لماذا يلجأ المصريون إلى تحليل جيناتهم؟.. "الدستور" تخوض رحلة مع تجارب الـDNA (تفاعلي)
الشعر المجعد والبشرة السوداء والرأس بين الطويلة والعريضة والفك البارز وعظام الخدين غير بارزة والأنف شديد العرض والعين واسعة والأسنان كبيرة، كلها صفات درسنا عنها أنه تختص بزنوج إفريقيا، وهي متشابهة كثيرًا مع ما ظهرت به الملكة المصرية كليوباترا في الوثائقي الذي أنتجته شركة نتفيلكس، الأمر الذي يتنافى تمامًا مع ملامح وسمات الملكة الحقيقية التي ظهرت على جداريات المصريين القدماء وفي كتب التاريخ التي كتبها المؤرخون، ما أثار جدلًا كبيرًا لم تنتهِ آثاره حتى اليوم، فما زالت حركة الأفروسنتريك أو "الحركة المركزية الإفريقية" تتبنى حملة نبذ الحضارة المصرية القديمة وأن المصريين هم مغتصبي الأرض.
وردت وزارة السياحة والآثار المصرية على هذا الوصف الذي وضعه صناع الفيلم في الملكة كليوباترا، فقال بيانهم الصادر في 27 أبريل الماضي: “هناك العديد من الآثار الخاصة بالملكة كليوباترا من تماثيل وتصوير على العملات المعدنية التي تؤكد الشكل والملامح الحقيقية لها، والتي جميعها تظهر الملامح الهلينستية ( اليونانية) للملكة كليوباترا من حيث البشرة فاتحة اللون والأنف المسحوب والشفاه الرقيقة".
ما هي حركة “الأفروسنتريك”؟
وللتعرف على تلك الحركة، قمنا بتلخيص أبرز النقاط عنهم في الفيديوجراف التالي:
في الآونة الأخيرة، ظهر مجموعة من المصريين الذين قرروا تحليل جيناتهم للوصول إلى أصولهم، ونسبة مصريتهم، وأن هذا النوع من التحاليل هي مهمة مجموعة من الشركات العالمية المتخصصة، ولكن ما الذي يدفع الناس للبحث عن جيناتهم خاصة إذا لم تكن لأغراض طبية؟.
بعد البحث، وجدنا أن هذا الاتجاه تبناه مجموعة من الشباب حرصا منهم على الدفاع عن بلدهم وتاريخ مصر العريق، والبداية كانت عام 2016م، حيث قام مؤسس تلك المجموعة المهندس محمد عبدالهادي، التي تم تسميتها "جينوم الشرق الأوسط" على "فيسبوك"، بنشر الوعي التاريخي بين المصريين، الذين قد يجهل منهم البعض تاريخه، فيكون عُرضة لأي حملات مضادة للبلد، ثم أخذت منحنى آخر في الشهرين الماضيين، حيث تم فتح باب التطوع أمام المصريين لإجراء تحليل يصلون من خلاله إلى أصولهم القديمة، وإرسال تلك النتائج إلى "عبدالهادي" وفريقه لمقارنتها مع النتائج المنشورة بالفعل عن المومياوات المصرية، ومن خلال ذلك توصلوا إلى أن 80% تقريبًا من المصريين يرجع أصولهم أو العصب إلى المصريين القدماء.
في السطور التالية تحدثنا مع اثنين من أعضاء الفريق البحثي، كما كان لنا حديث مع عدد من المتطوعين في تلك التجربة، التي من خلالها أثبتوا بالدليل القاطع أن الحضارة المصرية ليس لها علاقة بالأفروسنتريك، وقد تكون صفعة قوية لكل من يحاول سرقة الحضارة المصرية ونسبها لنفسه.
مؤسس مبادرة "إيجي أورجين": الباب مفتوح أمام الجميع لتأكيد سلالتهم المصرية
البداية كانت مع المهندس محمد عبدالهادي، الباحث في علم الوراثة والتاريخ، ومؤسس مبادرة "إيجي أورجين"، قال إن هناك شركات كثيرة تقوم بعمل هذه التحاليل لكنها غير مصرية، وأنه وفريقه يفتحون باب التطوع أمام أي مصري لكن على حساب الفاحص الشخصي بعد التواصل مع الفريق، حيث يتم إرسال "كيت" -التي ترسل عليها عينة من لُعاب الفم بواسطة فرشاة- لفحص العينة في المعمل، ومن خلال شركات التوصيل محليًا وعالميًا، يتم إيصال العينة إلى المعامل المختصة ثم يتم مقارنة نتائجها التي تم فحصها بالأجهزة الوراثية مع الصفات والنتائج المنشورة مع البيانات الموجودة عن المومياوات بالفعل ومدى التشابه أو الاختلاف معهم والتي تستغرق ساعة تقريبًا، لكن تحليل تلك الشركات للعينات نفسها قد تستغرق أكثر من شهر.
