الحوار الأخطر للقيادى السلفى المعروف يونس مخيون! (2)
(الجزء الثانى)
العبارات الأخطر فى الحوار ومستقبل مصر!
(1)
ما سبق فى الجزء الأول من هذا المقال هو شهادة القيادى السلفى يونس مخيون الرسمية عما حدث، وقد تخللت تلك الشهادة تفصيلات عن كل حدث بالأسماء والتواريخ. وكما قلتُ فهذه الشهادة هى وثيقة تاريخية رسمية أكدتْ ما كان يعرف معظمَه كثيرٌ من المصريين ودأبتْ الجماعة التكفيرية على محاولة تزييفه. أما ما تبقى من عبارات الحوار فهو- من وجهة نظرى الشخصية- الأخطر لأن له علاقة مباشرة بمستقبل مصر!
وأبدأه بما أكده مخيون عن موقف الإخوان الآن! لقد قطع قطعا واضحا أن الجماعة لم تغير أيا من أفكارها أو وجهة نظرها عما حدث. ولم تقم ولو بالاعتراف بأنها كانت على خطأ فى أي واقعة أو على الأدق جريمة من جرائمها فى حق مصر والمصريين!
فأعضاء الجماعة التكفيرية - حسبما قال مخيون- يرون الآن أن الجميع على خطأ والجميع خونة وأنهم وحدهم الصواب، وأن أعضاء حزب النور والدعوة السلفية قد خانوا الإسلام!
جماعة الإخوان التكفيرية - شأنها شأن باقى تقسيمات وجماعات الإسلام السياسى- لن تغير عقيدتها وأفكارها! فمن اعتنق سفك الدماء طريقا سيبقى كما هو، ومن نأى بنفسه عن ذلك سيبقى كما هو!
هذا الكلام يعنى أن أي محاولة يتقدم بها أحدٌ فى مصر الآن لإعادة دمج الجماعة- ككيان- فى الحياة السياسية أو حتى السماح بعودة الجماعة تحت غطاء دينى سيكون تواطؤا صريحا ضد الدولة المصرية الوطنية، وخيانة صريحة لدماء شهداء القوات المسلحة والشرطة!
وأى حديث لمحاولة إعادة عرض المسرحية الهزلية التى شهدتها مصر فى التسعينيات والمسماة (المراجعات) بشخصيات من تلك الجماعة، سيكون محاولة للدغ مصر من نفس الجُحر مرة ثالثة وإعادتها إلى المربع صفر! فكثيرٌ ممن كتبوا نص تلك المسرحية العبثية السوداء من أساطين التكفير كانوا هم نجوم الصف الأول فى استاد القاهرة فى ذلك اليوم الشهير، يوم السادس من أكتوبر 2012م، كما قاموا بدور سفراء جهنم على منصة رابعة إلا القليل النادر منهم، مما لا يتخطى عددُه أصابع اليد الواحدة ممن صدقوا مع أنفسهم!
(2)
(السلفية العامة) هو المسمى الذى أطلقه مخيون للتمييز بين الدعوة السلفية وحزب النور، وبين باقى السلفيين فى مصر. والسلفية العامة تتركز فى القاهرة، بينما الدعوة السلفية تتخذ من الإسكندرية مركزا لها. وقطعا ففى باقى محافظات مصر سيكون نفس الشىء، من يعتنقون فكر المجموعة الأولى أو المجموعة الثانية!
حسب شهادات مخيون، فإن الإخوان نجحت فى استقطاب بعض جماعات السلفية العامة، وكانت هناك مجموعات تنظيمية مثل حازمون أو أفراد سلفيين- ضحى الإخوان بهم فى رابعة والنهضة- تقف فى خندق الإخوان وتوافقهم فى أفكارهم وقد هاجم هؤلاءُ الدعوة السلفية واتهموا قادتها بالخيانة!
