ياسين وبهية يوسف مراد منير: كنت خايف من نجيب سرور.. واحتجنا عامًا من التدريبات الشاقة
«الحياة إما مغامرة جريئة أو لا شىء»، كما تقول الأديبة الأمريكية هيلين كيلر، وهذه المقولة تنطبق بالتأكيد على تجربة المخرج الشاب يوسف مراد منير، واختياره عرض «ياسين وبهية»، من تأليف الشاعر والكاتب الكبير نجيب سرور، ليكون أول عروضه الاحترافية، حيث قدمه على «مسرح الشباب»، وحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.
وعن تلك المغامرة الشاقة، قال المخرج الشاب يوسف مراد منير، لـ«الدستور»، إن تقديم نص «ياسين وبهية» لم يكن أمرًا سهلًا، خاصة أن كتابات نجيب سرور كانت تحمل عمقًا وبُعدًا فلسفيًا يقدم فى إطار شعبى بسيط، موضحًا أنه اختار تناول النص بطريقة مغايرة، معتمدًا على تعدد الرواة على المسرح، مع تقديم الموسيقى الحية لا المسجلة، بهدف إحياء تفاعل الجمهور مع المسرح، وهو ما كان سببًا فى نجاح العرض عند الجمهور والنقاد على حد سواء.
■ بداية.. ألم تتخوف من تقديم عرض للمسرح الشعرى من تأليف كاتب كبير مثل نجيب سرور فى تجربتك الاحترافية الأولى؟
- من الطبيعى أن يتخوف أى مخرج من تقديم نص للكاتب المبدع نجيب سرور، خصوصًا أنه أبحر فى مناطق لم يبحر بها أى كاتب على مستوى الوطن العربى قبله، كما أنه مزج بين العامية واللغة العربية بشكل شعرى، وتوغل فى الموروثات والطقوس الشعبية، وهو ما يثير مخاوف أى مخرج يتصدى لنصوصه. ورغم ذلك، فإننا عندما نستوعب ونفهم نصوص هذا الكاتب الكبير فإن التجربة تصبح شيقة للغاية، لأن الجمهور متشوق لرؤية عروض مسرحية عميقة، وذات قيمة تمس وجدانه الشعبى، وتقدم الأصالة التى يفتقدها منذ سنوات.
■ سبق لعدد من المخرجين تناول نص «ياسين وبهية» فى أعمالهم.. فما المختلف الذى تقدمه فى عرضك؟
- حاولت فى تجربتى تقديم «ياسين وبهية» بشكل مختلف، ففى الإطار الرئيسى للنص هناك راوٍ واحد فقط، كما أن حوارات ياسين وبهية كانت بسيطة، بالإضافة إلى مونولوج الحلم، لكنى قدمت كل ذلك بشكل مختلف، فجعلت كل الممثلين يغنون ويروون. وقد استوحيت هذا الإطار من فكرة السامر وأصول المسرح الشعبى، والعربة المسرحية التى كانت تمر على الأحياء والقرى لتقدم التمثيل والغناء والروىّ، وهو ما شاهدته بنفسى فى عدد من الأحياء الشعبية قديمًا، فحاولت تقديم هذا التكنيك فى قالب موسيقى غنائى، يتمسك بالموروث الشعبى، وفى الوقت نفسه يقدم رؤية جديدة تتناسب مع عام ٢٠٢٣.
كما أن الكاتب نجيب سرور نفسه كان يصر على وجود «الجوقة»، وكان يرى أنها وسيلة أساسية للوصول للوجدان الشعبى، وتحقيق المسرح الحى الذى يتفاعل مع الجمهور، وهذا أيضًا ألهمنى لتقديم فكرة الرواة الذين يروون ويمثلون ويغنون فى العرض.
