خالد إسماعيل: يحيى الطاهر عبدالله هدانى إلى طريق القصة بتصاويره الرائعة
حول ذكرياته مع أدب يحيى الطاهر عبدالله، قال الكاتب الروائي والقاص خالد إسماعيل: بعد سنوات قضيتها مع الأبنودى وفؤاد نجم وسميرعبدالباقى، نشرت قصيدتين فى "أدب ونقد- 1989" و"الثقافة الجديدة- 1992"، وشعرت بالحيرة، كتبت قصائد كثيرة لم تعجبنى وشعرت أن القصيدة العامية ضاقت بى، وانشغلت بالصحافة وقلت لنفسى ما معناه إننى لم أعد على قوة الإبداع ولم يعد لى نصيب فيه.
وأوضح «إسماعيل»، لـ«الدستور»: يحيى الطاهر عبدالله ظهر لى فجأة فى غرفة من غرف "العزاب" فى 9 شارع على عليان- المشابك- الجيزة، عثرت على كتاب صغير، فقير الطباعة يحمل عنوان "تصاوير من الماء والتراب والشمس"، وقرأته، وعدت شخصا جديدا، كان الشخص المحبط قد مات، وولدت من جديد، فقد هدانى الكتاب إلى طريق القصة وامتلكت الجرأة وقررت أن أكتب مثله، أكتب "صعيدى" مثلما كتب- رحمه الله- صعيده، وكان لى صعيد كونته طوال سنوات حياتى فى "سوهاج"، بالتحديد قريتى "كوم العرب" وهى قرية من قرى "تغريبة بنى هلال" العربان ناسها ينتمون لقبائل الحلف الهلالى التى جاءت من جنوب العراق ونجد والحجاز إلى مصر، ثم أرسلت بقرار من المستنصر الفاطمى لمحاربة المعز بن باديس فى تونس لما حاول الخروج على العرش الفاطمى الإسماعيلى الشيعى واستعادة المذهب المالكى للسنة، وعادت قبائل الحلف الهلالى إلى مصر، وتشكلت قرى الصعيد منها حوالى أربعمائة قرية، واقترب العربان من الأرض السوداء وزرعوا وقلعوا وتشكلت ثقافة سبيكة تجمع بين ثقافة القتال وثقافة الزرع والاستقرار.
وتابع: واكتشفت فى سنوات تالية أن "الكرنك" التى رسمها- يحيى الطاهر عبدالله- فى قصصه تشبه "كوم العرب" فالعربان فى الكرنك ينتمون إلى قبائل الحلف الهلالى ويسكنون الغرب، غرب النيل، ويزرعون ويحملون ثقافة الصحراء فى صورهم، وانطلقت فى مسيرتى القصصية فأصدرت "درب النصارى- 1997، وغرب النيل- 2002، ومؤخرا مقتل بخيته القصاصة- 2023، وأصدرت اثنتى عشرة رواية بدأتها برواية عقد الحزون- 1999، وكانت الرواية الأحدث حكايات عائلية- 2020، وما زلت بين الحين والآخر أقرأ الأعمال الكاملة للراحل الكبير يحيى الطاهرعبدالله وأترحم عليه معترفا بفضل موهبته التى هدتنى بعد ضياع ومنحتنى فرصة إعادة اكتشاف الذات بعد سنوات من فقدان الدليل، وأنا مدين له وللراحل يحيى حقى، والمدهش أننى اكتشفت أن بطل روايتى الأولى اسمه "يحيى" وكأن محبتى له تجلت فى هذا الاسم الدال على الحياة والخصوبة والإبداع والخلق.
واختتم: "رحم الله الشاعر الكبير (الأبنودى) الذى قرأ مجموعتى (غرب النيل) وكتب عنها ضمن يومياته على صفحات الأخبار فقال ما معناه إنه منذ رحيل صديقه يحيى الطاهر عبدالله لم تهز وجدانه قصة قصيرة لكاتب صعيدى غير (العبدلله) وكانت تلك شهادة كبرى عوضتنى عن التجاهل الذى فرضه على كتابتى القائمون على السلطة الثقافية آنذاك، رحم الله يحيى الطاهر ورحم الأبنودي فقد كانا من حراس الهوية المصرية وتركا لنا تركة إبداعية جديرة بالتقدير والإكبار".