هذا الكلام يعنى بشكلٍ واضح أن كثيرا من السلفيين فى مصر- باستثناء من يعتنق فكر الدعوة السلفية أو يتبعها فعليا- يعتنقون أفكارا تكفيرية شأنهم شأن جماعة الإخوان الإرهابية!
وهذا الجزء تحديدا هو الأكثر خطورة ويلزمه أن نراجع أو نتساءل عن شيء ما أصبح جزءًا من الواقع المصرى الشعبى. هذا التساؤل بصراحة عن الجمعيات الدينية السلفية المنتشرة بطول البلاد وعرضها وعن أنشطتها التثقيفية الدينية، وحدُّها الأدنى الأخطر هو الكتاتيب التابعة لها!
ما الذى يتم فى هذه الجمعيات؟! ومن يقوم بمراجعة ومتابعة أنشطتها الدينية؟ وهل هناك آلية متابعة فعلية حقيقية فعالة؟ وكيف لنا كمصريين أن نعرف كل جمعية، وهل هى من القسم المسالم المؤمن بالوطن أم من القسم المؤمن بأفكار تكفيرية يتم تمهيد الصغار لاعتنقاها مستقبلا؟!
بل ربما نقفز بالسؤال إلى مستوى أعلى.. هل مصر فى الأساس فى حاجة إلى وجود هذه الجمعيات- مع استحالة توافر آلية متابعة حقيقية- كتعليم دينى موازٍ لما تقوم به المؤسسة الدينية الرسمية وهى وزارة الأوقاف؟! وهل من الممكن- كحلٍ مجتمعى وسط أن نغير قوانين تلك الجمعيات بحيث يقتصر دورها على الجوانب الإنسانية مثل توزيع الصدقات وكفالة اليتيم، وتُمنع من ممارسة أي أدوار تثقيفية دينية خارج وزارة الأوقاف وخارج المساجد؟!
عمليا لا يمكن فرز عقل وفكر كل قيادة سلفية تدير أو تتحكم فى أي جمعية دينية! وحسب كلام مخيون فإن كثيرا من هؤلاء قد انضموا لاعتصامات الإخوان المسلحة وبقوا فيها حتى بعد انصراف أعضاء الجماعة ذاتهم!
فهل تنتبه مصر إلى هذا الثغر من ثغورها الذى يتحكم فى صياغة عقول أعداد غير قليلة من الصغار؟!
(3)
قدم مخيون فى عبارات متفرقة فكرة عامة عما تعتنقه الدعوة السلفية التى يمثلها والتى تتخذ من الإسكندرية مركزا لها وتنتشر فى بعض محافظات مصر.. ويمكن جمع شتات ما ذكره فى الآتى:
نهتم بالعلم الشرعى جدا!
اتخذنا مواقفنا- السياسية بالطبع- حسبما يتفق مع الشرع!
نحافظ على الوطن لأن الحفاظ على مقاصد الشريعة الخمسة الكلية (الدين، العقل، النسل أو العِرض، المال، النفس) لا يمكن أن يتحقق دون الحفاظ على الوطن!
رفضنا الانضمام لاعتصام رابعة ونصحناهم بأن يتقوا الله ويحقنوا الدماء!
كنا ندرك أن مظاهرات 30 يونيو لم تكن ضد الدين، بل كانت لتدهور الأحوال المعيشية!
لم ننضم إلى تظاهرات 30 يونيو ووقفنا على الحياد!
كنا نرى قبل أن تتدهور الأوضاع ألا يغادر مرسى بتظاهرات الشارع حتى لا يتحول ذلك إلى سنة فى الشارع المصرى، وإنما يغادر بالصندوق كما جاء بالصندوق!
قمنا بجولات توعية شرعية لأبنائنا- شباب السلفيين- حتى لا يتأثروا عاطفيا باعتصامات رابعة!
تعرضتُ لتهديدات بالقتل وأجهضت أجهزة الأمن محاولة اغتيال للشيخ ياسر برهامى!
