الدور الوطنى المنشود للعاملين بقطاع السياحة..!
(1)
فى الأشهر القليلة الماضية وُجهت لى تقريبا نفس الأسئلة من جنسيات غربية عن ما سموه (الأزمة الاقتصادية) المصرية والتضخم وانخفاض العملة المصرية. وفى سياق ردودى وتفاعل من سأل مع المعلومات التى قدمتها اكتشفت أن هناك سوء فهم تاما لما جرى فى مصر فى العقود الماضية وما ترتب عليه الآن فيما تخوضه مصر سياسيا واقتصاديا. كانوا يعتقدون أن اقتصاد مصر كان مستقرا بشكل حقيقى طبقا لسعر الجنيه المصرى مقابل الدولار وطبقا لما كان يراه الزائرون من أسعار الوقود. واعتقدوا أن انخفاض العملة المصرية فى السنوات الأخيرة إنما ناتجٌ عن سوء إدارة اقتصادية!
فى نطاق ردى المعلوماتى قدمت صورة كاملة عن اقتصاد مصر الوهمى فى حقبة ما قبل يناير 2011م، وأن أسعار السلع والوقود لم تكن حقيقية وإنما كانت الدولة تتحمل الفارق الكبير بين سعر الوقود الحقيقى وبين سعره المقدم للناس. ونفس الشىء فيما يخص باقى السلع الأساسية حتى اعتقد المصريون أن هذه الأسعار هى القيمة الحقيقية لتلك السلع. ولكى تقوم الدولة بذلك فقد أهملت الخدمات والملفات الأخرى من تعليم وصحة وبنية أساسية ومشروعات تنموية لتوفير فرص العمل. وضاعف من الكارثة عدم استجابة المصريين لخطط الدولة فى الحد من الانفجار السكانى الرهيب فى العقود الأربعة الأخيرة.
ثم كانت تكلفة الفوضى السياسية التى بلغت مئات الملايين من الدولارات، وأخيرا كانت تكلفة المعركة العسكرية ضد المليشيات التكفيرية المسلحة والتى أعلن رئيس الجمهورية تكلفتها بنفسه فى حديث علنى. وقبل أن يترشح المشير السيسى للرئاسة فقد أخبر المصريين بالموقف كاملا وأنذرهم أنه إن تم اختياره للمنصب فلن يسير بمصر سيرتها الأولى، لكنه سوف يتولى تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى حقيقى وسوف يدفع المصريون تكلفة إنقاذ بلادهم عبر تحمل نتائج هذا البرنامج والذى سيكون أهم ما يترتب عليه هو قفز الأسعار الوهمية لكى تصل لقيمها الحقيقية. وأن الدولة سوف تقوم فى اتجاهٍ موازٍ بمراعاة الأبعاد الاجتماعية للطبقات الأكثر احتياجا عبر توفير سلع مدعومة وعبر تنفيذ آليات لضمان وصولها لمستحقيها.
لقد كان الذهول يصيب السائلين حين يتم مدهم بمعلومات وبيانات حقيقية عما نفذته الدولة فى عدة سنوات من توفير أكثر من مليون وحدة سكنية لنقل آلاف الأسر من المناطق العشوائية. وأنه فى مصر يوجد خمسة وثلاثين مليونا من التلاميذ فى مختلف مراحل التعليم قبل الجامعى، بخلاف أربعة ملايين من طلاب الجامعة وحوالى ثلاثة أرباع مليون خريج سنويا. وأن معظم هؤلاء يتلقون تعليما مجانيا يتم تطويره حاليا. هذا بخلاف ما تم فى ملف الصحة منذ مواجهة فيروس سى وحتى الآن، وما تم إنجازه فى ملف الطاقة والزراعة والمشروعات التنموية العملاقة... هذه هى الصورة والحقائق العادلة لما حدث فى مصر وخاصة فى الملف الاقتصادى، وليس عدلا أن تكون المقارنة بين سعر الجنيه الآن وسعره قبل عشرين عاما، فالاقتصاد والسياسة لا ينفصلان!