■ فى رأيك.. ما الخصوصية التى تتمتع بها أعمال نجيب سرور والتى دفعتك لتقديمها؟
- خصوصية نصوص نجيب سرور تكمن فى أنها شعبية وأصيلة، وبها خلطة سرية تجمع بين العمق والبساطة الشديدة، ما يجعل هذه النصوص تصل للجماهير المثقفة والنخب، وكذلك الجمهور العام البسيط. وفى رأيى الشخصى، فإن خصوصية نجيب سرور تكمن فى أن نصوصه لا تزال حية كما كانت فى الستينيات، وما زالت حيويتها تلقى رواجًا كبيرًا فى عام ٢٠٢٣، ومن هنا تأتى صعوبة تقديمها، لأن المخرج الذى يتصدى لهذه النصوص يجب أن يكون على قدر كبير من الوعى، حتى يجارى ويحاكى تلك النصوص التى تقدم الموضوعات المهمة والفلسفية والعميقة فى قالب شعبى بسيط.
■ لماذا فضلت تقديم موسيقى حية فى العرض بدلًا من تسجيلها رغم ارتفاع تكلفة ذلك؟
- فى رأيى، الموسيقى المسجلة تأثيرها نسبى وجزئى، بينما الموسيقى الحية تأثيرها أكبر وتحقق التفاعل، وهى فى هذا تلائم المسرح، لأنه التجربة الفنية الوحيدة الحية، خلافًا للسينما والتليفزيون والمنصات، ولهذا لا يزال صامدًا منذ عهد الفراعنة وحتى الآن.
ولذلك، فإن الموسيقى المسجلة مهما أحدثت من تفاعل فإنها لا تقارن بالعملية المسرحية، التى هى عملية تفاعلية حية بين المبدعين والجمهور.
وأحمد الله أن وجود الفرقة الموسيقية وتفاعل الجمهور معها بالغناء الجماعى من الصالة كان أحد أسباب نجاح العرض، والجهد الذى بذلناه وتحملته الفرقة الموسيقية كل ليلة من ليالى العرض، هو شىء يستحقه المسرح المصرى وجمهوره، ويأتى فى إطار محاولاتى أنا وزملائى من الشباب فى إعادة المسرح الحى الشعبى وغير الشعبى، وإعادة الجمهور إليه لمشاهدته طوال أيام الأسبوع.
■ كم من الوقت احتجتم للتدريب من أجل الوصول لمستوى الإتقان الذى شاهده الجمهور فى التمثيل والغناء والحركة؟
- احتجنا إلى عام كامل من التدريبات الشاقة لإتقان التمثيل والغناء والحركة وأداء مشاهد الحرائق وغيرها، وكان هذا مجهودًا مضنيًا، خاصة أنى كنت أرغب فى أن يكون كل فريق العمل أبطالًا، كل فى الدور الذى يلعبه، وهذا فى رأيى جعل العرض ينال إعجاب الجمهور، ويحقق هذا الرواج الكبير.
والحقيقة أننى فخور بنفسى وبالشباب الذين عملت معهم، لأنهم بذلوا قصارى جهدهم، فى ظل ميزانية محدودة، لكنهم عملوا من أجل النجاح وحتى يتركوا أثرًا فى مشوارهم.
■ أخيرًا.. ولدت لعائلة فنية كبيرة.. فكيف أثر ذلك فى نشأتك وتكوينك الإبداعى؟
- وهبنى الله أبًا وأمًا فنانين ومبدعين، وهما المخرج مراد منير والفنانة فايزة كمال، فقد عاشا يقدمان فنًا هادفًا وراقيًا، وكنت محظوظًا برؤية أعمالهما، وأتذكر عندما كنت طفلًا أنى كنت أحضر عرض «الملك هو الملك»، وأستمع للموسيقى الحية، وأرى تنفيذ الطقوس الشعبية على المسرح، وكذلك الأمر فى عرض «منين أجيب ناس».
وأظن أن هذا هو ما شكل وجدانى كمخرج، لأنى تأثرت تأثرًا كبيرًا بذلك، وبمعنى أدق أصبحت منغمسًا وعاشقًا منذ طفولتى لهذا الفن، وعندما أصبحت مخرجًا أردت أن أقدم هذا الفن للجمهور، لعل هناك من يتأثر بى ممن يشاهدون العرض فيصبحوا فى المستقبل مخرجين ومبدعين.