عيد سنة 90.. أرشيف الأهرام يكشف أسرار الحركة الفنية فى بداية التسعينيات
إذا كنت ممن صادفهم الحظ وعايشت عيد الفطر المبارك بداية حقبة التسعينيات الزاخرة بالأحداث.. وأردت أن تقضى سهرة لطيفة مع عائلتك أو بمفردك فغالبًا واجهت متاعب فى الاختيار، لأن قائمة الخروجات كانت عامرة بكل ما لذ وطاب.. والمتنافسون على جيب الزبون كانوا كثرًا.. مع العلم أن هذا العيد قبل ثلاثة أشهر فقط من حدث سوف يغيّر وجه المنطقة العربية كلها على المدى البعيد، وهو غزو صدام حسين الكويت يوم ٢ أغسطس ١٩٩٠، وما تبعه من قرارات سياسية وحربية خرجت كلها من جامعة الدول العربية من ميدان التحرير بالقاهرة.
قاعات السينما قد استقبلت مجموعة من الأفلام من كل لون.. منها ما كان فى عداد أفلام المقاولات، ومنها ما وُضع فى قائمة أفضل أفلام السينما المصرية عبر تاريخها.. وعلى مستوى الكازينوهات فقد تنافست ملاهى شارع الهرم مع ملاهى الفنادق الكبرى على جذب الزبائن، باجتذاب نجوم الغناء والرقص فى تلك المرحلة فى تنويعة مدهشة خليط بين القديم الرصين مثل محمد قنديل وفى نفس النمرة تجد راقصات درجة ثالثة.. أما المسرح فكان دوره أقل فى العيد إذا قورن بالسينما والكازينوهات.
فى تقليب سريع فى جريدة «الأهرام» المعاصرة لعيد الفطر سنة ١٩٩٠ من الممكن أن نرصد بوضوح ماذا حدث فى أماكن السهر والفرفشة فى هذا العام.
المسرح.. عادل وسمير فى الساحة وحيدان ومنتخب الجوهرى كلمة السر
على مستوى المسرح نشرت «الأهرام» فى باب «أين تذهب هذا المساء» ثلاث مسرحيات فقط تتنافس فيما بينها، حيث إن المسرح لم يكن من أولويات الخروج فى الأعياد بالقياس مع الملاهى والكازينوهات والسينمات، كما أن ممثلى المسرح يفضلون الإجازة فى الأعياد بين أهلهم وعرض مسرحياتهم فى أضيق الحدود، مثلما فعل عادل إمام، حيث كان يعرض مسرحية «الواد سيد الشغال»- واحدة من أهم وأروع مسرحياته- لكن إعلانها فى «الأهرام» يقول إن عرض المسرحية ثانى وثالث أيام العيد فقط على مسرح «المتحدين» بشارع رمسيس.. وكتب على الإعلان «لصالح المنتخب القومى»، حيث سيذهب لاعبونا بعد حوالى شهر ليلعبوا فى إيطاليا، ويحرز مجدى عبدالغنى هدفًا يكتم به على أنفاس جماهير الكرة سنوات طويلة.
أما سمير غانم فقد عرض مسرحيته الشهيرة، التى كانت جديدة وقتها، «أخويا هايص وأنا لايص» أول أيام العيد فقط على مسرح سيد درويش بالإسكندرية.
أما المسرحية الثالثة فكانت مجهولة بعنوان «أربعة غجر والخامس جدع»، وتعرض على مسرح «الهوسابير»، لكن كان إعلانها طريفًا مذيلًا بجملة «هذه ليست نكتة سندفع لك ألف جنيه فورًا إذا لم تضحك كثيرًا جدًا».
السينما.. عادل وأحمد وسعيد والعلايلى ينافسون أميتاب باتشان على شباك التذاكر
أميتاب باتشان معشوق المصريين فى الثمانينيات والتسعينيات نزل بفيلمه الجديد فى أول أيام عيد الفطر عام ٩٠، وطبقًا لإعلان الأهرام الفيلم بعنوان «the great gambler»، والترجمة الحرفية له هى «المقامر العظيم»، لكن الترجمة الشعبية التى تم التسويق بها للفيلم «المارد الشرس»، أما الغريب أن الفيلم لم يكن جديدًا فى واقع الأمر، بل إن تاريخ إنتاجه يسبق التسعينيات بـ١١ سنة، لكن فى تلك الفترة لم تكن السوق السينمائية الشعبية تدقق وهى الجمهور الأصلى للأفلام الهندية.. المهم أن تتصدر صورة أميتاب باتشان الأفيش وتضمن الإقبال، ويا حبذا لو كان موسم أعياد مثل عيد الفطر.. والفيلم عُرض فى سينما شبرابالاس بشبرا وأوديون بالإسكندرية، طبقًا للإعلان.