(4)
قطعا فإن موقف الدعوة السلفية بعدم الانضمام للاعتصام المسلح من وجهة نظر البعض كان به الحد الأدنى من العقل والمنطق، وأفسد بشكلٍ كبير تلك الخطة الشيطانية التى أرادت الجماعة التكفيرية فرضها على المصريين بإشعال حرب دينية أهلية. لو اعتبرنا أعضاء الدعوة السلفية غير مصريين فقطعا لا بد أن نشكرهم على موقفهم هذا! لكنهم مصريون وموقفهم يتفق مع الحد الأدنى من الانتماء إلى هذا الوطن، لذلك فبصراحة لا أرى أن موقفهم يستحق الشكر، لأن بقاءهم على الحياد كما قال مخيون ومن وجهة نظرى الشخصية لم يبلغ من القوة ما يرتقى إلى مستوى الخطر الذى كان يحيط بهذا الوطن الذى ينتمون إليه! خاصة إذا كانوا هم يدركون وقتها وبشكل رسمى- طلب القنصلية الأمريكية لقاءهم وطلبها أن ينضموا إلى الاعتصام- خيانة جماعة الإخوان، وهو ما لم يكن يعرفه ملايين المصريين وقتها!
وإننى أدرك قطعا حجم ما تعرضت له قيادات الدعوة السلفية من ضغط من قواعدها الشابة أو حتى من عوام الناس الذين كانوا يرون المشهد وكأنه مواجهة بين الإسلام وبين العلمانية والكفر، خاصة بعد أن قامت الجماعة الإرهابية بشن حملات التشويه المتعمدة ضدهم، لذلك فربما كان موقفهم الذى وصفه مخيون بالحياد هو أكثر ما كانوا يقدرون عليه وقتها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها!
أما إذا كان موقفهم الحيادى ينبع من عقيدة دينية- لأنهم يتخذون مواقفهم حسبما يعتقدون أنه الشرع- فهنا وقفة حتمية أصوغها فى ذلك التساؤل.. هل الشريعة الإسلامية تقرر أن يقف أهل بلد على الحياد حين ينشب صراع بين فئتين- جماعة الإخوان فى مواجهة المصريين- إحداهما جماعة خائنة باغية تهرول من أجل تمهيد الأرض لسفك الدماء حسبما قال مخيون بنفسه؟!
تساؤلٌ آخر.. مقاصد الشريعة الخمسة التى ذكرها لا خلاف ولا جدال حولها، وهى من طبائع الأمور وهى محمية فى كل الشرائع والقوانين والدساتير المصرية فى العصور الحديثة وحتى قبل دخول الإسلام والمسيحية مصر! هل هذه المقاصد هى التى توجب الحفاظ على الوطن؟! لأن بدون وطن لن تتحقق؟! هل نحب الوطن وندافع عنه ونؤمن بقداسة ترابه وأرضه حبا خالصا مستقلا ونربى أبناءنا على ذلك؟ أم نحب الوطن لأنه وسيلة لغاية أخرى هى مقاصد الشريعة التى حددها الفقهاء؟! هل تؤمن الدعوة السلفية التى ترفض سفك الدماء بالوطنية مجردة ومستقلة من أي عباءات دينية؟!
ما ذكره عن أسباب خروج المصريين فى 30 يونيو يستحق الرد.. لا أعتقد أن ملايين المصريين قد خرجوا ضد الجماعة من أجل ذلك.. لأن الإعلان الدستورى وأخونة الدولة ومحاولة توريط الجيش المصرى فى صراع دينى مسلح فى سوريا ومحاولة تغيير هوية مصر وتحويل شعبها إلى قطعان من المتعصبين والتنكر للثقافة والفنون، ومحاولة فرض إرهابى تكفيرى محافظا لعاصمة الحضارة القديمة (الأقصر)، وجهر الجماعة بالكفر بقداسة حدود مصر، وغيرها من عشرات الأسباب التى تصب جميعا فى فكرة تغيير مصر قسرا إلى دولة أخرى، هى الأسباب الحقيقية التى دفعت المصريين لاتخاذ قرار بتصويب خطئهم الأكبر!