وأكد "عبدالهادي"، خلال حديثه مع "الدستور"، أنه ظهرت نتائج أغلب العينات معه إلى 80% أصول مصرية على مستوى الاستمرارية الجينية، مشيرًا إلى أن عدد المتطوعين وصل إلى 35 متطوعا على مستوى الجمهورية بشكل عشوائي خلال أيام قليلة من المبادرة، مستهدفًا الوصول إلى 500 عينة، متحدثًا عن أنه قام بإنشاء المجموعة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" منذ عام 2016م كمبادرة للدفاع عن تاريخنا، حبًا في مصر وللدفاع عنها، وهو ما اشترك فيه باقي فريقه، وذلك بعرض تاريخنا الفرعوني القديم.
ويسعى الفريق لتطوير ذلك إلى قناة على "اليوتيوب"، وهي محاولة للتأكيد على أن المصريين لم ينقرضوا، وأنه رغم توالي الحكام غير المصريين على مصر إلا أن ذلك لم يمحِ وجود السلالة المصرية في جينات المصريين المعاصرين، وذلك لأننا نرى عدم وجود وعي كافِ لدى الشعب المصري بأصوله والذي جعلنا لقمة سائغة لدى جماعات مثل الأفروسنتريك.
ويرى أن نشر مثل تلك النتائج تجعل الأشخاص لديهم انتماء أكبر لبلدهم وارتباطًا وثيقًا بتاريخه، وأن مجموعته أخذت الطابع الجيني أو العملي أكثر خلال الشهرين الماضيين، موضحًا أن متوسط نسب الأصول المصرية لدى الـ35 متطوع كان يتراوح بين 70% و80%، وكان هناك عينات من سوهاج مسلمين قد تصل نسبة أصولهم المصرية إلى 95%، وعينات أخرى من كفر الشيخ قد تتعدى الـ90%، مشيرًا إلى أن النسب المتبقية كانت أغلبها أفريقية ظهرت خلال العصر المملوكي الذي قام فيه أجدادنا بالاختلاط ببعض الجواري من سُمر البشرة، ومن هنا دخلت جينات سمراء وسط المصريين قد تصل من 10 لـ15% من أصل نسبة الـ80%، وأن أصل البشرة المصرية هو القمحي، مع وجود كافة الألوان قديمًا، ووجود اختلاط متفاوت مع العرب والأتراك والقوقازيين.
وأوضح أن هناك نوعين من الفحص تتم في هذه التجربة، فحص مجمل الأصول المصرية للمصريين، وهو ما نقوم من خلاله بمعرفة نسبة مصرية هذا الشخص، والفحص الآخر هو فحص العصب -السلالة الذكرية- وهو ما نستخدمه بشكل أكبر في فحص المسلمين والمسيحين.
خبير جيني: ليس سهلًا العبث في الجينات وتزوير نتائجها
انتقلنا في الحديث بعدها إلى الدكتور محمد إبراهيم الوكيل، خبير جيني، ولديه خبرة بقراءة نتائج الفحوصات الجينية وبالأخص حاسبات G25، والذي حدثنا عن الفريق الذي تعاون في كشف نتائج المتطوعين ونسبة أصولهم إلى المصريين القدماء، أيضًا عن إمكانية التلاعب في تلك العينات لإثبات نتائج داعمة لاتجاهات مضادة للدولة الأصلية مثل ما حدث بين الأفروسنتريك والحضارة والمصرية، وذلك من خلال الاستماع إلى حديثه من الرابط التالي:
مارتينو: نشر نتيجتي شجعت آخرين
قصتنا انتقلت بعد ذلك للحديث مع المتطوعين في هذه المبادرة، بدأنا مع مارتينو خليل، 22 عامًا، يدرس الهندسة في السنة الثانية بإحدى الجامعات الكندية، أصوله من محافظة الفيوم، يقطن في تورنتو بكندا، وانضم لهذه التجربة لاهتمامه بالتاريخ والثقافات والجينات، وعندما ظهرت النتيجة نشرها في المجموعة الخاصة بالمبادرة (جينوم الشرق الأوسط)، وشارك ملفه مع فريق المبادرة ممثلًا عن محافظة الفيوم، والتي كانت عبارة عن 92% أصول مصرية وباقي النسبة موزعة ما بين أهل المغرب وما بين أصول أفريقية من جنوب الصحراء، وهي مدخلات مصرية على مر العصور، مؤكدًا أنه بعد نشر نتيجته شجعت آخرين على السير على دربه وسؤاله عن كيفية إجراء تلك التحاليل.