أما على مستوى الأفلام المصرية التى نزلت فى عيد الفطر وفقًا لإعلانات «الأهرام» فكانت متنوعة لحد كبير، وأول تلك الأفلام هو واحد من أهم ١٠٠ فيلم مصرى عبر التاريخ، وهو فيلم «البيضة والحجر» لأحمد زكى ومعالى زايد، ينافسه فيلم آخر ضمن قائمة الأفضل أيضًا، وهو فيلم «الراقصة والسياسى» لنبيلة عبيد وصلاح قابيل.. ثم يأتى نجم المرحلة الزعيم المتربع على القمة عادل إمام، حيث كان إعلان فيلمه الجديد «حنفى الأبهة» هو أكبر إعلان منشور فيما يقرب من ثلث صفحة كاملة.. وهو الشىء المفهوم بالطبع لأن عادل إمام كان قد ارتقى القمة منذ السبعينيات ولم ينزل منها حتى انزوائه فى السنوات الأخيرة.. وهو ما يفسر أيضًا أن فيلم «حنفى الأبهة» معروض طبقًا لإعلان «الأهرام» فى ١٤ دار عرض بالمقارنة بباقى الأفلام التى لم تتعدَ السبعة.
سعيد صالح منافس فى هذا الموسم، أيضًا، بفيلمين، وإن كانت منافسة غير متكافئة لأن الفيلمين ينضحان بالحس التجارى قليل التكاليف الذى انغمس فيه سعيد صالح متناسيًا موهبته المتفجرة ومضيعًا لها فى نفس الوقت.. والفيلمان هما «الأغبياء الثلاثة» و«حكاية لها العجب».
أما باقى الأفلام المعروضة إعلاناتها فكانت «ليلة عسل»، وهو فيلم خفيف كوميدى جرّت به سهير البابلى عزت العلايلى إلى منطقة الكوميديا فأبدعا سويًا هذا الفيلم الجميل الذى عُرض فى أول أيام عيد الفطر فى دارىّ عرض فقط، وبالتأكيد لم يكن لينافس باقى الأفلام لكنه عندما عُرض فى التليفزيون والفيديو أخذ مكانته التى يستحقها.
ونافس فاروق الفيشاوى بفيلم آخر بجانب مشاركته فى «حنفى الأبهة»، وهو فيلم «اللص» مع نجلاء فتحى، ويحيى الفخرانى نافس بفيلم «الذل» مع ليلى علوى.
أما الغريب أن «الأهرام» عرضت أيضًا إعلانات لأفلام قديمة تعرض فى دور العرض أول أيام العيد، وهذا الأمر لم يكن غريبًا وقتها، حيث كان المنتجون يستغلون الأفلام التى يمتلكون حقوق عرضها ويعرضونها فى مواسم الأعياد فى بعض دور العرض غير الرئيسية، مثل فيلم «شعبان تحت الصفر» لعادل إمام، وفيلم «أبى فوق الشجرة» لعبدالحليم حافظ بعد وفاة صاحبه بـ١٣ عامًا.
الكازينوهات.. «مكيف الهواء» كلمة السر.. عدوية العائد من الغيبوبة ينافس كل مطربى مصر
نأتى للكعكة الكبيرة من خروجات عيد ١٩٩٠، التى أبرزتها جريدة «الأهرام» فى إعلاناتها، وهى الكازينوهات والملاهى، سواء تلك التى ترتص على جانبى شارع الهرم أو المرتبطة بفنادق الخمس نجوم.
السمة الغالبة التى سيطرت على أغلب إعلانات الكازينوهات هى التنويه المرفق «مكيف الهواء»، وهو على ما يبدو كان تنويهًا سحريًا يماثل اسم النجوم على الإعلان، لأن العيد كان فى آخر أبريل ولم يكن التكييف المركزى بالشىء المنتشر، فكان لا بد أن ينوه أصحاب الكازينوهات بشكل واضح بأن الملهى مكيف الهواء حتى يشجعوا الزبائن على الحضور.