(5)
لا أحد فى مصر يريد نزع المصريين من إسلامهم أو مسيحيتهم، أو تحويل مصر إلى دولة ضد الدين بصفة عامة، لكننا نختلف عن حدود التداخل بين ما يعتقده البعض أنه صحيح الدين وبين تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية! تلك الشعرة الفاصلة التى يصر البعض على تجاهلها!
يقول مخيون عن منهج الدعوة السلفية- وهى الدعوة التى أثبتت فى هذا الاختبار أنها أكثر مجموعات الإسلام السياسى رفضا لسفك الدماء على الأقل بالتزام الحياد- أنه منهج يعتمد على اتخاذ المواقف السياسية حسب الشريعة!
هنا مكمن الخطر وهنا يكمن الشيطان!
لم ولن تتفق مجموعتان من المجموعات التى قررت خلط السياسة بالدين على رأى شرعى واحد فى أخطر ما تعرضت له مصر! وهذا ما قاله مخيون. موقفهم حدده الشرع كما رأوه وفهموه هم. ومواقف الآخرين ممن انضموا لمعسكر التكفير يتفق مع الشرع كما رآه هؤلاء الآخرون أيضا!
وقامت القيادات بجولات فى المحافظات لتوعية الصغار والأتباع بصحة موقفهم الشرعى، مما يعنى أنه ليست للشرع مواقف ثابتة قاطعة فى مسائل سياسية أو حياتية! وأن الأحكام العامة الواردة فى النصوص القرآنية أو النبوية الصحيحة هى حمّالة أوجه، ويمكن لأى عالمٍ أن يأتى برؤية مخالفة لعالمٍ آخر!
بل إن هناك من السلفيين الذين غيروا موقفهم وانضموا إلى تأييد السيسى بعد نجاح ثورة يونيو قد فعلوا ذلك استنادا إلى رؤية فقهية اسمها (مبايعة الإمام المتغلب)- وهى عبارة أمقتها بشدة لما صاحبها تاريخيا من أحداث وملابسات- لا اقتناعا بعدالة وحق وصواب ما قامت به المؤسسة العسكرية!
يعنى هذا أن هناك رأيا فقهيا يقول بالانضمام إلى من يغلب بالقوة على الأرض! ويعنى هذا أن الرأى الذى يراه البعض شرعيا قد يقف فى صف الدولة اليوم، وقد يقف فى مواجهتها بالسلاح غدا! إنه تيهٌ لا يتوقف حين تبدأ دولة فى الغوص فيه يتمدد إلى عشرات الآراء التى يعتقد صاحب كل منها أنه الدين الحق ويصر على تنفيذه بقوة السلاح!
قد تكون الاختلافات الفقهية مقبولة ومن طبائع الأديان ولا غبار عليها ومن علامات مرونة الديانة حين تكون فيما يخص تعبد الأفراد أو حتى ما يتخذونه من قرارات تخص حياتهم الفردية. لكن تلك الخلافات الفقهية تتحول إلى بحور دماء حرام وسيوفٍ تمزق الدول والأوطان حين تتسلل إلى أروقة الحكم ودهاليز السياسة! لم أقل جديدا، فهذا تضج به صفحات تاريخ المسلمين تحديدا!
لقد آن الأوان لكى نعرف أن ذلك التيه السياسى الدينى كان أقرب ما يكون لمرحلة المراهقة فى عمر الأمم والحضارات، ولا بد أن تتلوها مرحلة النضج حيث قوانين السياسة وعلومها الحديثة الدنيوية غير المقدسة القابلة لأي تغييرات أو معارضات دون أن يتم اتهام من يقوم بذلك بأنه يقف ضد الله وإرادته التى يفهمها الإمام العالم ويريد إنفاذها على الأرض، الحاكم الذى يصل إلى عرش الحكم بشرعية إنفاذ تلك الإرادة الإلهية بالسيف!
