المايسترو صحفيًا.. مناكفة أحمد رجب لصالح سليم التى دفعته ليكون محررًا فى آخر ساعة
الكاتب الكبير نزل بسياط السخرية على ظهر معشوق الأهلاوية دون رحمة ورد صالح كان أضعف من قذيفة رجب
مصطفى أمين وصلاح حافظ خففا نزعة السخرية باستدراك منشور فى نفس صفحة مقال أحمد رجب القاسى
صالح سليم أو المايسترو الذى صال وجال فى قلوب عشاق النادى الأهلى من الخمسينيات وحتى بداية الألفية الجديدة.. مختالًا بكاريزما غير مسبوقة جعلته معشوقًا للجماهير.. ليس جماهير الكرة فقط بل جماهير السينما أيضًا.. لأن نفس كاريزمته المبهرة تلك فرضته فرضًا على مخرجى السينما الكبار لينصبوه بطلًا سينمائيًا تكتب له السيناريوهات وليس مجرد ضيف شرف كعادة أهل الكرة فى تلك الأثناء.. وإن كان صالح قد أراد للسينما فى حياته أن تستمر لتغيرت مجريات حياته، وأصبح خبر وفاته سنة ٢٠٠٢ بعنوان رحيل الفنان القدير صالح سليم .. لكن المايسترو آثر البقاء خالدًا عبر بوابة النادى الأهلى وجماهيره التى رفعته على الأعناق.
لكن هل يمكن أن تصمد كاريزما صالح سليم الإعجازية تلك أمام كاريزما من نوع آخر متمثلة فى قلم إمبراطور الكتابة الساخرة أحمد رجب، الذى كان يتمنى جميع من عايشوا عنفوانه وتألقه ألا تضعهم الأقدار تحت سن قلمه الحاد اللاذع الذى لا يضع اعتبارًا لأساطير ولا يقيم وزنًا لأصحاب شعبية.. الكل عند مقصلة سخرية رجب ضحايا مؤكدين، وهذا ما حدث حرفيًا فى منتصف الستينيات.
كتب أحمد رجب موضوعًا ساخرًا كاريكاتوريًا بعنوان «صالح سليم يتحدث» ثم عنوان آخر على هيئة تحريف لإحدى مقولات عمر الخيام التى صدحت بها أم كلثوم فى تلك الفترة «فما أطال النوم عمرًا.. ولا أثر فى الماتشات طول السهر».
صالح كان يتبقى على اعتزاله سنتان حيث اعتزل عام ١٩٦٧ وكان يواجه انتقادات خفية غير معلنة بأن السينما استهوته وأخذت من مستواه، وأصبح لا يبذل مجهودًا داخل الملعب مثلما كان قبل ذلك، وفى هذا الموسم خرج الأهلى صفر اليدين لا دورى ولا كأس ولا أى شىء.. ولأن صالح كان رمزًا للأهلى بكاريزمته فقد كان فى مرمى النيران.. وحمله الجمهور المسئولية فالتقم أحمد رجب طرف هذا الخيط ونسج هذا الحوار الخيالى اللاذع فى سخريته والبديع فى صياغته.
والأجمل أن إخراج الحوار الخيالى لرجب كان على مستوى الكتابة، حيث اعتمد على كاريكاتير مسلسل بعنوان معرض اللاعب التاريخى صالح سليم من العصر الحجرى حتى عصر الذرة، ورسمة أخرى كبيرة مركبة على صورة لصالح سليم لطفل يمسك بيد صالح سليم المنكفئ إرهاقًا وهو يقول لطفل الرسمة «والنبى تودينى لحد الجون يابنى..!!» ليلمح أن صالح قد بلغ من العمر ما يستوجب الاعتزال، وترك أجيال جديدة تقود الأهلى لاستعادة بطولاته.
يبدأ رجب مقدمة حواره ويقول له:
إن اللاعب الكبير صالح سليم هو الكرة فى بلدنا والكرة فى بلدنا هى اللاعب الكبير صالح سليم!
والذى يذهب إلى الأقصر يستطيع أن يرى صورة لاعبنا التاريخى منقوشة على أعمدة الكرنك! فعلى عمود نقشت صورته وهو يضع يديه فى وسطه وأمامه «بتاح- رع» محافظ طيبة يقدم إليه الكأس بعد مباراة بين نادى طيبة ووادى «سو - يس - رع» الرياضى، وعلى عمود كرنكى آخر صورة للاعب التاريخى «صا - لح» وهو يضرب اللاعب «رى - عو» قلمًا؛ لأنه تسبب فى ضربة جزاء أثناء المباراة ضد منتخب بابل وأشور!
وتقول أوراق البردى التى عثر عليها فى صان الحجر، إن من أهم المحفوظات التى كانت مقررة على تلاميذ الفراعنة نشيد يقول: صا - لح، صا- لح، صا - لح.
