من «حارس الأسوار» إلى «كاسر الأمواج».. أسرار أسماء العمليات العسكرية الإسرائيلية
فى الصراعات والنزاعات والحروب فى جميع أنحاء العالم يُطلق على العمليات العسكرية «أسماء» وفى أغلب الأحيان يختلف كل طرف من طرفى النزاع حول هذا الاسم، الذى ربما يمثل الرؤية أو الهدف أو التبرير للعملية ذاتها، وقد دأبت إسرائيل منذ سنوات طويلة على إطلاق أسماء بعينها على عملياتها العسكرية المختلفة، من بينها «حارس الأسوار» و«كاسر الأمواج» وغيرهما من الأسماء التى تحمل دلالات دينية أو سياسية أو معنوية.
وفى السطور التالية، تستعرض «الدستور» أسماء بعض العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، ومعانيها، والهدف من وراء اختيار تلك الأسماء بعينها، وكيفية اختيارها، والاستراتيجية الدعائية التى تقف خلف إطلاق تلك الأسماء الرمزية، واختلاف ذلك عما تطلقه المنظمات الفلسطينية على عملياتها.
بدأ إطلاق الأسماء فى الحرب العالمية الأولى وأعلنها الأمريكيون فى فيتنام
الافتراض النظرى الأساسى هو أن التسمية العسكرية للعمليات فى كل حروب العالم هى آلية يمكن استخدامها لطمس الجوانب غير المرغوب فيها- مثل التكاليف البشرية والاقتصادية- المرتبطة بالعملية العسكرية، وذلك حسب كتاب المقدم جريجورى سى سيمينسكى، الذى كتب عن «فن تسمية العمليات» فى عام ١٩٩٥.
وتعود الفكرة، وفقًا لـ«سيمينسكى» إلى الحربين العالميتين، ففى الحرب العالمية الأولى كان إطلاق الأسماء مجرد وسيلة للإشارة إلى العمليات، لكن مع الحرب العالمية الثانية، وازدياد العمليات العسكرية والحاجة إلى التنسيق والتمييز بينها، توصلت هيئة الأركان المشتركة الأمريكية ووزارة الحرب إلى «فهرس الأسماء المشفرة»، الذى يوفر «قائمة تضم ١٠٠٠٠ من الأسماء والصفات الشائعة التى لا توحى بأنشطة أو مواقع تشغيلية، مع تجنب أسماء الأعلام والمصطلحات الجغرافية وأسماء السفن».
وكان الهدف فى حينه، هو تمييز العمليات داخل القيادة العسكرية، وليس لتداول الأسماء أمام الرأى العام، ويقول «سيمينسكى»: «كان وينستون تشرشل مفتونًا بالأسماء الرمزية، فقد طلب ذات يوم من أحد المساعدين تقديم جميع أسماء الرموز المستقبلية إليه للموافقة عليها؛ ووقتها قال لمساعديه: «العمليات التى قد يفقد فيها عدد كبير من الرجال حياتهم لا ينبغى وصفها بكلمات رمزية تشير ضمنيًا إلى شعور متبجح أو مفرط فى الثقة، وعلى العكس من ذلك لا يمكن اختيار أسماء تافهة تحط من قدر الضحايا والمشاركين فى المعارك».
وكانت الأسماء معرضة للتغيير، فقرر «تشرشل» أن غزو «D-Day» لنورماندى، فى ٦ يونيو ١٩٤٤، سيطلق عليه عمليًا اسم «Overlord»، بعد أن أطلق عليها فى المراحل السابقة اسم «Sledgehammer».
وكان الجنرال الأمريكى دوجلاس ماك آرثر، الذى قاتل فى الحرب الكورية، أول قائد عسكرى «سمح برفع السرية عن الأسماء المشفرة، ونشرها على الصحافة بمجرد بدء العمليات، بدلًا من الانتظار حتى نهاية الحرب»، وذلك بعد عملية أطلق عليها اسم «ماشر» أثناء حرب فيتنام فى الستينيات، وأصدرت وزارة الدفاع لأول مرة إرشادات لتسمية العمليات، والتى لا تزال سارية حتى اليوم.
ويذكر فى الإرشادات أن التسميات غير الصحيحة للعمليات العسكرية «يمكن أن تأتى بنتائج عكسية»، فيما نصت المبادئ التوجيهية الأمريكية حول اختيار أسماء العمليات العسكرية أنها «يجب ألا تعبر عن درجة من العدوانية لا تتفق مع المثل الأمريكية التقليدية أو السياسة الخارجية الحالية»؛ و«لا يمكنها أيضًا أن تنقل دلالات مسيئة للذوق العام أو مهينة لجماعة أو طائفة أو عقيدة معينة»؛ أو «استخدام كلمات غريبة أو عبارات مبتذلة أو علامات تجارية معروفة».
ثم تطور الأمر، عند إنشاء نظام كمبيوتر فى عام ١٩٧٥ الذى أصبح يسهل اختيار وتنسيق استخدام أسماء العمليات، ولكن فى بعض الأحيان كان يتم تغيير الاسم المُختار من قبل الكمبيوتر، فغزو العراق أطلق الكمبيوتر عليه اسم «درع شبه الجزيرة» بينما تم تغييره إلى «عاصفة الصحراء».
