هل تسهم الدبلوماسية الإفريقية والمشاركة المصرية فى تسوية الأزمة الروسية الأوكرانية؟
وصل الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وسامح شكري، وزير الخارجية، صباح اليوم، إلى العاصمة الأوكرانية كييف ضمن وفد رؤساء المبادرة الإفريقية المشتركة للمساهمة في تسوية الأزمة الروسية الأوكرانية.
وفي هذا السياق، قال أحمد السيد، الباحث في المركز المصري للدراسات الاستراتيجية، في خطوة دبلوماسية جريئة، وفي أحدث سلسلة من جهود الوساطة التي تهدف إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وصل اليوم عدد من قادة ورؤساء حكومات الدول الإفريقية لكل من "سانت بطرسبرج" و"كييف" لإجراء محادثات سلام مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من أجل التوصل لتسوية سلمية للحرب الدائرة منذ أكثر من خمسة عشر شهرًا، والتي انعكست تداعياتها على المجتمع الدولي بأسره، وكان للدول الإفريقية نصيب الأسد من التداعيات السلبية لتلك الحرب، حيث تضررت القارة بشدة من الصراع الذي عطل تجارة الحبوب والأسمدة ودفع الأسعار لمزيد من الارتفاع.
ويشارك في جهود الوساطة كل من دول "جنوب إفريقيا" و"مصر" و"السنغال" و"أوغندا" و"زامبيا" و"جمهورية الكونغو"، وسيتوجه قادة ورؤساء حكومات الدول الست، اليوم، لكييف للاجتماع والتباحث مع الرئيس الأوكراني، على أن يلتقوا في اليوم التالي 17 يونيو مع الرئيس الروسي في مدينة سانت بطرسبرج.
وأضاف السيد في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن تلك الدول لم تقدم أي إعلان أو تفاصيل بشأن مقترحاتها لإنهاء الصراع الروسي الأوكراني، ولكنها تسعى لإقناع أوكرانيا وروسيا بإجراء محادثات يمكن أن تنهي الحرب.
وأشار السيد إلى أن مواقف الدول الست كانت قد تأرجحت فيما يتعلق بالتصويت على قرار للأمم المتحدة حول قرار يدين الغزو الروسي على أوكرانيا عام 2022 ويطالبها بسحب قواتها، حيث اتخذت الدول مواقف متباينة، إذ امتنعت جنوب إفريقيا وأوغندا وجمهورية الكونغو عن التصويت. بينما صوتت زامبيا ومصر لصالح القرار، بينما لم تشارك السنغال.
ولفت السيد إلي أن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا أعلن لأول مرة عن خطة السلام الإفريقية، التي تحمل عنوان "الطريق إلى السلام"، في 16 مايو الماضي، وعلى الرغم من عدم الإعلان عن تفاصيل المبادرة، إلا أن رئيس جنوب إفريقيا أوضح أن الفريق سيجتمع مع بوتين وزيلينسكي من أجل مناقشة كيفية حل النزاع في أوكرانيا.
وأوضح السيد أن العامل المشترك بين تلك الدول هو تبنيها لمواقف غير منحازة إزاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، رافضة اتخاذ أي قرار أحادي تجاه أي من طرفي الصراع.
وتابع السيد: تأتي المبادرة الإفريقية من قبل الدول الست في سياق عدد من الأمور منها، لطالما نأت إفريقيا بنفسها عن الانخراط في أي نزاعات دولية، وتركت قوى أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال تدير شئون القارة، حتى فيما يتعلق بالنزاعات التي كانت تؤثر بشكل مُباشر على القارة، وبتحرك الدول الست هذه المرة ومحاولتها الجلوس مع طرفي النزاع، فإن إفريقيا تريد إيصال رسالة بأن بلدانها يُمكن أن يكون لها السبق في التدخل فيما يتعلق بالشئون العالمية.
