المُحرض الرياضى!
في أكثر المجتمعات ديمقراطية، يُعتبر "التحريض" جريمة يُعاقب عليها القانون، وعندنا لا تتوقف ماكينة التحريض الرياضي المنتشرة على كل المنصات الإعلامية، وما يزيد من حجم تأثيرهم هو أن الجمهور الرياضي هو الأكثر حماساً والأكبر عدداً والأشد تعصباً في انتمائه، خاصة جمهور كرة القدم.
نرى حماس الجماهير في المدرجات وكأنهم في حرب، تحرقهم لعبة وتنفلت ألسنتهم لأقل خطأ تحكيمي، كثيرون يفقدون توازنهم لمجرد الخسارة، والبعض منهم فقد حياته بالفعل بسبب تعصبه، رغم أن الخسارة والمكسب هما المتعة المرجوة من أي لعبة رياضية، بعض المشجعين كرسوا حياتهم للتشجيع وامتهنوه، فتجد مشجعي كرة أصبحوا نجوماً تتابعهم كاميرات التليفزيون وعدسات المصورين، ومنهم من أسس روابط للمشجعين وكثير منهم تربطهم علاقات قوية مع مجالس إدارات الأندية الجماهيرية ومع اللاعبين.
وبالقطع لم تغفل قوى الشر قوة روابط المشجعين وخطورتها، وبدلاً من توظيف طاقاتها لخدمة المجتمع وخدمة أنديتهم، حاولوا اختراقتها وتوجيهها للتخريب وتسييس المنظومة الرياضية عموماً، وكلنا شهود على اختراقات روابط الألتراس وما وقع بسببها من أحداث مؤسفة.
الدولة القوية عادت بعد 30 يونيو 2013 واستطاعت تحجيم الروابط وترويضها ليقتصر دورها على التشجيع الرياضي فقط، لكن ظلت الكارثة في الإعلام الرياضي الذي أصبح بديلاً لروابط المشجعين خاصة في التحريض، بعد كل مباراة ومع كل أزمة.
نجوم الإعلام الرياضي هم رأس الحربة التي تقود وتوجه المشجعين والمنتمين إلى الفرق الرياضية، وهم أيضاً- أي مقدمى البرامج وأصحاب القنوات الخاصة- من المنتمين للفرق الرياضية ولا ينكرون انتماءهم الرياضي، ولا يمكنهم نفي هذا الانتماء، لكن عندما يعمل نجم معلقاً أو مذيعاً رياضياً فعليه التخلى عن كل تحيزاته وانتماءاته السابقة، لأن الحياد هو ألف باء المهنية الإعلامية.
فأوقات الهواء ليست ملكاً لأحد سوى المشاهد، والكلمة أمانة، تفقد معناها وقيمتها عندما تتعارض مع مصالح المعلقين- وما أكثر تلك المصالح-.
وتظل ظاهرة مغازلة الجمهور لأهداف جماهيرية أو انتخابية أو ما يسمى حديثاً "الترند"- هي الجرم الأكبر- الذي آن أوان التصدي له ليتحمل المجتمع الرياضي مسئوليته الوطنية، حتى نستطيع توظيف طاقات المشجعين وأغلبهم من جيل الشباب لخدمة أنديتهم والرياضة المصرية عموماً.
علما بأنه بقوة القانون يمكن ضبط إيقاع الإعلام الرياضي كله، فجريمة التحريض الرياضي غالباً ما تكون مٌثبتة بالصوت والصورة.
وفي القانون المصري تعتبر جريمة التحريض من الجرائم التي تهدد أمن واستقرار المجتمع، ووظيفة القانون هي حماية مصالح المجتمع الأساسية والحفاظ عليها، وهو الحل النهائي لحالة الانفلات التي يشهدها المجتمع الرياضي ولا نتمنى أن يكون هو الحل الأخير.