورًا بأهم وأخطر المراحل التاريخية المؤثرة فى الشكل الحالى لمدينة القاهرة.
فقبل مرحلة التسعينيات عمومًا كانت العشوائيات قد ضربت كل مناحى الحياة فى القاهرة،
أعيد بناء دار الأوبرا القديمة المحترق عام 1971، ولكن بدلًا من إقامة دار أوبرا جديدة تحول مبناها إلى جراج متعدد الطوابق فوق الأرض مفتقرا للذوق ولا يمت للطابع المعمارى لميدان إبراهيم باشا بأى صلة، فتحول الجراج إلى حاجز أسمنتى قبيح يفصل بين ميدان العتبة وميدان إبراهيم باشا «الأوبرا حاليا».
قُسمت حديقة الأزبكية التاريخية بين جراج متعدد الطوابق وجمعية أهلية حولتها إلى مركز للتجارة باسم الدين يسيطر عليها أصحاب الجلباب الأبيض واللحى وتضم محلات بيع الملابس والعصائر والسندوتشات.
أحيط كل من المسرح القومى ومسرح الطفل بالباعة الجائلين المنتشرين فى الميدان وزاد من وجودهم وانتشارهم محطة المترو التى كثفت من وجود المواطنين المترددين على المنطقة التجارية فى العتبة والأزهر والحسين.
كورنيش النيل أصبح عنوانا للنفوذ والمنافسة بين مؤسسات الدولة ورجال أعمالها بالاستيلاء على ضفتيه وتوزيعها بين المراكب الثابتة والمتحركة ومقرات الأندية وبعض المقرات الإدارية لمؤسسات سيادية وحكومية.
انتظر سكان العاصمة سنوات لتحل أزمات المرور مع الانتهاء من المراحل الأولى لمترو الأنفاق– بين عامى 1987 و1989 – فالشوارع الرئيسية والمحاور المهمة ظلت مغلقة أو تعمل بنصف طاقتها لما يقارب من 10 سنوات.
غير أن بداية التسعينيات لم تكن مبشرة بالخير نتيجة لحرب الخليج حيث زادت معها ظاهرة الهجرة من الصعيد والريف للقاهرة نتيجة البطالة وعودة ملايين المصريين من العراق والكويت، وتأثير زلزال 1992 الذى تسبب فى خلق العديد من المشاكل خاصة فى قطاع الإسكان، ثم بدأ برنامج الخصخصة وبيع مصانع القطاع العام وتشريد عمالها مما فاقم من مشاكل البطالة وما يصاحبها من ظواهر كالجريمة والعشوائية.
فى هذا المناخ بين عامى 1997 و2004 تولى الدكتور عبد الرحيم شحاتة - رحمه الله- مسئولية محافظة القاهرة بعد تجربتين ناجحتين له فى الفيوم والجيزة، مازالتا هما الأفضل حتى الآن لهذين المحافظتين.
بدأ دكتور شحاتة مهام عملة بالوقوف على مشاكل القاهرة الحقيقية خاصة العشوائيات وأول ما بدأ به هو تطهير كورنيش النيل من المخالفات المطلة على مجرى النهر مباشرة.
وكانت رؤيته أن تضرب أجهزة المحافظة المثل بما تملك من مقرات تطل على النيل وكان أول قراراته هو إزالة مبنى نائب محافظ القاهرة للمنطقة الجنوبية المطل على نيل مصر القديمة، ولكنه اصطدم من البداية مع نائبه السيد قدرى أبو حسين نائب المنطقة الجنوبية ثم محافظًا لحلوان فيما بعد «حين اجتزأت حلوان من القاهرة لتصبح محافظة مستقلة وفشلت وأعيدت حلوان للقاهرة مرة أخرى».
رفض نائب المحافظ تنفيذ قرار إزالة مقره الخاص معتبرًا أن المحافظ بما يملك من صلاحيات لا يملك الحق فى تنفيذ قرار لا يوافق عليه النائب فى منطقته، مستندًا إلى أن قرار تعيينه كنائب صادر عن رئيس الجمهورية بقرار مستقل، يوزاى قرار تعيين المحافظ نفسه وأن المحافظ لا سلطان عليه ولا فضل له فى اختياره نائبًا.
ومن هنا بدأت الصدامات تنهال على الدكتور عبد الرحيم شحاتة - القوى فى الحق - ورغم نجاحه فى تنفيذ قرار إزالة مقر نائبه إلا أنه لم يستطع استكمال ما بدأه مع باقى المبانى المطلة مباشرة على نهر النيل.
فشل د. عبد الرحيم شحاتة فى تنفيذ جراج الجزيرة بمنطقة الزمالك، بعدما وقف سكان الحى الراقى معترضين على استقطاع جزء من أرض نادى الجزيرة لإنشاء الجراج الذى تعتمد فكرته على إنشائه متعدد الطوابق أسفل الأرض تعلوه حديقة، ورغم صعوبة المرور والركنات فى حى الزمالك ولكن قوة السكان وقفت حائلًا أمام المشروع.
بينما نجح الدكتور عبد الرحيم شحاتة فى فرض كلمته على شركات النظافة الأجنبية التى ورطنا فيها مجلس وزراء الدكتور عاطف عبيد باستبدالها بديلًا عن هيئات النظافة التابعة للمحافظات.
فرض الدكتور عبد الرحيم شحاتة على الشركات الأجنبية غرامات كبيرة لتقاعسها عن عملها مما هدد بكارثة بيئية فى شوارع القاهرة عكس بعض المحافظات الأخرى التى تدهورت فيها حالة النظافة بسبب تلك الشركات.
نجح د. عبد الرحيم شحاتة فى تنفيذ بعض أفكاره فى تحويل منطقة قلب القاهرة إلى منطقة مشاه فقط ومغلقة أمام السيارات بدأها بمنطقة شارع الألفى ووالبورصة ولم تكتمل باقى فكرة غلق شوارع قلب القاهرة أمام السيارات إلى الآن.
نجح عبدالرحيم شحاتة فى تسهيل تنفيذ المرحلة الأخيرة من القوس الجنوبى للطريق الدائرى عند منطقة إسطبل عنتر بعد توقف العمل فى هذه المنطقة الخطره أمنيًا لاعتراض الأهالى على المشروع، وتعاون المحافظ مع وزارتى الداخلية والإسكان لإنهاء الطريق الدائري.
دخل الدكتور عبدالرحيم شحاتة مبكرًا معركة نقل المقابر بهدف فتح المحاور المرورية للمنفعة العامة حين قرر فتح محور الجمالية بعد إزالة عدد من المقابر، فتعرض لهجوم عنيف، ولكنه أصر على التنفيذ، باعتبار أن محور الجمالية سوف يكون إحدى الطرق البديلة لشارع الأزهر الذى كان من المقرر إغلاقه وتحويله للمشاه فقط وإزالة كوبرى الأزهر عقب افتتاح النفق، ولكن كل ذلك لم يتم برحيل محافظ القاهرة القوى الدكتور عبدالرحيم شحاتة وتوليه فترة قليلة وزارة التنمية المحلية.. وللحديث بقية.