"أحبه وحزن على وفاته".. حكاية طه حسين مع الشيخ علي الرزاز
في كتاب "طه الذي رأى" للكاتب اللواء حمدى البطران، كشف تفاصيل حياة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وهو في فترة تلقى تعليمه بجامعة الأزهر.
كيف كان يذهب طه حسين إلى الجامع الأزهر؟
وقال البطران: كانت خطوات طه حسين حائرةً مضطربة في طريقه إلى تلقى العلوم الشرعية في الجامع الأزهر، كان يمشي ببطء وهو حائر، يخشى أن يتعثر أو يصطدم بعائق، وكان يقارن بين مشيته ومشية أخيه الواسعة والعنيفة في طريقه من بيته إلى الأزهر، كما كان في هذا التوقيت أيضًا مشردًا مضطربًا كلّه حيرة، فقد كان مشغولًا بمـا حولـه، يحاول استكشاف الأشياء، وسماع تفسير للأصوات التي يسمعها.
صوتان يفزع منهما طه حسين
وبحسب ما رصده طه حسين، كان أثناء وجوده بالغرفة، يفزع من صوتين، أصاباه بالحيرة، وكان يشعر بالخوف من هذين الصوتين عندما يسمعهما وفكّر كثيرًا فيهم أوالبحث عن مصدرهما، ولكنه لم يظفر من بحثه بطائل.
فكان الصوت الأوّل صوتُ عصا غليظة، أو نبوتٍ كبير يضرب الأرض، والآخر صوتٌ غليظ لرجل متهدج مضطرب يصيح: هلم يا هؤلاء أفيقوا إلى متى تنامون! أعوذ بالله من الكفر والضلال، كان هذا هو صوت الحاج علي الرزاز، الذي كان يتولى عملية إيقاظ الطلاب قبيل الفجر، للصلاة وحضور دروس الفجر، من أجل ذلك كان الطلاب يتجاهلون الرجل ليلةَ الجمعة.
مواصفات الشيخ على الرزاز
كان علي الرزاز، شيخًا تقدمت به السن أوشك السبعين، ولكنه كان محتفظًا بقوّته وبقوّة عقله وتفكيره، كان ماكرًا، ماهرًا، ظريفًا، حسن الكلام، معتدل القامة، شديد النشاط، عنيفًا إذا تحرك، وعنيفًا إذا تكلم، طويل اللسان، عاليَ الصوت دائمًا، وكان تاجرًا، يتاجرُ في الأرز، ولذلك سمي بالحاج علي الرزاز وعندما تقدمت به السن ابتعدعن التجارة، وكان قد اتخذ غرفة في الرَبع، ولم يكن يسكن في هذا الربع إلا الشيخ ورجلين من بلاد فارس.
فيما بعد، توطدتْ المودة بين الحاج علي الرزاز، وبين الطلاب فهو يعرف أن الطلاب لا يحبون العبث، ويقبلون على دروسهم، لذا لم يكن يقابلهم إلا في يوم الجمعة حيث يتولى تدبير الطعام لهم.
كان هذا الرجلُ، يتصنّع التقوى والورع، فإذا خلا إلى أصحابه فهو أسرع الناس خاطرًا، وأطولهم لسانًا، وأخفهم دعابةً، وأشدهم تشنيعًا بالناس وتشويهًالسمعتهم.
كما كان يلقي عليهم أطرف النكات، من أجل ذلك أحبّهُ الطلاب، ولكن طه حسين، كان يعترض على ذلك، ويرفض أن يسايرهم في التهافت والإقبال على العبث، وبخاصة يوم الجمعة حينما يعدّ الرجل لهم الطعام الذي كان يثير لعاب سكان الربع للطعام اللذيذ.
كيف استقبل الطلاب خبر وفاة الشيخ الرزاز؟
ذات يوم، وصل للطلاب نعي الشيخ علي الرزاز، فحزنت قلوبُهم ولم يبلغ الحزن عيونهم، ويذكر طه حسين أن الرجل في احتضاره كان يدعو له، في تلك الفترة كان طه حسين يقضي أحبَّ فترات حياته، وهو الوقت الذي كان يقضيه في جنبات الأزهر، وكانت تلك الفترة أحبُّ إليه من الوقت الذي يقضيه في غرفته التي كان يشعر فيها بالغربة.