مرآة الدراما الصادقة
أعمال جيدة ومتنوعة يزخر بها موسم الدراما الرمضانية هذا العام، الكثير من المبدعين خلف وأمام الكاميرات حصلوا على شهادة جودة معتمدة من قبل الجمهور والنقاد، بعض النجوم الذين قدموا مسلسلات قوية في الأعوام السابقة في اختبار صعب هذا العام، لأنهم سيواجهون تحديًا عنوانه: وماذا بعد؟ حيث سيكونون مطالبين بأن يقدموا عملًا على نفس المستوى من الجودة والتأثير، أحيانًا يقع بعضهم في فخ التكرار، حيث يظل الواحد منهم حبيس دور جيد ويقوم باستنساخه لسنوات وربما لباقي حياته، لكن يبدو أن منى زكي على درجة من الوعي يؤهلها لتفادي الوقوع في هذا الفخ، فبعد النجاح المدوي الذي حققته في آخر مسلسلاتها «لعبة نيوتن» تأليف وإخراج تامر محسن.
تقدم هذا العام مسلسلًا جديدًا هو «تحت الوصاية» استعانت من خلاله بفريق جديد يتكون من المؤلفين خالد وشيرين دياب والمخرج محمد شاكر خضير، يشاركها في البطولة دياب، علي صبحي، نسرين أمين، رشدي الشامي، مها نصار، خالد كمال، التميز الواضح والاهتمام بجودة كل العناصر الفنية هو أحد أهم من يمكن ملاحظته عند متابعة حلقات هذا المسلسل، حيث الإيقاع اللاهث للأحداث، التشويق، اختيار عالم جديد على شاشة التليفزيون وهو عالم الصيادين، الشخصيات المبنية بشكل حقيقي وواقعي، الأداء التمثيلي بالغ التمكن، نرى منى زكي في حالة تماهٍ تام مع الشخصية، بلا مكياج تقريبًا، ملامحها معجونة بإرهاق الحياة، ضابطة لانفعالتها بميزان بالغ الحساسية، قادرة على التعبير عن عدة مشاعر متلاحقة في نفس الوقت، إلا أن إبداع الأداء التمثيلي لم يقف عند البطلة، بل امتد ليشمل عددًا من الممثلين على رأسهم علي صبحي بطل فيلم «علي معزة وإبراهيم» الذي قدم من خلاله أداء مبهرًا توج بأكثر من جائزة في التمثيل، بالإضافة إلى المطرب والممثل المتمكن دياب، وأيضًا الطفل عمر شريف الذي يتنبأ له الجميع بمستقبل باهر نتاج ما قدمه من أداء تلقائي ومتمكن، من المهم أيضًا الإشارة إلى أهمية موضوع المسلسل، حيث يثير قضية حق الوصاية على الأطفال في حال غياب الزوج، وهو ما تعاني منه الكثير من السيدات، الملاحظ في دراما هذا العام التفاتها لقضايا المرأة ومشاكلها المؤرقة بالفعل، وهو ما يستحق الإشادة، حيث إن إثارة مثل تلك المواضيع يعتبر من أهم أدوار الدراما التليفزيونية، ذلك الدور الذي ظل مفقودًا لسنوات، نرصد مثلًا مسلسل «عملة نادرة» تأليف مدحت العدل وإخراج ماندو العدل وبطولة نيللي كريم، جمال سليمان، أحمد عيد، كمال أبورية، ندى موسى، مريم الخشت، حيث يناقش ميراث المرأة في الصعيد، ومعاناتها في الحصول على حقوقها في ظل بعض الموروثات التي ترفض توريث المرأة للأرض، كذلك مسلسل «حضرة العمدة» تأليف إبراهيم عيسى وإخراج عادل أديب وبطولة روبي، سميحة أيوب، بسمة، محمود عبد المغني، حيث يناقش أحقية وقدرة المرأة في تولي المناصب القيادية، وكيفية مواجهتها للصعوبات الاجتماعية المحيطة بها نتيجة لعدم تقبل البعض لتوليها منصب قيادي، في «تحت الوصاية» نحن أمام نموذج لامرأة كادحة أو كما يطلق عليها باللفظ الدارج «شقيانة» تعاني من أجل كسب الرزق و إطعام أولادها، المميز في هذا العمل أيضًا هو الحفاظ على هويته كعمل درامي بعيدًا عن الخطابة أو المبالغة، نرى منى زكي مثلًا تحمل صواني الجمبري والسمك بشكل حقيقي، وتتعامل مع تجار السوق بشكل يعبر عن خليط من المشاعر المكبوتة ما بين تشبثها بالصلابة، ومعاناتها في الصيد، ورغبتها في الكسب لإطعام أولادها، بمثل هذه الأعمال تستعيد الدراما التليفزيونية أحد أدوارها المهمة وهو التعبير الفني الصادق عن هموم الناس.