بعد التهديدات روسية.. هل تستمر الحرب الأوكرانية لعقود؟ (سيناريوهات)
أعلن الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، الجمعة، بأن الحرب في أوكرانيا قد تستمر لعشرات السنين، وتشهد فترات طويلة من القتال تتخللها هدنات.
وقال “ميدفيديف” خلال زيارة لفيتنام: "هذا الصراع سيستمر لفترة طويلة جدا، على الأرجح لعقود".
ونرصد من خلال التقرير التالي سيناريوهات الفترة المقبلة عقب تصريحات ميدفيديف وهل ستستمر الحرب الأوكرانية لعقود.
في هذا السياق، قالت نرمين سعيد كامل، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، إن تصريحات ميدفيديف يفهم في سياقين، السياق الأول أن “ميدفيدف” وهو الرجل المعروف بالتصريحات الحادة التي يدلي بيها بين الحين والآخر ربما عاد لتوظيف حدة القول مرة أخرى وربما يخرج الكرملين ليفسر تصريحه بمعنى آخر لاحقًا، أو أنه قد تعمد فعل ذلك كنوع من الدعاية التي تثير قدر كبير من الإحباط ليس فقط لأوكرانيا وإنما لحفائها الغربيين الذين لن يكونوا قادرين على استمرار دعم كييف بالسلاح كما أنه يشير من ناحية أخرى إلا أن روسيا لا تكترث لاستمرار الحرب وأنها ربما تعتمد على حلفاء هي الأخرى للحصول على دعم لوجستي..
وأضافت “كامل” في تصريحات خاصة للـ"الدستور"، أنه في السياق الآخر التاريخي لا يفهم تصريح ميدفيدف على أنه نوع من المبالغة فعلى مدار التاريخ هناك العديد من الحروب التي استمرت ليس فقط لعشرات الأعوام ولكن لمئات الأعوام وخصوصًا في أوروبا والأمثلة أكثر من أن يتم ذكرها والخبرة تؤشر على أن الحرب إن لم تنتهي في وقت قصير فإن السيناريو الأرجح لها هو أن تمتد وتشتد.
وتابعت: "لكن من منظور اقتصادي فإن العالم يجب أن تكون لديه أوراق ضاغطة لفرض وقف لإطلاق النار والتفاوض بدلًا من إطالة أمد الحرب وتوريد السلاح لأوكرانيا لأنه في نهاية المطاف فإنه لا يوجد دولة قادرة على النأي باقتصادها عما أحدثته الحرب في العالم والضرر قد طال الجميع ولازالت الفاتورة الاقتصادية للحرب مستمرة".
الصباغ: لا يوجد أمام روسيا إلا إطلاق التهديدات كوسيلة للضغط على الرأي العام العالمي
من جانبه، قال الدكتور أشرف الصباغ، الباحث الأكاديمي في الشأن الروسي، في الحقيقة، لا يوجد أمام روسيا إلا إطلاق التهديدات كوسيلة للضغط على الرأي العام العالمي، وإشاعة الإحساس بعدم الاستقرار، ولإقناع الرأي العام الداخلي بقوة الكرملين من جهة، وبأنه ضحية من جهة أخرى.
وتابع “الصباغ” في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، كانت موسكو منذ البداية تتصور أن الأمر سيمر كما مرت أحداث جورجيا عام 2008، وكما مرت أحداث ضم القرم عام 2014 وكان الكرملين يعتقد أيضا أنه في أسوأ الأحوال، ستحدث فوضى عالمية أمام البروباجندا التي أشاعتها موسكو حول ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية والتهديد بالنووي وفناء العالم ولكن لم يحدث أي شيء، ولم ينهار الغرب، ولم تحدث فيه ثورات، ولم تتمكن هي الأخرى من الاستيلاء على أوكرانيا لا بالكامل ولا حتى بإمكانية السيطرة على المناطق التي ضمتها".
وأشار “الصباغ” إلي أن موسكو كانت تعتقد أنها بكل هذه الضغوط والأوراق التي هي في معظمها عبارة عن بروباجندا سوفيتية قديمة، سوف تصل إلى مقاربة شبيهة بمقاربة أزمة الكاريبي، وسينتهي الأمر ولكن هذا لم يحدث.
وأضاف أن الحرب الأوكرانية مستمرة للعام الثاني على التوالي، وسوف تستمر لعدة أعوام أخرى بأشكال وموجات مختلفة، من الحرب النظامية إلى حرب العصابات والعمليات التخريبية والانتقامية من الجانبين وستترافق مع هذه الحرب على مدى السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة نفس البروباجندا “الروسية- السوفيتية القديمة" حول السلام العالمي، وحرص روسيا على الديمقراطية العالمية وتعددالأقطاب وكل تلك السرديات الروسية.
