شاهد عيان.. هذه تفاصيل "الكوليرا" والحرب العالمية الثانية فى مصر
صدرت حديثًا مذكرات الفنان الكبير فاروق فلوكس عن دار صفصافة للنشر والتوزيع، تحت عنوان "الزمن وأنا.. مذكرات فاروق فلوكس بين الهندسة والفن والحياة"، وكتبها حسن الزوام.
وتحدث فاروق فلوكس عن مشاهد من طفولته ومعايشته لأحداث كان لها صدى كبيرا فيما بعد، مثل وباء الكوليرا والحرب العالمية الثانية في مصر.
وباء الكوليرا
يقول فاروق فلوكس: "أذكر جيدًا عندما ضرب وباء الكوليرا مصر عام 1946 وكان عمري وقتها 9 سنوات، كان الوباء مرعبًا وقاتلًا، لا أحد يصاب بالكوليرا وينجو منها.
كنا حرفيًّا نغسل الخبز بعد أن نشتريه خوفًا من انتقال المرض، جميعنا بقينا في بيوتنا ومخابئ مخصصة معزولة، لا أحد يخرج إلا مضطرًا أو لسبب قهري، استمر الوباء قرابة العام وانتهت خلاله كل تقاليد الجيران.
كل التجمعات انفضت، أصبح الكل يخاف من الكل وشبح العدوى يهدد الجميع، كان جيراننا في العمارة يجتمعون في رمضان في بيت أحدهم على الإفطار أو السحور، وتتم دعوة صغار الفنانين لإثراء التجمع بأجر بسيط، كل هذه الظواهر انتهت في سنة الكوليرا، كان الخوف هو سيد الموقف.
لم نعد نلعب كرة القدم في الشوارع وحوصرنا في بيوتنا، كما فعلها فينا فيروس كورونا بعدها بسنوات طويلة.
خلت الشوارع ولم يكن النزول إلا للضرورة.. والضرورة الملحة، وهذه تفاصيل وباء الكوليرا.
وداعًا بنيامين
في هذه السنوات، كانت الحرب العالمية الثانية في أوجها، انتهت بأكبر كارثة بشرية عندما ضربت أمريكا مدن اليابان بالقنبلة الذرية، انتهت الحرب لكن مصر لم تنهار أو تتعرض للفقر كما حدث في الحرب العالمية الأولى، فمصر كانت دولة قوية لديها دخل كبير وحكومة منظمة.
في سنة 1949، كان عمري اثني عشر عامًا، لي صديق مقرب يهودي الديانة اسمه بنيامين، صبي شديد الذكاء والنظافة رغم أنه كان يعمل ميكانيكيًّا، وقتها كانت الوكالة اليهودية تقوم بتهجير اليهود إلى فلسطين بعد إعلان قيام دولة إسرائيل بناءً على وعد بلفور الشهير.
في يوم من الأيام فوجئنا في بيتنا بطرقات على الباب في الساعة السادسة صباحًا، استيقظ أبي ليجد أمامه بنيامين يطلب منه أن يوقظني، دخل أبي وأيقظني، فوجئت بأن صديقي بنيامين يودعني لأنه سيهاجر مع عائلته، سألته: "إلى أين؟"، قال: "إلى مكان يسمى إسرائيل".
بكيت بكاءً شديدًا وسألت أبي عن إسرائيل فقال لي إنه كيان معتدٍ ومحتل يريد أن يغتصب أرض فلسطين.
هكذا كان القدر، الطفلان اللذان ترعرعا سويًّا قد يقفا في وجه بعضهما البعض بالسلاح في مواجهة محتملة...
رفعت بريطانيا الحماية عن فلسطين في الرابع عشر من مايو عام 1948، وأعلنت عصابات إسرائيل في اليوم التالي قيام دولتهم على أراضي الفلسطينيين، بناءً على وعد بلفور الذي أعطي فيه من لا يملك الأرض لمن لا يستحق، وقتها قامت حرب الـ48 أو ما عرفناه في تاريخنا الحديث بالنكبة، ومن حصار الإسرائيليين للواء المصري الرابع بالفالوجة لمدة ثلاثة شهور من نوفمبر 1948 حتى فبراير 1949 وسط استبسال كبير من الجنود المصريين.
كان قائد هذا اللواء المحاصر مقاتلًا عرفناه وحفظنا اسمه في هذه الفترة وهو الأميرالاي السيد طه والمُلقب بالضبع الأسود، وكان معه رئيس أركان اللواء بكباشي شاب يدعى جمال عبدالناصر، لكن التاريخ تذكر جمال عبدالناصر، ولم يعد هناك ذكر للمقاتل الصلب السيد طه ضبع الفالوجة، والذي تم استقباله استقبال الأبطال عقب عودته وجنوده بعد كسر الحصار.
هناك في الفالوجة، تعرف البكباشي جمال عبدالناصر على صحفي شاب لمع فيما بعد، وأصبح الكاتب محمد حسنين هيكل، ليصنعا ثنائية تركت أثرًا كبيرًا في حياتي وحياة المصريين فيما بعد.