"غواية الملوك".. سباقات الحمام الزاجل: تدريبات لياقة وتقوية عضلات.. والذكى بيرجع لـ«غيته»
عشق يصل حد الإدمان، يربط عددًا كبيرًا من مربى الحمام الزاجل، الذين يستنزفون كثيرًا من أوقاتهم ويقطعون آلاف الأميال من أجل هذه الهواية، ويكفيهم فقط سماع هديل الحمام لترقص قلوبهم فرحًا، وينزاح عنهم ما يعكر صفو يومهم.
تربية الحمام الزاجل من الهوايات القديمة، يعشقها آلاف فى مصر، ورغم ذلك لا يعرف كثيرون أنها ليست مجرد هواية يقضى من خلالها المحبون أوقات فراغهم، بل هى رياضة لها هيئة شبابية تتبع وزارة الشباب والرياضة، واتحاد تحت مسمى «الاتحاد المصرى للحمام الزاجل»، وتنظم من خلالهما سباقات ومنافسات بين المربين فى أنحاء الجمهورية كلها.
٥٠ عامًا كاملة قضاها عاطف جعفر فى تربية الحمام الزاجل، حتى أصبح رئيسًا لتجمع سباقات قبلى وفرع القناطر الخيرية لسباقات الحمام الزاجل، ولا يزال رغم هذه العقود الخمسة يجد نفسه وسعادته فى قضاء وقته بجانب «غيته»، التى تعد الأقدم فى القليوبية، ويتجمع حولها بشكل يومى أصدقاؤه وتلاميذه المشاركون له فى الهواية ذاتها، لينهلوا من خبرته، ويستمعوا لحكمته، ويستفيدوا من تاريخه الطويل فى هذا المجال.
ومنذ أن ورث تلك الهواية عن والده فى سبعينيات القرن الماضى، أوقعته فى شِباك إدمانها، واستهوته سباقاتها الفريدة، التى تطورت خلال السنوات الماضية على أيدى كبار المربين والمحبين، حتى أصبحت رياضة لها اتحاد وتنظمها قوانين ولوائح، ليحصد على مدار نصف قرن كامل العديد من الجوائز فى هذه السباقات، ويتمتع بالعديد من الخبرات الحياتية بفضل ذلك، مثل الصبر والإصرار والشجاعة والإقدام.
وكشف «جعفر» لـ«الدستور» عن مراحل تجهيز الحمام لدخول المنافسات والسباقات قائلًا: «الأمر يبدأ باختيار السلالة الجيدة، ويتم هذا من بداية التناسل بين الحمام، من خلال اختيار الأزواج ذات الصفات القوية، ثم نعمل على تحصينها من الأمراض والعدوى، وتخضع لنظام تربية صارم من تغذية وعناية بيطرية حتى يشتد عودها».
وأضاف: «ندرب فرد الحمام ونعمل على رفع لياقته، حتى يكون جاهزًا للسباق، فهو يشبه اللاعب الذى يتلقى تأهيلًا بدنيًا ويحتاج لتقوية عضلاته من خلال تدريبات متواصلة».
وواصل: «البرنامج التدريبى يتم وفقًا لمستويات مختلفة، عبر الانتقال من المستوى الصعب إلى الأصعب، حتى تظهر لنا قوة ولياقة وذكاء الحمامة، وتتحدد مدى استجابتها للتدريبات، وبناء عليه نتخذ قرار مشاركتها فى السباق أم استبعادها لحين جاهزيتها».
وأكمل: «بعد أن يتم الاستقرار على الحمام الصالح للمنافسة نضعه فى أقفاص، وننقله إلى محطات الإطلاق، التى يتجمع فيها المربون المشاركون فى المنافسة، وفى لحظه واحدة تُفتح تلك الأقفاص، ويتم إطلاق سراح الحمام، ليعود إلى منزله، ويتم حساب الوقت الذى قطعه الحمام والمسافة، لنصل إلى الإحداثيات التى تحدد ترتيب الفائزين».
وكشف حسام خليفة، أمين صندوق فرع القناطر الخيرية وأحد مربى الحمام الزاجل، عن تفاصيل تنظيم السباقات، التى تتضمن وجود مجموعة من محطات الإطلاق، تبعد كل منها عن الأخرى بمسافة محددة.
وأوضح «خليفة» «على سبيل المثال يتم تحديد نقطة كمحطة للانطلاق على بعد ٥٠ كم، ثم يتم تحديد محطة أخرى فى يوم جديد لمسافة أبعد، حتى إن أبعد المحطات كانت فى منطقة أبوسمبل فى محافظة أسوان، أى أن الحمام سيقطع أكثر من ١٠٠٠ كم جوًا فى السباق». وأضاف: «ما يميز الحمام الزاجل هو الذكاء والذاكرة القوية، وإمكانية تحديد الاتجاهات مهما بعدت المسافات، لذا يُطلق الحمام من هذه المسافة البعيدة ويعود فى اليوم ذاته إلى غيته التى تربى بها»، متابعًا بقوله: «نشعر بسعادة غامرة بالتأكيد حال فوز الحمام الذى نشارك به، ويتم تنظيم احتفالات وتوزيع جوائز للفائزين بالمراكز الأولى».
وواصل: «كما أن هناك حمامًا يتميز بالذكاء والسرعة واللياقة، هناك حمام عكس تلك الصفات، وليس بالضرورة أن يعود إلى غيته مرة أخرى، فهناك من يضل الطريق ولا يعود، لكنه يمثل استثناء للقاعدة، ولا نحزن لعدم عودته لنا من جديد، بل على العكس نكون سعداء لعدم عودته، لأننا نسعى لأن يكون ما بحوزتنا من الحمام الزاجل هو الأقوى والأذكى، وينتمى إلى سلالة جيدة قوية، لينتج لنا عناصر تحمل تلك الجينات والصفات».