فوضى الدم.. لماذا ترتفع الجرائم فى «البلدات العربية» بإسرائيل؟
قُتل ١٠٣ من «عرب ٤٨» فى البلدات العربية فى إسرائيل منذ بداية العام الجارى، وفى حين يشكل العرب نحو ٢١٪ فقط من سكان إسرائيل فإن نسبة القتلى بينهم أعلى بكثير من ذلك، كما أن العديد من الأشخاص المقتولين لم يكونوا متورطين فى جرائم، أو وقعوا فى نزاع، بل قُتل بعضهم رميًا بالرصاص، وآخرون كانوا فى المكان الخطأ وفى الوقت الخطأ، وكثير منهم قُتلوا بسبب «الانتقام بالدم»، أى قتل شخص تورطت عائلته الكبيرة فى جريمة قتل أخرى.
ورغم القدرات الاستخباراتية والعملياتية لإسرائيل، والعمليات الدقيقة التى تقوم بها فى عمق أعدائها، فإنها لم تنجح فى القضاء على العصابات الإجرامية، فى المناطق المختلفة، ما يستدعى البحث عن أسباب وتفاصيل عالم الجريمة المنظمة فى إسرائيل، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
4 أسباب وراء العنف بالمجتمع العربى أهمها بن غفير
بعد حوادث قتل نهاية الأسبوع الماضى، قال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو: «لقد صدمتنى جريمة القتل المروعة بالقرب من الناصرة.. نحن مصممون على وقف سلسلة جرائم القتل هذه.. سنفعل ذلك ليس فقط من خلال تعزيز الشرطة، ولكن أيضًا بمساعدة الأمن الداخلى الشاباك.. أنا مصمم على إحضار الشاباك كمساعدة للشرطة الإسرائيلية ضد هؤلاء المجرمين، وضد المنظمات الإجرامية، وضد جرائم القتل هذه».
وتظاهر المجتمع العربى فى إسرائيل، الجمعة الماضى، للمطالبة باتخاذ إجراءات من جانب السلطات، مع تحميل رئيس الوزراء نتنياهو، ووزير الأمن القومى إيتمار بن غفير، مسئولية تصعيد العنف، واتهامه بإهمال المنظمات الإجرامية والعنف بشكل عام.
وخلال الأسبوع الماضى، وبعد أشهر من الانتقادات الشديدة من المعارضة لفشله فى التحرك، أعلن بن غفير أخيرًا عن نيته إعطاء الأولوية لمشكلة العنف، وتعيين منسق سياسى للإشراف على الجهود فى هذا الإطار.
وبعد ساعات، أعلن مكتب نتنياهو، عقب اجتماع مع «الجبهة العربية للتغيير»، عن أنه سيتم تشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء لمواجهة موجة الجريمة، وهى خطوة اعتبرها كثيرون متأخرة كثيرًا.
ويرى خبراء وأعضاء فى الكنيست الإسرائيلى أن السبب الأول لذلك الوضع الكارثى هو الفشل فى إعطاء الأولوية لمكافحة الجريمة المنظمة، خاصة أنها مشكلة لها العديد من الجذور، ومنها مستوى الحزم لدى الحكومة والشرطة؛ والإهمال الرسمى للمجتمع العربى؛ والنقص فى القوى العاملة للشرطة؛ والضغط على المنظمات الإجرامية الكبيرة، الأمر الذى سمح بظهور عصابات أصغر.
كما يرى الخبراء أيضًا أن السبب الثانى فى الأزمة يتعلق بشخص وزير الأمن الداخلى إيتمار بن غفير، الذى يواجه مشاكل فى كسب ثقة المجتمع العربى، بسبب خلفيته اليمينية والقومية المتطرفة، وخطابه المعادى للعرب، وهو ما أكده أعضاء الكنيست من العرب، الذين التقوا مع نتنياهو، وأوضحوا أنهم غير مستعدين لقبول منسق السياسة الذى عينه بن غفير، وطالبوا نتنياهو بتعيين المنسق بنفسه.
أما السبب الثالث، فى رأى الخبراء، فيتعلق بأداء قوات الشرطة الإسرائيلية فى البلدات العربية، حيث شهدت تلك البلدات انخفاضًا فى دوريات الشرطة فى الأشهر الأخيرة، مع زيادة فى معدلات إطلاق النار ليلًا، بحيث لم يعد السكان يكلفون أنفسهم عناء إبلاغ الشرطة.
وأوضح المراقبون أن الشرطة لا تبذل الكثير من الجهد لمكافحة الجريمة فى الوسط العربى، وليست لديها القوة للقيام بذلك حاليًا.
وسبق أن تم تسليط الضوء على موضوع القوى البشرية للشرطة الإسرائيلية فى مناسبات عديدة، وخلال جلسة بلجان الكنيست، فى ١٥ مايو الماضى، قال نائب رئيس شعبة الاستخبارات والتحقيقات فى إسرائيل إن الشرطة تفتقر إلى ٢٠٠٠ عنصر شرطى، كما قال المفتش العام للشرطة إن القوة فى مدينة اللد تراجعت بنحو ٣٠٪، وحث على تحسين الأجور، لجذب المزيد من العناصر للعمل الشرطى.
فيما يعد السبب الرابع لتفاقم المشكلة، وفقًا للخبراء، هو زيادة كمية الأسلحة ما يؤدى إلى تزايد عمليات القتل، حيث يقدر حجم الأسلحة غير المشروعة فى المجتمع العربى بعدة آلاف، فيما تفيد البيانات بأن الغالبية المطلقة من القتلى العرب ماتوا نتيجة إطلاق النار، والجزء الصغير من جراء العبوات الناسفة أو الطعن.