ويروى المؤرخ هيرودوت أن اللاعب المصرى «صا - لح» استطاع أن يحرز وحده عشرين هدفًا فى دورة طروادة الأوليمبية!
ويكمل رجب سخريته فى موضوع آخر، حيث يقول «عندما توجهت للقاء هذا اللاعب العريق، كنت أعرف أننى ذاهب لألتقى بالتاريخ، ولهذا شعرت برهبة شديدة».
وزادت رهبتى وأنا أتطلع إلى جدران الغرفة، فعلى الحائط علقت أعلام النوادى التى لعب لها لاعبنا الكبير على مر الدهور والعصور، رأيت أعلام نادى طيبة، ونادى مراكب الشمس ونادى نفرتارى، ونادى بطليموس، ونادى الفسطاط الأهلى، ثم علم الفريق الدولى لمنتخب الدولة العباسية، بينما فى الجانب الآخر من الغرفة دولاب زجاجى ضخم ملىء بكئوس ونياشين وميداليات أثرية لا حصر لها ولا عدد، أبرزها كأس كبيرة فى حجم الزير عليها نقوش هيروغليفية لم أفهمها، وكأس أخرى مكتوب عليها بالخط «من العارف بالله أبى المعتز بالله، رئيس ديوان الكرة القدمية بالدولة العباسية، إلى ضرغام الملاعب العظيم صالح بن سليم، قبطان «كابتن» النادى العباسى الفائز بالدورى والكأس».
ثم يبدأ رجب حواره المتخيل: قلت للاعب التاريخى:
- ما الفرق بين اللعب زمان واللعب الآن؟
- زمان إمتى؟!
- أيام الفراعنة مثلاً.
- اللعب كان أحسن مليون مرة.
- من ناحية الفن والمستوى؟!
- من كل النواحى.. خصوصًا نظام اللعبة نفسها.
- كيف؟
- لم يكن فى اللعبة أى جرى أو تعب أو تقطيع أنفاس، كان نظام اللعبة عظيمًا.. إذ كانوا يرصون لنا كراسى فوتيات جلد فى الملعب ٤-٢-٤.. وكل لاعب يجلس فى مركزه.
- وحارس المرمى؟
- كان يجلس على كرسى مرتفع ككرسى البار. كان اللعب أيامها آخر مزاج، فكان اللاعب «ينجعص فى الفوتيه» وهو يضع ساقًا على ساق حتى تمر الكرة بمقعده، فيشوطها ناحية كرسى زميله الذى يمررها إلى كرسى آخر حتى تصل إلى كراسى الفراودة، فيشوط الفرود على الجول.
- وماذا كان يفعل أفراد الفريق الآخر أثناء وجود الكرة معكم؟
- ولا حاجة، كانوا يجلسون فى مقاعدهم مستريحين ٢٤ قيراط حتى تعود إليهم الكرة بسبب شوطة غلط منا. وفى أثناء وجود الكرة معهم كان جرسونات البوفيه يندفعون نحو ملعبنا وهم ينادون: قهوة شاى كازوزة ليمونادة.. السحلب والينسون.. جبنة وبيض وسميط سخن.. فكنا نأكل ونشرب أثناء اللعب، كما كان بعضنا يأخذ له تعسيلة حتى تعود إليه الكرة، وهنا ينتقل الجرسونات من ملعبنا إلى ملعب الفريق الآخر الخالى شغل لينادوا: كلو كلو وشيكولاتة بالبندق.. شيكلت شيكلت.
- وهل كان اللاعب يقف إذا وصلت إلى مقعده الكرة؟
- لا، لا. كان الوقوف ممنوعًا بقوانين اللعبة، فإذا رأى الحكم لاعبًا يقف ضرب النفير ليحتسب ضربة حرة غير مباشرة.
- نفير؟!
- نعم، ترومبت كبير كالذى نراه فى مزيكة حسب الله، حتى يوقظ اللعيبة من النوم. فالنوم كان مشروعًا أثناء اللعب.
- وأين كان يجلس الحكم؟
- فى فوتيل لوج على الخط الأبيض.
وهز اللاعب الكبير رأسه قائلًا:
- لقد باظت اللعبة وعليه العوض!
ويستمر رجب فى كرابيجه اللاذعة ويسأله فى موضع آخر من الحوار عن مقترحاته لتطوير اللعبة؟
فيقول صالح غير الحقيقى:
- إن الجرى لا يتناسب مع الوقار والاتزان، وإذا كان الحاكم بأمر الله لم يكن حريصًا على اتزانه ووقاره لأنه كان رجلًا مخلولًا، فلماذا نمتهن كرامتنا تقليدًا له؟؟ ثم إن الجرى غير صحى لأنه يسبب النهجان ما يؤدى إلى وجع القلب، ويسبب شرب الميه الكتير مما يؤدى إلى ظهور الكرش، ويسبب الإنهاك الشديد مما يؤدى إلى النوم مبكرًا بعد الماتش، بينما الدنيا لا تسهر ولا تغنى ولا ترقص إلا فى عز الليل. لماذا نحرم أنفسنا من مباهج الحياة؟.