(2)
منذ سنوات وتحديدا منذ عام 2015م ومع بدايات عودة حركة السياحة الغربية لمصر، تكرر هذا الفضول الغربى لكن بصورة أشد لمعرفة ما حدث فى مصر من 25 يناير 2010م وحتى ذلك الوقت. كان الجميع يلمح أو يصرح لتساؤلاته، وبعضهم جاء مشحونا بما شحنته به وسائل الإعلام الغربية الموجهة. بعضهم تجاوز فى ألفاظه بما يستوجب من أى مصرى أن يرد بقوة على هذا التجاوز لوضع الأمور فى نصابها الصحيح. وأكثرهم كان فقط يريد أن يعرف. المدهش أنهم ورغم رؤيتهم لمشهد ميدان التحرير عام 2011م، إلا أنهم لم يشاهدوا أو يعرفوا شيئا عن أكثر من 33 مليونا من المصريين خرجوا لمختلف الشوارع والميادين فى يونيو 2013م!
فى تلك الفترة، كان هناك مخلصون قدموا من الإجابات ما يمليه عليهم ضمائرهم وكان هناك من هم غير ذلك!
(3)
يعد العاملون فى قطاع السياحة – خاصة من يمتهنون مهنة الإرشاد السياحى – هم سفراء مصر فى الداخل بشكل حقيقى لا مجازى، لأنهم يمثلون قناة المعلومات التى يستقى منها السائحون معلوماتهم ليس فقط عن تاريخ مصر القديم، وإنما عن كل ما يخص مصر، لذلك تعتبر هذه المهنة من مهن الأمن القومى المصرى وقد سُنت القوانين لضمان كامل تأهيل العاملين بها. ويعد هذا العام سياحيا هو أفضل موسم سياحى فى مصر منذ سنوات طويلة وربما منذ ما قبل يناير 2011م. لذلك – وبعيدا عن لغة البيزنس – فهناك دور وطنى يجب أن يقوم به العاملون بهذا القطاع، ويجب أن تتنبه إليه بشكل أكبر الأجيال الشابة الأكثر حيوية والتى ربما لم يُتح لها سابقا القيام بهذا الدور لحديث عهدهم بالمهنة.
ولا أعنى بهذا الدور القيام بأى دعاية سياسية معينة، إنما فقط أعنى النشاط فى جميع معلومات وبيانات حقيقية عادلة عما حدث فى مصر فى العقود الأربعة الأخيرة، وجميع بيانات من مصادرها الرسمية الدقيقة عن اقتصاد مصر، كيف كان بشكل حقيقى وكيف أصبح وما واجهته مصر عبر تلك العقود من مواجهات وتكلفتها الاقتصادية!
(4)
الحركة بمعدلات كبيرة بعد السكون التام لابد وأن يترتب عليها بعض الارتباك الحتمى. هذا ما حدث فى قطاع السياحة بمختلف فروعه وفئات العاملين فيه والمسؤلين عنه. ومن المنطقى أن ينقل أحدنا ما يراه من أوجه قصور للمسئولين لكى تتم محاولة احتواء تلك الأوجه وما بها من ارتباك. لكننى لاحظت فى الفترة الأخيرة أن بعضنا يقوم – عبر صفحته التى غالبا ما يتابعها بعض أصدقائه من غير المصريين – بنشر جو سلبى عام عن القطاع ويرددون بعض العبارات غير العادلة مثل أن مصر دولة لا تصلح للسياحة!
أولا هذا كذبٌ خالص لأنها لو لم تصلح للسياحة ما وصلت إلى تلك الأعداد الكبيرة من راغبى مقاصدها المتعددة!