ووفقًا للشرطة الإسرائيلية، فقد تم، منذ بداية عام ٢٠٢٣، توفير ١٤٧ بندقية هجومية و٨٣٠ مسدسًا، و٢٥١ سلاحًا غير قياسى، و٤٥٩ سلاحًا مقلدًا، و٤٧ بندقية رش، و٢٦٧ قنبلة يدوية، و١١٠ متفجرات، و٤٤٤١ خلية ألعاب نارية.
وذكر المفتش العام للشرطة أنه تم إحباط ٢٦ محاولة قتل هذا العام، واعتقال عشرات الأشخاص فى إطار عملية «المسار الآمن»، كما تم ضبط كميات كبيرة من الأسلحة غير القانونية، بما فى ذلك مسدسات وبنادق هجومية.
جدل حول الاستعانة بـ«الشاباك» لمحاربة عصابات الجريمة المنظمة
وفقًا للخبراء، فإن موجة الجريمة مدفوعة إلى حد كبير بالجريمة المنظمة، ففى عام ٢٠٢٠ توصلت مسودة تقرير صدرت عن ديوان رئيس الوزراء إلى نفس النتيجة، خاصة حول الحرب التى اندلعت بين العصابات الإجرامية، حيث تقاتلت جماعات من أجل السيطرة على الإتاوة ومناطق بيع المخدرات وغير ذلك، ما ساعد فى زيادة جرائم القتل.
ولا تزال عصابات الجريمة تشارك فى التجارة الكلاسيكية، مثل الأسلحة والمخدرات والدعارة والإتاوة، لكنها الآن تهدد وتبتز المقاولين، وتضغط على السلطات المحلية بشكل مباشر وبوسائل عنيفة فى كثير من الأحيان، فى محاولة للسيطرة على مشاريع تنمية، وذلك حسب ما قاله مسئول سابق لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فى عام ٢٠٢٠.
وفى الشهر الماضى، قال أحمد الطيبى، عضو الكنيست، إن الجريمة المنظمة اخترقت السلطات المحلية، وأحصى ١٥ رئيس بلدية أو رئيس مجلس فى البلدات العربية تعرضت حياتهم للتهديد.
وأضاف: «مدن بأكملها تخضع للإتاوة»، مشيرًا إلى أن العصابات استغلت ندرة الخدمات المصرفية المتاحة للعرب، الأمر الذى أجبر الناس على اللجوء إلى المرابين، الذين يقدمون أسعار فائدة ابتزازية، وينفذون عقوبات دموية على الديون غير المسددة.
ولمواجهة ذلك، أعلن نتنياهو عن الاستعانة بـ«الشاباك»، وبدأت المناقشات تجرى بين الحكومة ورئيس «الشاباك» رونين بار، وكبار المسئولين فى وزارة العدل.
وترى وزارة العدل الإسرائيلية أن هناك مشكلة كبيرة فى توسيع قانون «الشاباك»، لأن نتنياهو يريد الاعتماد على قسم معين من القانون يسمح له بالتدخل فى الجريمة فى المجتمع العربى، وذلك حسب ما نشرته القناة الإسرائيلية الـ١٣.
ولفتت القناة إلى أن هناك بندًا فى قانون «الشاباك» يسمح بالتدخل لمصالح الدولة الأساسية والأمن القومى، حتى لو لم يتم تضمين موضوع التدخل فى المجالات التى يختص بها جهاز الأمن الداخلى، وهو بند تم الاستناد إليه أثناء فترة جائحة كورونا.
كما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن «الشاباك» يعارض توسيع قانونه ليعمل ضد الجريمة فى المجتمع العربى، لعدة أسباب، أولها: أن هذه الخطوة قد تكشف عن الإجراءات والوسائل المتبعة لتعامله مع القضايا الأمنية، وثانيها: أن تدخله سيأتى بالضرورة على حساب الموارد الموجهة لمحاربة العمليات العدائية وبقية مهامه.
ويرى كثير من المراقبين أن إقحام «الشاباك» فى المشكلة يعتبر انتهاكًا للحقوق المدنية للمواطنين العرب، لأنه من المفترض أن يتم القضاء على الجريمة فى البلدات العربية باعتماد نفس الأدوات التى يتم بمساعدتها القضاء على الجريمة فى البلدات اليهودية، خاصة أن حماية المواطنين هى مسئولية شرطة إسرائيل وليست أجهزة الأمن العام.
وفى الوقت نفسه، وجه كثيرون انتقادات للشرطة الإسرائيلية لتراجع قدرتها على القيام بمهامها داخل البلدات العربية، بسبب عدم تطوير مهاراتها وقدراتها التكنولوجية، بما من شأنه أن يمكنها من التعامل مع الجريمة المعقدة والجريمة المنظمة، مثل تلك الموجودة فى المجتمع العربى. ويشجع هؤلاء تدخل «الشاباك»، لأن لديه القدرات اللازمة للتعامل مع الجرائم المنظمة، والتى اعتبروا أنها لا تقل أهمية عن قضايا الأمن القومى الأخرى، خاصة أن «الشاباك» تدخل خلال المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، فى مايو ٢٠٢١، والتى تسمى باسم «حارس الأسوار»، وذلك لمواجهة بعض حالات العنف فى المدن العربية والمختلطة.