«التلاعب بالترجمة» أسلوب لإضفاء الشرعية على العدوان وكسب التعاطف الغربى
«كاسر الأمواج»، «الفجر الصادق»، «اليد القوية»، «حارس الأسوار»، «الجرف الصامد»، «عودة الأخوة»، «الرصاص المصبوب»، «الشتاء الساخن»، «السور الواقى»، «عامود السحاب»، «عناقيد الغضب»، وغيرها من عشرات الأسماء التى دأبت إسرائيل على إطلاقها فى السنوات الماضية على العمليات العسكرية، والتى تحمل أبعادًا دينية وسياسية ومعنوية.
الفرضية الإسرائيلية حول الأسماء، وفقًا لتقرير لصحيفة «هآرتس» فى عام ٢٠١٢، هو أنه يتم استخدام أسماء من الطبيعة والتوراة، إذ يستخدم الجيش الإسرائيلى ثلاث استراتيجيات لتسمية العمليات، هى «التجنيس، والتعبير الملطف، وإضفاء الشرعية»، كما يطلق الجيش الإسرائيلى أسماء بالعربية والعبرية على عملياته.
وأحيانًا توجد اختلافات بين الاسم بالإنجليزية وبالعربية، ففى حرب غزة ٢٠١٢ أطلق على العملية الإسرائيلية اسم «عامود العنان أو السحاب» بالعربية، ولكن فى موقع الجيش الإسرائيلى باللغة الإنجليزية، وبالتالى فى وسائل الإعلام باللغة الإنجليزية، تمت تسمية العملية «عامود الدفاع».
وبينما تخاطب الأسماء الإسرائيلية الإعلام والعالم بمفردات عامة وبسيطة، مثل اختيار اسم «عناقيد الغضب» لعمليتهم فى لبنان «مذبحة قانا»، وهو اسم رواية لكاتب أمريكى عالمى هو جون شتاينبك، يسمى الفلسطينيون مثلًا عملية «عامود السحاب» بـ«بقعة الزيت»، ومن المشكوك فيه أن يكون العالم مدركًا لما هى «بقعة الزيت». الأمر نفسه انطبق على عملية «الرصاص المصبوب» أو «Cast Lead»، التى يفهمها العربى على أنها زخات نيران ووابل طلقات بينما يفهمها الغربى على أنها مجرد «عنصر الرصاص المصهور»، وكذلك عملية «الجرف الصامد» أو «Protective Edge»، التى تعنى بالإنجليزية «الحافة الواقية»، بينما تعنى بالعربية كلمة «الجرف» المأخوذة من القرآن فى قوله «على شفا جرف هار».
الاختيار من الطبيعة والتعبيرات التوراتية وفق برنامج حاسوبى
عندما يُسأل الجيش الإسرائيلى عن أصول الأسماء أو الألقاب التى يطلقها على العمليات العسكرية فإنه عادة ما يرد بأن أسماء تلك العمليات يتم إنشاؤها عن طريق برنامج حاسوبى، وقد تكون هذه هى الحقيقة لكنها بالتأكيد ليست الحقيقة الكاملة.
وذكرت دراسة نشرتها صحيفة «إسرائيل اليوم» عام ٢٠١٨ أن الفكر وراء أسماء العمليات وهدفها هو شرح العملية والغرض منها وغير ذلك، بناء على الجوانب العملياتية والسياسية والنفسية والإعلامية، لكن هذا لا يحدث دائمًا، فعلى سبيل المثال تم تحديد اسم حرب لبنان الثانية من خلال الضغط الشعبى، وبالطبع سميت حرب «يوم الغفران» بهذا الاسم بسبب توقيت اندلاعها وأهميتها الدينية.
وأفادت الدراسة بأن هناك أربعة معايير يتم على أساسها تحديد أسماء العمليات وهى: أسماء الأشخاص، وأسماء الأماكن فى إسرائيل، وأسماء النباتات والحيوانات، وينقسم الأمر إلى قسمين، هما عالم الطبيعة وعالم الكتاب المقدس.
وتناولت الدراسة الشاملة ٨١ عملية جرت منذ إعلان الدولة العبرية وحرب ١٩٤٨ إلى عملية «الرصاص المصبوب» فى عام ٢٠١٤، وبينت أنه من بين ٢٣٩ اسمًا للعمليات العسكرية وغيرها جاء ثلث الأسماء من الطبيعة، مثل عملية «قوس قزح»، وثلث الأسماء من التوراة، مثل «عملية سليمان»، والباقى كان مزيجًا من الاثنين، مثل «عامود السحاب»، وهو مثال كلاسيكى على اسم مأخوذ من الطبيعة، وأيضًا من عالم التعبيرات التوراتى.
وتدعى الدراسة أن اسم العملية لديه القدرة على التأثير على تصور الجمهور لها على أنها ناجحة أم لا، فعلى سبيل المثال فإن عملية «سلام الجليل» حددت هدفًا واضحًا مقارنة بأسماء غامضة مثل «الشتاء الدافئ» و «قوس قزح» و«عناقيد الغضب»، التى لم تحدد هدفًا.
وعلق المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى «أفيخاى أدرعى»، فى حديث سابق مع وكالة الأناضول عام ٢٠١٤، قائلًا: «إن اختيار الأسماء يتم بطريقة لا أفهمها، فأحيانًا يتم من خلال الحاسوب، وأحيانًا أخرى من خلال أشخاص، وعندما يتم اقتراح اسم فإننا نجرى فحصًا لملاءمته مع الجمهور الإسرائيلى والجمهور الدولى».
وأشار إلى أنه يتم اختيار اسم العمليات العسكرية فى إسرائيل بداية باللغة العبرية، ومن ثم ملاءمته باللغتين العربية والإنجليزية قبل الإعلان عنه رسميًا.