مصر والسودان «1-2»
أعادت الأحداث الأخيرة الدامية التى وقعت فى السودان الحديث عن العلاقة التاريخية بين مصر والسودان، خاصة مع إعلان مصر عن رفضها أى تدخل خارجى فى شئون السودان، والأهم من ذلك طرحها مبادرة مصرية، بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية، فى محاولة لإيجاد مخرج سياسى لهذا التطاحن العسكرى الذى يعصف بالسودان.
ومن المهم بيان أن هدف مصر من وراء ذلك حرصها على استقرار السودان، لأن أى توتر فى السودان ينعكس بالسلب على مصر، لا سيما أن السودان هو بمثابة الحدود الجنوبية لمصر، ويكفى مصر الوضع المتأزم فى ليبيا، الذى يؤثر على حدود مصر الغربية، ناهيك عن الحالة الخاصة للحدود الشرقية لمصر، حيث الإرهاب فى سيناء، والهدوء الحذر فى مواجهات حماس فى قطاع غزة مع إسرائيل، كما أن الأخيرة قابعة أيضًا على جزء كبير إزاء حدود مصر الشرقية، أما عن الحدود الشمالية فيمثلها هنا البحر المتوسط، ونعلم جميعًا الصراع الإقليمى على غاز شرق البحر المتوسط، هكذا نرى الأوضاع الملتهبة على حدود مصر، ولذلك تعمل مصر على «تبريد» الأزمة على حدودها الجنوبية.
لكن العلاقة بين مصر والسودان، ليست فقط مسألة حدود، وحرص على استقرار الأوضاع من منظور جيو- سياسى فقط، لكن هناك عوامل تاريخية تضرب بجذورها فى عمق التاريخ تربط بين مصر والسودان. وهنا لا بد من أن أذكّر الأجيال الحالية أن شعار الحركة الوطنية فى كل من السودان ومصر، قبل الاستقلال، كان شعار «وحدة وادى النيل» وأن مصر والسودان بلد واحد، وكمْ ارتوى وادى النيل بدماء الوطنيين فى السودان ومصر، من أجل تحقيق هذا الحلم.
لكنى سأبحر بعيدًا مع مياه النيل، شريان الحياة الذى يربط بين مصر والسودان، وكذلك عبر التاريخ لتوضيح مدى الارتباط الخالد بين مصر والسودان.
ربما لا يعلم بعضنا أن المسيحية قد دخلت إلى السودان القديم عبر مصر. فمع تحول مصر إلى المسيحية، بدأ الأقباط بالبشارة بالكرازة المرقسية فى إفريقيا، وكان من الطبيعى أن تكون البدايات فى الجنوب. من هنا نشهد تحول ممالك النوبة إلى المسيحية. وفى الحقيقة تعتبر بلاد النوبة عامل وصل جغرافى وترابط ثقافى بين مصر والسودان، إذ تتوزع النوبة بين مصر والسودان، فهناك النوبة المصرية، وأيضًا النوبة السودانية. وأتذكر أثناء تدريسى فى فرع جامعة القاهرة فى الخرطوم، ولهذه المؤسسة المهمة حديث آخر، كنت أتحدث مع طلابى عن الرئيس السودانى جعفر نميرى، وهنا قال لى أحد الطلاب إن نميرى مصرى! وتعجبت من هذا القول، وهنا أوضح لى أن نميرى من النوبة السودانية، وأن سكان الخرطوم وعلى سبيل التندر يقولون إن النوبة مصرية، نظرًا لقربها الشديد وارتباطها بمصر. على أى حال من النوبة دخلت المسيحية جنوبًا سواء إلى بلاد السودان، أو بلاد الحبشة، ومعلوم قصة ارتباط كنيسة الحبشة «إثيوبيا» بالكنيسة القبطية، حتى منتصف القرن العشرين.
ومع تحول مصر إلى الإسلام، ستبدأ قصة أخرى فى دور مصر فى انتشار الإسلام فى بلاد السودان، ولهذا الموضوع معالجة فى المقال المقبل.