ثانيا أن كثيرا من أوجه القصور والارتباك فى القطاع تقع مسؤليتها على عاتق الجميع وليس على فئة بعينها. فمثلا التزاحم فى بعض المناطق فى الصباح المبكر هو مسئولية تضامنية بين البواخر السياحية التى تصر على الدفع بسائحيها قبل موعد فتح شباك التذاكر بساعة، وبين هيئة الآثار التى تتعامل أحيانا مع الموقف بلا أى مرونة وبشكل بيروقراطى عفى عليه الزمن ولا يتماشى مع توجه مصر فى عصرها الجديد!
ثالثا أن بعض المواقف التى نتعرض لها هى من قبيل (المتاعب المهنية) التى لا تخلو مهنة على وجه الأرض منها، فلا مهنة بلا متاعب! كما أن كثيرا من تلك التفاصيل هى فى الحقيقة من الإرث الجمعى للشعب المصرى ولا تختص بها فئة دون أخرى، وعلينا جميعا أن نضطلع بمسؤلياتنا ونضع أنفسنا فى الموضع المناسب! وأقصد به أننا جزء من مصر وشعبها بكل تفاصيله وأزماته وإرثه وأيضا رؤاه الكارثية فى بعض الأحيان! فنحن لسنا جزءًا من (المجموعة) الأجنبية التى نرافقها ولن نصبح كذلك، هذه هى الحقيقة التى يجب أن تبقى واضحة دائما فى العمق من عقل وروح أىٍّ منا! فعلينا دائما أن يكون موضعنا فى الجانب المصرى المتعقل المحتوى لأى موقف مهما تكن عبثيته! هذه طبيعة المهنة وأمانتها ورسالتها!
فعلينا أن نجمل ما نستطيع تجميله، وأن نعترف بأن مصر تمر بمرحلة انتقالية من تاريخها المعاصر! وأن جميع الشعوب والدول حين تمر بتلك المرحلة يكون لديها من مشاهد الارتباك ما سجلته كتب التاريخ وفاضت فى تفاصيله!
المعارك والمهام الحقيقية التى يجب أن يستعد لها المخلصون فى هذا القطاع هى المعارك التى تكون غايتها الحفاظ على تاريخ هذه الأمة من العبث. وإننى أعتقد أننا فى هذه السنوات على موعد مع إحدى تلك المعارك! معركة سلاحها العلم والتاريخ والمنطق والحقيقة. سوف تتعرض مصر لهجمة عقلية شرسة – بدأت بوادرها منذ سنوات على استحياء – لمحاولة سرقة تاريخها ونسبته لشراذم هنا وهناك! سوف تخوض المعركة ضد مصر هيئات علمية عالمية تم تسييسها وستكون بعض الشخصيات العالمية رءوس حربة فى المعركة وستكون بعض الشخصيات الداخلية خيول طروادة!
إننى لستُ قلقا من نتيجة المعركة فهى محسومة تماما لصالح الحق والحقيقة وإرث مصر لن تستطيع سرقته أى قوة مهما بلغ نفوذها وثراؤها وتحكمها فى السياسة الدولية! وستدرك خيول طروادة وقتها – بعد أن يكون وقت العودة لهم قد مرق – أن المتدثر بالكاو بوى عارٍ تماما!
هذه المعركة هى المعركة الحقيقية التى ينبغى لجنود (كِمت) من العاملين بقطاع السياحة والإرشاد السياحى أن يستعدوا لها جيدا لأنها ستكون سؤالا مستديما لغالبية من يقابلونهم!.
وأخيرا فإن العاملين بقطاع السياحة يجب أن يكون وعيهم أكثر من غيرهم فيما يخص أية أخبار عن القطاع السياحى والأثرى أو ما يمكنه أن يروج لدعايات سلبية عن مصر. فعلى سبيل المثال لا ينبغى لهم أن ينساقوا خلف أية أخبار دون توخى الدقة اللازمة وتتبع البيانات من مصادرها الرسمية الدقيقة. ومن تلك الأخبار ما تم نشره عن الأمطار التى هطلت ببهو المتحف المصرى الكبير!.