(6)
وسأضرب مثلا لما يمكن عليه السيناريو مستقبلا إن أوصل المصريون أحد أجنحة الإسلام السياسى السلفى للحكم مثلا، وليكن أكثرها جنوحا للسلام عام 2013م وهى الدعوة السلفية! لقد اُختبروا وهم حزب سياسى له قوة شعبية على الأرض، لكنه لم يكن حزب الأغلبية، ولم يصل للحكم! وكان حزبا حديث عهدٍ بالسياسة يتحسس خطاه، ولم تكن شعبيته سوى لرفعه راية الشرع!
قبل أن ينتخب المصريون جماعة الإخوان التكفيرية، كان الملايين منهم لا يعرفون عن تلك الجماعة سوى قناعها الوديع المسالم الذى لا علاقة له بالجماعات الإرهابية التى عرفها المصريون فى الثمانينيات والتسعينيات! لم يعرف أغلب المصريين الجماعة على حقيقتها إلا بعد أن وصلت للحكم! وبعد أن تعرضوا لضغط عاطفى دينى مكثف من أئمة المساجد! ثم فوجئوا بالوجه الآخر الدموى الذى أسفرت عنه الجماعة!
وكما يقول المصريون فى مثلهم الدارج (اللى اتلسع من الشوربة ينفخ فى الزبادى!) والزبادى الذى أتحدث عنه الآن هو الدعوة السلفية! فهل لى بقليلٍ من النفخ المشروع المهذب؟!
الدعوة السلفية لم تُختبر فى السلطة! وكل ما اتخذته من مواقف كان له ما يوازيه من مواقف ظاهرية لجماعة الإخوان الإرهابية حين كانت مصر مخضبة بدماء أبنائها المراقة على أيدى جماعات إرهابية أخرى (الجماعة الإسلامية- الناجون من النار- التكفير والهجرة .....). ساعتها كانت جماعة الإخوان تتظاهر وكأنها جماعة سياسية ليبرالية! ولم يتخيل غالبية المصريين- إلا من كان يقرأ التاريخ- أن يوما سيأتى وسيرون تلك الجماعة بهذا الوجه القبيح! وجميع مواقف الجماعة فى كل عصر كان تتم شرعنتها دينيا، سواء المواقف المسالمة المهادنة، أو المواقف الدموية!
فماذا لو وصلت الدعوة السلفية بعد عقدٍ أو عقودٍ إلى الحكم؟! ما الضمانات التى يمكلها المصريون حتى لا تتحول مصر مثلا إلى قندهار أو تورابورا؟! ماذا لو خرج علماء الدعوة السلفية ساعتها بأن تحقيق مقاصد الشريعة الخمسة لن يتحقق إلا بأن يندمج المسلمون جميعا فى دولة خلافة عظمى؟!
ماذا لو خرج علماؤهم الجدد ساعتها برؤى دينية جديدة تحكم مواقفهم السياسية وهم فى موقع السلطة؟! وماذا عن موقفهم من غير المسلمين؟! سيدفع الجميع ضرائب أم سيدفع المسلمون الزكاة وسيدفع المسيحيون الجزية؟!
العقوبات الجنائية؟ جميع مفردات الدولة الوطنية؟ وهل سيكون الرئيس ساعتها ممارسا لسلطات دستورية قانونية أم خاضعا لمجلس وصاية فقهى؟!
لقد قال الرجل صراحة عبارات غاية فى الخطورة.. نحن متشددون جدا فى الثوابت، لكنه لم يفصل ما يقصده بهذه الثوابت، لأن ما أعلمه أن هذا المصطلح مطاطٌ للغاية من مجموعةٍ لأخرى من تلك المجموعات المنتظمة فى تنظيمات دينية سياسية!