لوسى نجمة وصاحبة كازينو «باريزيانا» استعدت جيدًا لموسم عيد الفطر ٩٠ كما توحى إعلاناتها، حيث نشرت إعلانين كبيرين فى صفحة الرياضة، وهى صفحة مكلفة إعلانيًا.. الإعلان الأول انفردت هى به، حيث صورة كبيرة لها وتنويه يقول «نجمة الاستعراضات المبدعة الفنانة لوسى والاستعراض الجديد وشوشة».. أما الإعلان الآخر المنشور على نفس الصفحة فقد رصّت فيه باقى نجوم الملهى، وعلى رأسهم حسن الأسمر، خليفة عدوية، وسبعة أسماء أخرى أغلبها مجهول، وقليل أكمل المسيرة ثم خفت نجمه مثل المطرب الأوبرالى صاحب الصوت القوى أحمد إبراهيم، والمطرب النوبى حسن عبدالمجيد.
أما قاعة «الباشا» بكازينو «الأندلس» بالهرم فقد ضمت بين جنباتها تنويعة أكبر وأشهر من تنويعة كازينو لوسى، على رأسها هانى شاكر ونجوى فؤاد، ثم يأتى باقى النجوم، فقد احتل كل منهم إعلانًا مستقلًا، بعكس كازينو «باريزيانا» حيث استرخصت لوسى وجمعتهم فى إعلان واحد.. ومن نجوم «الأندلس» كتكوت الأمير وحسن الأسمر وحلمى عبدالباقى ومجدى طلعت وأسماء أخرى.
والثنائى هانى شاكر ونجوى فؤاد مرتبطان أيام العيد أيضًا فى ملهى آخر لجمهور آخر، وهو ملهى «الإمبراطورة» بفندق «ماريوت»، ومعهما فى نفس البروجرام، كما يقول الإعلان، صوت الجبل أركان فؤاد، تصاحبه فاتنة الرقص الشرقى «صفاء يسرى» التى اختفت بعد سنوات قليلة.
ولم يكن وجود المطرب الجاد هانى شاكر فى كازينوهات شارع الهرم غريبًا فى هذا الوقت فى ظل وجود محمد قنديل المطرب الكبير القادم من الستينيات فى مكانين.. الأول كازينو «الليل» لصاحبته شريفة فاضل، والثانى فندق «المريديان»، وفى الحالتين كانت فى صحبته الراقصة المنتشرة حينها «هندية».
وعلى ذكر شريفة فاضل فقد اكتفت بإعلان واحد متوسط الحجم يعلن عن نجوم الكازينو الأشهر فى شارع الهرم أيام العيد.. فبجانب محمد قنديل وشريفة فاضل والراقصة هندية هناك ثلاثة أسماء أخرى: طاهر شمس الدين، والراقصة قمر الزمان، والمطرب حمدى نيشان قبل أن يتم تصحيح اسمه بعد ذلك ويصبح حمدى «باتشان» نسبة إلى أميتاب باتشان معشوق المصريين فى تلك الفترة.
ومثل قنديل كان المطرب صاحب الإحساس الصادق، وهو التعبير الذى استُخدم فى الإعلان عن محمد الحلو.. وقد أعلن الملهى الليلى «أبونواس» فى فندق «مينا هاوس» عن قدومه فى أيام عيد ٩٠، وتصاحبه فى نفس البرنامج الراقصة فيفى عبده. كما كان المطرب الشاب مدحت صالح هو نجم العيد فى فندق «شيراتون المنتزه» بالإسكندرية، وتصاحبه راقصة الإسكندرية الأولى وقتها ليلى حمدى.
أما الغريب فى إعلانات الكازينوهات وجود إعلانين على استحياء للمطرب الشعبى الأول أحمد عدوية، الأول يعلن عن قدومه أول أيام العيد فى قاعة «أتينيوس» بمحطة الرمل بالإسكندرية، والثانى يعلن عن قدومه ثانى وثالث أيام العيد فى قاعة «نفرتيتى» بفندق «شبرد» بالقاهرة.. ومصدر العجب أن عدوية قبل أشهر قليلة كان بطل أهم حادثة فى مصر، والتى شارف فيها على الموت وخرج بعد غيبوبة طويلة.. كان بطل الحادثة أميرًا كويتيًا اتهم بمحاولة قتل عدوية، وأصبحت حكايتهما ماكينة شائعات عاشت عليها مجالس النميمة حتى الآن، ولم يعرف أحد على وجه اليقين ماذا حدث بالضبط لعدوية، وما هو دور هذا الرجل الكويتى المشبوه فى الأمر.. وكان غريبًا ونحن نطالع إعلانات أنشطة الكازينوهات فى عيد الفطر سنة ١٩٩٠ أن نجد نشاطًا لعدوية وهو الخارج من غيبوبة قاتلة منذ أشهر قليلة وقد أثرت على حركته تمامًا.. وعلى ما يبدو أن الأمر كان مغامرة وتجربة ولعبًا باسم عدوية لجذب زبائن العيد.