وأشار السيد إلى أن المبادرة الإفريقية تأتي في ضوء ما يربط دول القارة الإفريقية من علاقات ممتدة مع الدولتين، فضلًا عن الأبعاد المتعددة لتلك الأزمة، التي تجاوزت حدودها الجغرافية لتشمل مناطق مختلفة من العالم، لا سيما في إفريقيا والشرق الأوسط وعلى صعيد الدول النامية، التي تعد الأكثر تضررًا من تداعيات الأزمة.
وتابع السيد أنه نتيجة للصراع المدمر في أوكرانيا، فإن الدول الإفريقية عانت وتعاني بشكل كبير نتيجة لاستمرار تلك الحرب، وهذا ربما ما دفع القادة الأفارقة للإعلان بأنه لا يُمكن أن تظل إفريقيا صامتة بينما تعاني من عواقب الأزمة بشكل خطير.
وأضاف السيد أن القادة الأفارقة يحاولون حماية القارة من الضغوط الغربية لاختيار جانب من طرفي الصراع، بينما يسعون أيضًا لتجنب الانقسام الذي قد تسببه الأزمة داخل الاتحاد الإفريقي.
مشاركة مصر في المبادرة الإفريقية
وحول الدور المصري والمشاركة المصرية في تلك المبادرة، قال السيد يظل الموقف المصري من الأزمة الأوكرانية ثابتًا مُنذ البداية، إذا تؤكد القيادة السياسية دائمًا أنها تُشجع الحوار والحل السلمي للأزمة، وكانت مصر قد تأثرت بشكل كبير وسلبي بهذا الصراع وما ترتب عليه من ضغوط تضخمية وارتفاع أسعار الطاقة وتأثير ذلك على الأمن الغذائي.
وأكد السيد أن التوصل إلى حل سلمي تفاوضي يجنب المجتمع الدولي تداعيات الصراع هو في مصلحة مصر.
وأشار السيد إلى أن مصر قد سعت إلى تشكيل فريق الاتصال الحالي التابع لجامعة الدول العربية والمكلف بمتابعة الأزمة الأوكرانية، كما استمرت أيضًا في الاتصال بأطراف النزاع لتشجيع الحل السلمي.
وتابع السيد "تأتي مُشاركة مصر ممثلة بالدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسي ضمن الوفد الإفريقي المشارك في المباحثات مع الجانبين الروسي والأوكراني للتأكيد على الموقف المصري الثابت من الأزمة، وتوصيل الرؤية الإفريقية فيما يتعلق بوجهة نظر القارة حول التداعيات السلبية للصراع.
هل يمكن أن تنجح المهمة الإفريقية؟
قال السيد من المتوقع أن يواجه القادة الأفارقة معركة شاقة لإقناع الأطراف المتحاربة بإلقاء أسلحتهم، حيث رفض زيلينسكي بالفعل أي اتفاق يستلزم تنازل أوكرانيا عن أي أرض لروسيا، ومن غير المرجح أن يوافق بوتين على شروط انسحاب القوات الروسية من الأماكن التي تمت السيطرة عليها.
وتابع السيد "وستتمثل مهمة القادة الأفارقة في إيجاد طريق إلى السلام مع سعيهم لتأمين التزام من كلا الجانبين بسعيهم لإنهاء هذا الصراع بالوسائل السلمية. كما يستهدف القادة الأفارقة السماع لوجهات نظر الجانبين، ومطالب كلا الجانبين لإنهاء الصراع".
وأكد السيد أن القادة سيسعون لطرح وجهة النظر الخاصة بالرؤية الإفريقية لكيفية إدراكهم لتأثير هذه الحرب على إفريقيا من حيث أسعار المواد الغذائية والحبوب وأسعار الوقود، وكذلك على أوروبا وبقية العالم، وأن الحرب ليست حربًا أوروبية فقط بل حربًا معولمة.
واختتم السيد تصريحاته قائلًا: "يمكن القول، إنه وعلى الرغم من أن فريق الوساطة الإفريقية لا يبدو أنه يتمتع بنفوذ عالٍ لإقناع بوتين وزيلينسكي، إلا أنه ينبغي الإشادة بهما على جهودهما، لأن تلك الجهود يمكن أن تمهد الطريق لنجاح وساطات أخرى في المستقبل".