فإن تحدث اليوم أحدهم- وهو خارج السلطة- عن ثوابت العقيدة، فقد يتغير حديثه تماما إن وصلت جماعته للحكم فيتمدد هذا المصطلح وينتفخ ثم يلتهم مفردات حياة المصريين وشخصيتهم!
قال أيضا (اشتركنا فى كتابة الدستور لنكون بالمرصاد للعلمانيين والليبراليين حتى نتصدى لأي محاولة لتغيير هوية مصر الإسلامية ومن أجل مادة الأزهر).. يقول هذا وهو خارج السلطة، فماذا إن وصلت جماعته للسلطة؟! وما مفهومه لكلمة علمانيين وكلمة هوية مصر الإسلامية؟! وهل تتغير هذه المفاهيم إن وصلوا يوما لسدة الحكم؟! قطعا ستتغير وسيصبح رداء المرأة هوية، والتحكم فى الفنون هوية، وفرض مقررات تاريخية غير مصرية هوية، والجلباب القصير هوية، وكل ما يراه المجلس الفقهى الوصىّ على البلاد هوية إسلامية!
عشرات التساؤلات فجرتها شهادة الشيخ الطبيب يونس مخيون، وهى أسئلة مصرية مشروعة لا علاقة لها بالرجل وصراحته وشجاعته ووضوحه، لكنها تخص ما منحه لنا من معلومات أقل ما يمكن أن توصف به أنها مهمة مستقبلا. تساؤلات يجب على القائمين على المؤسسات السياسية والدينية والتعليمية أن ينتبهوا لها!
إننى أعتقد- انطلاقا من قراءة تاريخ دول المنطقة منذ ظهور الإسلام حتى قراءة التجارب المعاصرة- أن طريق مصر الآمن الوحيد هو أن تطوى صفحة ممارسة السياسية تحت راية دينية! نعم فصل السياسة عن الدين فصلا تاما قاطعا، على أن يتزامن ذلك إعادة فتح ملف الجمعيات الدينية السلفية!
لن يصل المصريون إلى هذه القناعة بسهولة، لأن هذه الغاية لا بد أن يسبقها عمل عقلى طويل جاد. إننى أعتقد أن فكرة المنع بقرارات فوقية مهمة حين يتوجب ذلك، لكن الأهم أن تصل بأى شعب إلى اليقين العقلى الذى يمكنه من الاختيار الصحيح! هذه هى الغاية التى يجب أن نضعها نصب أعيننا لنخرج بمصر من احتمالية الوقوع مستقبلا فى هذا الجب السحيق!
(7)
بقيت نقطة أخيرة، أو مشهد قديم قفز فجأة إلى رأسى وأنا أستمع لشهادة الرجل.. الأيام الأخيرة قبل فض الاعتصام- طبقا لشهادة الرجل- شهدت محاولات مكثفة من أطياف مختلفة لحقن الدماء. ومن المنطقى أن قيادات المؤسسات السياسية والدينية المختلفة كانت على علمٍ تام بما يجرى، وأنها كانت فاعلة أو على أقل تقدير حاضرة وشاهدة على مواقف الجماعة الإرهابية ومواقف المؤسسة العسكرية. لذلك فلم تفاجأ تلك القيادات مثلا بفض الاعتصام لأنها كانت تملك الحق بحكم وجودها فى تلك الدائرة الضيقة العليا فى معرفة كل شىء وفى القدرة على الفعل!
لذلك فإننى الآن وبناء على ما ذكره الرجل أتعجب كثيرا جدا من موقف أحد القيادات الدينية بعد فض الاعتصام مباشرة، حيث اتخذت تلك القيادة موقفا أوحى للعوام مثلنا وكأنها قد فوجئت بالمشهد مثلا أو كأنه كانت هناك فرص متاحة لحقن الدماء أهدرتها الدولة المصرية قبل أن تتيح لها الوقت الكافى لمحاولة حقن الدماء!