عمر: أردت إثبات أني صاحب الأرض لا محتل
وتابع الحديث عنه عمر عبدالوهاب، 30 عامًا، مهندس ميكانيكا، أصوله من محافظة أسيوط، يقطن في دولة فرنسا، قال إن ما شجعه على خطوة التطوع هو وجود مجموعة من الأشخاص يعملون معه كانوا يشجعون ما يروجون لفكرة جماعات الأفروسنتريك، بأن الحضارة المصرية أصلها أفريقي، واعتبروه شخص محتل ومعتدي على الأرض، فأصابته الغيرة على بلده لحبه فيها، وبدأ بحث مضني في التاريخ المصري للتأكيد على عراقته، ومن هنا سمع عن المبادرة وتشجع على إجراء التحليل لتأكيد أصوله، كما شجع آخرين على اتخاذ نفس الخطوة، للرد على أي ادعاءات تتطال المصريين.
وأوضح "عبدالوهاب"، في حديثه مع "الدستور"، أنه أجرى التحليل في البداية مع شركة غير معروفة، لكن بعد ظهور النتيجة كان لا بد له أن يعيد التحليل مع شركة أكثر تخصصًا للحصول على نتائج دقيقة: "الموضوع بسيط جدًا بنطلب التحليل من على سايت الشركة بيجيلنا بالبريد، بنعمل العينة ونبعتها بالبريد تاني"، وكانت النتيجة عبارة عن 82% أصول مصرية وأصول أفريقية متبقية بالكامل.
تحاليل "محمد" و"مارينا".. يحيا الهلال مع الصليب
وعدنا للحديث مع المهندس محمد عبدالهادي، مؤسس المبادرة، الذي أكد لنا المتطوعين الذين سيتحدثان في السطور القادمة، هما الدكتور محمد محسن من محافظة سوهاج له أصول عربية، وبعد فحص السلالة الأبوية وجد أنه ابن عم -لكن من بعيد- للفتاة المصرية مارينا شريف، التي أجرت فحص سلالة أبوية أيضًا من محافظة أسيوط، موضحًا: "احنا فحصناهم يدويًا على حسابهم الشخصي، وكانوا على سلالة واحدة اسمها E-M78 سلالة تم تسجيلها في الصعيد المصري بنسبة تصل 74% في إحدى الدراسات، السلالة دلالة على وحدة الأصول بين صعيدي مسلم وصعيدية مسيحية.
محمد: أغلب الادعاءات من تيارات إسلامية ويسارية
وهنا كان لنا حديث مع كليهما، بدأنا مع الدكتور محمد محسن، 37 عامًا، أخصائي جراحة أنف وأذن وحنجرة، من قاطني محافظة سوهاج، الذي أكد أن مشاركته كانت بدافع الفضول، لأن أصول المصريين المعاصرين بالنسبة له كانت مسألة تشغل حيزًا من تفكيره لاهتمامه بالتاريخ، لذا لم تكن النتيجة مفاجئة له، لكن مع ادعاءات أشخاص في محيطه من تيارات معينة مفادها أن المصريين المعاصريين من أصول عربية أو خليط ما بين العربية والتركية وغيرها، ما أثار حفيظته.
وأراد "محسن" إثبات عكس نظريتهم، موضحًا أن هؤلاء الأشخاص لا يشجعون نظرية الأفروسنتريك، لكنهم تابعين لتيارات إسلامية أو يسارية، مُجزمًا أنها تيارات ضد كل ما يخص ماضي مصر القديم، مشيرًا أنهم كانوا على استعداد لإعادة حساباتهم خاصة بعد ظهور النتائج.
"لو كانت نتيجتي مختلفة فده مش معناه إني مصري، الأصول مش هتفرق في انتمائي لبلدي"، هكذا استطرد "محسن" في نبرة حماسية، مؤكدًا أن الهدف الحقيقي للقيام بتلك التحاليل عند الأغلبية هو الفضول أو تصحيح المفاهيم المغلوطة.
