لماذا كره طه حسين لقب "الشيخ"؟
عميد الأدب العربي طه حسين، كتب ذكرياته في كتاب "الأيام" وتناقلها عنه الكثير من الكتاب والروائيين، وأصدروا مؤلفات عديدة من هذه المذكرات ومن بينها كتاب "طه الذي رأى" للكاتب حمدي البطران، الصادر عن دار كلمة.
الكتاب رصد طفولة عميد الأدب العربي حيث قال: يتذكر طه حسين بوضوح ذلك اليوم، الذي أخبره فيه الشيخ أنه يطالب بحقوقه لأنه علّم أربعة من أخوته وقام بتحفيظهم القرآن، وأنه يطلب من والد طه المقابل وهو عبارة عن طعام وشراب وثياب ومال، كان هذا ما يطلبه الشيخُ على الدوام، أمّا مطالبه عند ختم القرآن فهي:
أجر حفظ القرآن الكريم
عشوة دسمة قبل كل شيء، ثم جبّة وقفطان، وزوج أحذية، وطربوش وشال وعِمّة وجنيه مجيدي لا يرضى الشيخ بأقل من ذلك، وإذا لم تصلْه طلباتُه كلها من الأسرة فهو لا يعرفها، ولا صلةَ له بها.
يوم أن حفظ طه حسين القرآن الكريم
وكان الشيخ قد أعلن لتلاميذه أن اليوم هو الأربعاء، وأن طه سيختم القرآن الكريم اليوم، وعند أذان العصر، وسار الشيخ حتى إذا ما وصل باب البيت دفعه بقوة وأطلق صيحة عالية: يا ساتر.
واستقبلهم والد طه مبتسمًا في المندرة، وأجلس الشيخ عن يمينه، ومسح على جبين ابنه بيده، وقال: فتح الله عليك، اذهب إلى أمّك وقل لها، الشيخ هنا.
وكانت الأم قد سمعت صياح الشيخ، وأعدت له كوز كبير من الماء المُذاب فيه السكّر، ثم أعقبتْه فناجين القهوة، وكان الشيخ في هذا التوقيت يلحُّ على والد الطفل، أن يمتحن الصبيّ فيما حفظه من القرآن.
ومنذ ذلك التاريخ حاز الصبي طه حسين على لقبَ "شيخ"، لأن من حفظ القرآنَ الكريم فهو شيخ، على الرغم من أن طه كان قصيرًا نحيفًا شاحبا، ولا يحمل من وقار الشيوخ شيئًا، وكان يريد أن يلبس العمة والجبة والقفطان، ولم يكن يدري أنه أصغر من ذلك.
وعندما لم يقم والده بإحضار العمة والجبة والقفطان للشيخ الصغير، أصابه غبن، وشعر أن ظلمًا كبيرًا قد وقع عليه.
سبب كره طه حسين لقب "الشيخ"
وأكمل المؤلف:" وما هي إلا أيام حتى كره لقب الشيخ، وترسّب بداخله إحساس بأنه لا يجب أن يدعوه شيخًا، ذات يوم دعاه والده وناداه باسمه: يا شيْخ طه، فاقترب من أبيه، وأجلسه أبوه في رفق بجواره، وسأله أسئلة عادية، وطلب منه أن يقرأ سورة الشعراء.
ثم استعاذ الشيخ الصغير من الشيطان الرجيم، وبسم الله الرحمن الرحيم، ولم يتذكر من سورة الشعراء سوى أنها واحدة من ثلاث سور تبدأ بطسم، وأخذ يردد هذا اللفظ حتى يفتح الله عليه بشيء، ولكن الله لم يفتح، فطلب منه أبوه أن يقرأ سورة النمل.
وتذكر الشيخ الصغير أن أول سورة النمل كأول سورة الشعراء، تبدأ بطسم، وظلَّ يردّد المفتتَح، ولم تساعده ذاكرته بشيء، ثم طلب منه والده أن يقرأَ سورة القصص، ولم تجود عليه الذاكرة بشيء. فقال له أبوه: قُم، كنت أحسب أنك حفظتَ القرآن.
وكانت ليلة كئيبة قضاها الشيخ الصغير دون عشاء، وفي الصباح ذهب إلى كتّاب سيدنا، فسأله الشيخ، وتكرر معه ما حصل مع والده، ولكن الشيخ قال له: الذنب ليس عليك، وإنما على والدك لأنه لم يعطِني أجري يوم ختمتَ القرآن، فمحى الله القرآن من صدرك.
ثم بدأ معه من جديد، كأنه لم يحفظ القرآن ولم يصبح شيخًا، وبعد فترة أصبح الصبي انطوائيًّا، لا يحب اللعب مع أحد ولا يتكلم مع أحد من الناس، وفي المقابل كان يرغب بالجلوس إلى شيوخ الكُتّاب يستمع إلى الدروس.