وأشار إلي أن الحرب سوف تستمر طالما هناك مناطق أوكرانية تحت السيطرة الروسية، وطالما لم تعترف لا أوكرانيا ولا الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي بروسية المناطق الأوكرانية التي ضمتها موسكو وحتى الآن لا توجد أي صيغ أو مقاربات للتصرف مع هذه المناطق وتحديد صفتها القانونية ومن المستبعد أن يضغط الغرب على أوكرانيا للتنازل عن أراضيها، مهما تحدثت التقارير والتحليلات، ومهما قال المحللون والمنظرون.
وتابع الصباغ: "وبالتالي، فالحرب الأوكرانية ستستمر، بل وستتسع داخل أوكرانيا وفي المدن والمقاطعات الروسية الحدودية وستتزايد تهديدات موسكو النووية، وإشاعة الفوضى وإثارة المخاوف والتهديدات المتواصلة بأزمات في الطاقة وفي المواد الغذائية، ولكنها ستكون عند حدود البروباجندا، لأن الواقع أثبت فشل هذه البروباجندا طوال العامين الأخيرين، ولا يوجد طرف ينفخ في هذه الحملات الإعلامية الفاشلة إلا روسيا ووسائل الإعلام التابعة لها في الداخل أو الخارج، أو وسائل الإعلام التي تعتاش على مثل هذه الهراءاتوالتهديدات.
وأكد الصباغ أن الغرب مستمر في سياساته الاقتصادية والمالية والتقنية والقانونية ضد نخبة الكرملين وإذا كانت الأحداث بدأت بالأعمال القتالية الروسية في أوكرانيا، فبعد مرور عام ونصف من الحرب والأزمات والتهديدات وإهدار الموارد المالية والعسكرية، أصبحت الأزمة الأوكرانية جزءا من أزمة أكبر بين الغرب وروسيا، وهذه الأزمة الأوسع تأخذ حاليا شكل عمليات عسكرية روسية في أوكرانيا، وعقوبات وحصار من الغرب على روسيا، وما يستجد من إجراءات وربما يعتمد الغرب في طول نفسه هذا على انتهاء حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل شخصي، سواء من تلقاء نفسه بوفاة بوتين أو برحيله طواعية أو بفعل فاعل من داخل المنظومة الروسية ولكن هذا الاحتمال بعيد نسبيا على الأقل خلال السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة.
وتابع:"في الواقع لا يوجد حاليا بديل لبوتين سوى أشخاص من نوعية مؤسس شركة فاجنر العسكرية يفجيني بريجوجين، يريدون نشر نفوذ روسيا عن طريق الحرب والتخريب واستخدام حيلة المؤامرات والأعداء الخارجيين والغرب المعادي، أو أشخاص من نوعية نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف الذي يطلق تصريحات نووية نارية باستمرار وكأنه على يسار الكرملين، لافتا إلي أن عرش الكرملين أوسع وأكبر بكثير من حجم “بريجوجين” الذي لا يصلح إلا لقيادة شركة عسكرية لا أكثر بينما تصريحات ميدفيديف وتنظيراته عن زوال أوكرانيا لم يختبرها الواقع بعد.
وأوضح الصباغ أن المسألة الآن تتمحور حول وجود الرئيس بوتين شخصيا وهذا الكلام لا يعني انخراط الغرب في حرب مباشرة مع روسيا من أجل تدميرها أو تركيعها، أو أنه سيتفق مع الكرملين بتقسيم أوكرانيا وإنهاء الأزمة ولا يعني أيضا أن الغرب يريد انهيار روسيا وتقسيمها، لأن هذا آخر ما يمكن أن يفكر فيه الغرب أو يوظف موارده من أجله وحتى إذا أرادت روسيا أن توقف الحرب عند حدود شرق وجنوب أوكرانيا، فإن ذلك لن ينجح ولن يمر، لأن الحرب اتسعت بالفعل، ويجري الإعداد لاستمرارها لسنوات طويلة مقبلة، وحتى إذا تحولت الحرب إلى نزاع مجمد، فإن تداعياتها ستتواصل بنفس الوتيرة المرعبة التي نراها في الوقت الراهن، وسوف يتحدد مصير روسيا خلال السنوات الخمس المقبلة بدون أي مواجهة مباشرة بين الكرملين والغرب والمسألة تتمحور مرة أخرى حول شخص بوتين نفسه، لأنه هو الشخص الوحيد الذي يقرر كل شئ في روسيا.