الحوار الوطنى.. وحقوق الإنسان
نجح الحوار الوطنى حتى الآن فى أن يخلق حالة من الحراك المجتمعى بين جميع أطياف المجتمع المصرى وفئاته، سواء من الأحزاب السياسية أو الشخصيات العامة والنيابية، بل إن الأمر تعدى إلى رجل الشارع الذى كان يتساءل عن جدوى هذا الحوار وأهميته وما العائد الذى سوف يتحقق له من نتائجه.
كان الأسبوع الماضى حافلاً بالعديد من الجلسات والمناقشات على المحاور الثلاثة التى تضمنها الحوار وهى المحاور السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمناقشة 113 قضية مطروحة داخلها.. ولا بد هنا من الإشادة بالآلية والنظام والالتزام الذى تم فى إدارة الحوار به، على الرغم من مشاركة أعداد كبيرة من ممثلى الأحزاب والمتخصصين وممثلى الإعلام المحلى والأجنبى وقد لاحظت وجود العديد من رؤساء الأحزاب التى ليس لها تمثيل برلمانى ولكنها تشارك بقوة فى جلسات الحوار ومن بينها "تحالف الأحزاب المصرية" والذى يضم 42 حزباً جميعها يشاركون فى جلسات الحوار السياسى فى تناغم وتنسيق واضح، على الرغم من اختلاف وجهات نظر بعضهم عن البعض الآخر، إلا أن روح الاحترام والانضباط كانت واضحة بينهم، الأمر الذى كان مثار إعجاب وتقدير جميع الحضور وذلك من خلال التنسيق مع الأمين العام للتحالف النائب تيسير مطر وكيل لجنة الصناعة بمجلس الشيوخ.
وقد تشرفت بحضور جلسة "حقوق الإنسان والحريات العامة" والتى تأتى فى إطار المحور السياسى، حيث دارت المناقشات حول نبذ كافة أشكال التمييز والتى تنتشر داخل المجتمع المصرى بصور وأنماط متفاوتة، سواء بين الرجل والمرأة أو بين ذوى الاحتياجات الخاصة والإعاقة وأحياناً بين مختلفى الأديان واجتمع الحاضرون على ضرورة إنشاء مفوضية لمكافحة التمييز لما تمثله من أهمية لمكافحة وتجريم التمييز وضرورة قبول الآخر ورفض التعصب.
والواقع ان الدستور المصرى الصادر فى 2014 قد جاء فى مواده ما يفيد أن مناهضة التمييز استحقاق دستورى، كما أن جميع الأديان حثت على عدم التمييز ولكن ذلك يحتاج فى المقام الأول إلى الاهتمام بتوعية المواطن بما له من حقوق وما عليه من التزامات.
كانت الجلسة تضم بعض الأصوات التى طالبت بمنح بعض الحقوق للمثليين، وألا يكون الخطاب الدينى هو المسيطر على تلك القضية، وهو ما اعتبره البعض الآخر هدمًا للقيم والأخلاق التى تربينا عليها وللأسس التى تقوم عليها المجتمعات الوسطية السليمة.. كما تضمنت الجلسة أصواتاً أخرى معتدلة تطالب بالعديد من التوصيات المعتبرة والتى تتماشى مع ما جاء فى صياغة المادة رقم 53 من دستور 2014 والتى تنص على تجريم التمييز وإلزام الدولة بالقضاء على كافة أشكاله، حيث إن جميع المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعى أو الانتماء السياسى أو الجغرافى أو أى سبب آخر.
إن التمييز والحض على الكراهية بالفعل يمثل جريمة يعاقب عليها القانون وهنا فإن الدولة ملتزمة باتخاذ كافة التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز.. وهى فى هذا الإطار شريكة للمجتمع الدولى فى كافة الإتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التى رفضت التمييز وطالبت بضرورة مكافحته ومن بينها الإتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصرى والتى صدقت عليها مصر عام 1967 وكذلك ما جاء فى المادة رقم 2 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 والذى ينص على أنه لكل إنسان حق التمتع بكل الحقوق والحريات المذكورة فى هذا الإعلان دونما تمييز من أى نوع ولاسيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس.…إلخ.
وغيرها من الاتفاقيات الدولية الأخرى التى صدقت عليها الدولة المصرية والتزمت بها.. ولفت النائب محمد عبدالعزيز فى كلمته المعتبرة خلال جلسة الحوار إلى أنه على الرغم من صدور دستور 2014 منذ أكثر من 9 سنوات إلا أنه وحتى الآن لم يصدر قانون لتجريم التمييز وإنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض وأوضح أن هناك بعض التحديات التى تتعلق بالوعى العام وتأثير التيارات الدينية المتشددة على المجتمع وهو ما يستلزم العمل المشترك من أجل نشر الوعى وثقافة حقوق الإنسان ورفض التمييز.
وقد طرح سيادته فى نهاية مداخلته عددًا من التوصيات أحسب أنها تتوائم مع الاتجاه العام لجميع من شاركوا فى تلك الجلسة المهمة، حيث كان من أبرزها: تقديم مشروع قانون لمجلس النواب بإنشاء المفوضية الوطنية لمكافحة التمييز تنفيذاً للاستحقاق الدستورى الوارد فى 2014 على أن يتضمن هذا القانون المقترح نقاطاً محددة وهى تعريف التمييز وتجريمه وإنشاء المفوضية وتحديد آليات عملها وطريقة تشكيلها وضرورة أن يكون من مهامها نشر الوعى برفض التمييز وتلقى الشكاوى المعنية بهذا الأمر .. ضرورة عمل حملات توعية بمكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ العنف والكراهية والتأكيد على قيم التسامح وقبول الآخر وتعزيز حالة حقوق الإنسان...دعوة وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى بالتركيز فى المناهج المختلفة على أهمية رفض التمييز واحترام الآخر.. عمل المزيد من ورش العمل والجلسات النقاشية من خلال الأحزاب السياسية والجامعات والمنتديات المختلفة للتوعية برفض التمييز ...ودعوة كافة الآراء المستنيرة لتجديد الفكر الدينى ونشر قيم التسامح وقبول الآخر ونبذ التعصب والعنف والتمييز لأى سبب.
تلك كانت التوصيات التى طرحها النائب محمد عبدالعزيز عضو تنسيقية شباب الأحزاب والتى من الواضح أنها جاءت فى إطار دراسات متعمقة ورؤى مجتمعية كان لها تأثيرها الواضح فى طرح هذه التوصيات التى لاقت قبولاً من معظم الحاضرين.
كانت بداية موفقة لمشوار طويل بدأه القائمون على الحوار الوطنى منذ أن دعا إليه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى والذى أرى بوادر نجاح سوف تتحقق بإذن الله من أجل رسم ملامح الجمهورية الجديدة وإقامة دولة ديمقراطية حديثة تضمن خريطة طريق للأبناء والأحفاد من أجل مستقبل واعد مشرق يليق بهم.. وتحيا مصر.