- واللياقة البدنية؟
- لياقة بدنية إيه! ألم تسمع الخيام وهو يقول:
فما أطال النوم عمرًا.. ولا أثر فى الماتشات طول السهر.
خليها على الله، هذه حجج فارغة اخترعها النقاد الرياضيون.
ويكمل رجب ليصل لأعلى مستوى من السخرية الحارقة ليقول على لسان صالح المتخيل:
«إن اللاعب بشر وله كرامة ولبدنه عليه حق، لذلك يجب أن يكون الملعب أصغر مساحة مما هو عليه الآن».
- يبقى كام متر؟
- كفاية ٦ x ٩ كذلك يجب أن تمتد الاستراحة بين الشوطين.
- موش ربع ساعة كويس؟
- لا. هذه مهزلة. رأيى أن تكون الاستراحة بين الشوطين يومًا أو يومين. فنحن بشر ولسنا خيول سباق.
قلت للاعب الكبير:
- ما هى فلسفتك فى الحياة؟
- فى التأنى السلامة وفى العجلة الندامة..
-هل تسمع أغانى؟
- طبعًا.
- ما هى أسخف غنوة سمعتها فى حياتك؟
- اجرى اجرى اجرى.
- وأحسن غنوة؟
- أغنية دايمًا أهديها إلى حبيبتى الكرة فى برنامج ما يطلبه المستمعون.
- ما هى؟
- أنا فى انتظارك.. حطيت إيدى على وسطى وعديت.. بالساعة غيابك ولا جيت!
إلى هنا انتهى مقال أحمد رجب الساخن الذى دخل فيه عش دبابير اللاعب الذى كان يخاف منه الجميع، وبقى أن يقوم مصطفى أمين، الذى كان مدير تحرير المجلة حينها، وصلاح حافظ، المسئول عن تحريرها بتخفيف وطأة المقال الذى قد يسبب أزمة مع صالح سليم معشوق الجماهير الحمراء، وحتى لا يتأثر العدد الخاص التالى الذى أعلنت عنه المجلة وهو عدد خاص عن الكرة، يحرره لأول مرة الصحفى صالح سليم، حيث أرفقت المجلة مربعًا فى نهاية حوار أحمد رجب اللاذع بعنوان «ولو» تقول فيه «برغم هذه الدعابة من أحمد رجب فإن صالح سليم ألمع نجوم الكرة فى مصر يبدأ من الأسبوع القادم يكتب لآخر ساعة فى عددها الممتاز».
وهو ما تم بالفعل وصدر العدد التالى من آخر ساعة، عدد خاص بعنوان الكرة والمحرر الرئيسى فيه هو صالح سليم نفسه.
لكن هل نسى صالح ما كتبه أحمد رجب؟
أغلب الظن لا.. لأن صالح كتب مقالًا بعنوان «نكسة الأهلى» يشرح فيه ماذا حدث للقلعة الحمراء فى واحد من أسوأ المواسم التى مرت على النادى، والتى دفعت أحمد رجب وغيره لـ«تقطيع فروة اللاعبين» وعلى رأسهم كبيرهم «صالح».
صالح سليم يشرح أسباب هزيمة الأهلى ويقسمها إلى نقاط.. لكن ما يهمنا هى نقطة بعنوان «دور النقد الخاطئ» يحاول صالح سليم أن يعطى لأحمد رجب كتفًا مستترًا عندما قال من ضمن ما قال «أكثر ما يضايق اللاعبين أن يقرأوا نقدا لاذعًا عنهم.. يبدو أن هدفه الأول إثارة إعجاب الجمهور بأسلوب الناقد وخفة دمه.. لا بمضمون كتاباته».
بالطبع لم يذكر صالح من المقصود بهذا الكلام لكن ترتيب الأمور بهذا الشكل تجعل الجملة تنطبق على طريقة أحمد رجب جدًا فى النقد، والذى استخدمه معه فى العدد السابق عبر مقاله الساخر.
انتهت المباراة الصحفية بين صالح سليم مايسترو الأهلى وأحمد رجب مايسترو الكتابة الساخرة بالتأكيد لصالح الثانى لأنه يلعب على ملعبه وبين جمهوره، بينما كان صالح سليم يدخل ملعب الصحافة الوعر لأول وآخر مرة.. وأغلب الظن أنه بعد هذه التجربة قال يافكيك ولم يكررها مرة أخرى.