مارينا: الرد على الأفروسنتريك سيكون بالدلائل العلمية لا العنصرية
انتقل الحديث بعد ذلك إلى مارينا شريف، 22 عامًا، تدرس العلوم السياسية بجامعة المستقبل، أصولها من محافظة أسيوط، قالت إنها منذ الصغر مولعة بفكرة معرفة أصولها، وزاد الشغف كلما كبرت، فأولت اهتمامًا كبيرًا بعلم الأنثروبولوجيا والتاريخ وعلاقة الشعوب الحديثة بأسلافهم القدماء، وكان دخولها لمجموعة المبادرة (جينوم الشرق الأوسط) ليس صدفة إنما فضول أرادت إشباعه منذ زمن بعيد، لأنها تعرف أن الشرق الاوسط مُهمَل دائمًا، أيضًا وجدت محاولات لتهميش المصريين عن أصولهم سواء بإدعاءات أنهم عرب أو سود البشرة.
وأكدت "مارينا"، أن الشخص إذا أظهرت نتائجه أن ليس له أصول مصرية فهذا لا يعني أنه غير مصري، لأنه ولد وترعرع في مصر، بالتالي أصبح منتميًا لها، موضحة أن فكرة تبني النقاء العرقي غير صحيحة، بل إن تلك النتائج هي فقط رد ادعاءات غير علمية تفصلنا عن بلدنا وحضارتنا التي بناها أسلافنا، مشيرة إلى أن أهلها كانوا داعمين لها في فكرة عمل التحليل، وكان ردهم: "لو عملتيه هتلاقي إننا مصريين برضو"، لأن لها جد صعيدي من إحدى قرى منفلوط.
واختتمت حديثها معنا بـ: "إن التشابك مع الداعمين لنظرية الأفروسنترزم بالعنصرية ده مش هيحل حاجة، أما التشابك النقدي السليم بالدلائل العلمية هو ده الصح، لإن احنا ملناش مصلحة إننا نخسر علاقتنا مع أفريقيا وفي مصالح مشتركة بينا وبينهم، بالإضافة إن لو سرديتك في دفاعك عن تاريخك هتتعلق باللون فأنت كده معندكش مشكلة إن أتباع اليوروسنترزم (المركزية الأوروبية) يسرقوا تاريخك وينسبوه ليهم برضو، لكن احنا بندافع تحت أسس علمية ودلائل تاريخية سليمة بيحكمها كود أخلاقي".
بعد الحديث عن تلك المبادرة، وعن وجود شركات متخصصة في التحليل الجيني، فكان أول ما تبادر إلى ذهننا مجلس الجينوم المصري، الذي أطلقته الحكومة المصرية عام 2021م، وهو الأكبر علميًا في تاريخ مصر الحديث، يقوم على تأسيس قاعدة بيانات لمجموعة الجينات الموجودة في شعب ما أو أفراد جماعة عرقية معينة من خلال جمع تسلسل الحمض النووي بواسطة العلماء.
عضو الجينوم المصري: المعامل المصرية تجري التحاليل الچينية لأغراض طبية
وللحديث عن إمكانية ارتباط المبادرة بهذا المشروع القومي، تحدثنا مع الدكتور هشام علي صادق، الطبيب والعالم المصري أستاذ القلب والفيزياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية في جامعة جنوب غرب تكساس الأمريكية، وأحد أعضاء مجلس الجينوم المصري، قال إن هناك معامل في مصر تقوم بعمل تحاليل چينية لأغراض طبية، متحدثًا عن إمكانية فحص المصريين من خلال هذا المشروع لتأكيد انتمائهم للسلالة المصرية، وأن هذا الموضوع يتطلب فحص عدد كبير من العينات أولًا ثم يتم بعدها computational analysis للحصول على معلومات صحيحة عن چينوم المصريين، فأحد الأهداف الرئيسية لمشروع الچينات المصري هو الحصول على معلومات دقيقة عن الچينوم المرجعي المصريين، وهذا عن طريق تحليل آلاف العينات من المصريين من مختلف المناطق في مصر، وأيضًا تحليل چينات عدد من الموميات المصرية.
وانتقل للحديث عن الشركات غير المصرية التي تقوم بإجراء تلك الفحوصات بأن تلك الشركات عالمية وكثيرة منها شركة 23andMe، وهي الآن لديها معلومات عن بصمة چينوم المصريين، ولكن من الصعب التأكد من مقدار صحة هذه المعلومات، وأنه مع مرور الوقت والحصول على معلومات أكثر عن البصمة الچينية لمختلف الشعوب من المؤكد أن دقة هذه التحاليل سوف تزيد.
حديث عضو الجينوم المصري عن وجود شركات متخصصة في تلك الفحوصات الدقيقة جعلتنا نقوم بالبحث عنها، ومن خلال استخدام أداة "فلوريش" نوضح لك بعضها: