البابا ثيؤدوروس الثاني يصدر رسالته الفصحية بمناسبة عيد القيامة
نشر البابا ثيؤدوروس الثاني، بابا الإسكندرية وسائر أفريقيا للروم الأرثوذكس، رسالته الفصحية لاحتفالات عيد القيامة المجيد لعام 2023 الجاري.
وقال البابا في رسالته الصادرة منذ قليل: في العالم الحديث الذي يتسم بالتغيرات المستمرة والتغيرات المختلفة على التوالي فإن الحدث الذي لا يمكن أن يمر دون أن نتوقف عنده بتمعن والذي تم تلخيصه في كلمتين لقرون عديدة يرن مرة أخرى الآن معلناً "المسيـــــح قـام"، حقيقة يمكن أن تنمي وتغير حالة الإنسان وتعطي معنى للصراع اليومي وقيامة الإنسان وقيامة الحياة الحقيقية والأبدية .
"قم يا لله واحكم في الأرض لترث جميع الأمم". في هذه الآية التي ترتلها الكنيسة صباح يوم سبت النور تنبئ بفرح القيامة المجيد ويدرك فيها الإنسان شمولية الرسالة المأمولة لفداء الإنسان في جميع أطوال العالم وأنحائه .
ومع ذلك على الرغم من أن رسالة القيامة موحدة وعالمية وأبدية منذ قرون عديدة لكن يختلف متلقيها من ناحية لأخرى: ففي العالم المتحضر يختبرون بها تجارب حرياتهم ومآزقهم الروحية، ويعيش آخرون في ظروف مرعبة لما تتميز به العقلية الغربية. وفي العالم الثالث يطبقونها على مشكلاتهم الحيوية المباشرة والنضالات المستميتة من أجل تأمين الحقوق مثل المساواة والعدالة وتقرير المصير وحرية الفكر والتعبير، وفي النهاية الحق في الحياة بغض النظر عن الجنس واللون واللغة والدين والطبقة الاجتماعية والجنسية.
على الرغم من حقيقة أن الناس يولدون بعقل إلا أنه غالباً ما يحدث أنهم لا يستخدمون هدية الخالق هذه لتكوين أخلاقيات الأخوة والتسامح والتعايش. إن الأرض كلها مليئة بالمجتمعات التي تعتمد بالاسم فقط على مبدأ المساواة. لكن في الواقع فإن الحقوق الغير قابلة للتصرف والتدخل البشري، مثل الحياة والحرية والسعي من أجل السعادة من خلال التعليم والعمل ليست محمية بشكل فعال. بل غالباً ما يتم إلغاء التعاون العالمي لحل المشكلات الدولية ذات الطبيعة الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإنسانية من الناحية العملية ويسمح بانتهاك الحقوق العالمية مثل الكرامة والسلام وحتى حماية البنية الإنسانية والبيئة الطبيعية.
في الواقع الحديث الذي يشبه لوحة متعددة الثقافات هناك حاجة وضرورة ملحة إلى استخلاص استنتاجات مفيدة من الماضي، عندما أدى التمسك بالتفوق الثقافي واحتكار الحقيقة إلى الاضطهاد والصراع. ومع ذلك دعونا لا ننسى أن الحضارات البشرية في الماضي استفادت بشكل كبير من تأثيرها على بعضها البعض.
بالتأكيد ليس مطلوباً أن نلتزم جميعاً بمبدأ واحد، فالجدير بالذكر أنه سيكون هناك مجموعة متنوعة من المبادئ وقد يكون لدينا آراء مختلفة تماماً لكن لا يهم ذلك كثيراً إذا كنا نحب بعضنا البعض أو إذا امتدحنا أعمال بعضنا البعض. ما يهم حقاً هو أننا يجب أن ندرك ونحترم العلاقة بيننا وبين بعضنا البعض واعتمادنا المتبادل سواء كأشخاص أو كشعوب.
إخواني الأحباء..
مرة أخرى فإن الحدث الذي لا يمكن أن يمر دون أن نتوقف عنده بتمعن والذي تم تلخيصه لقرون عديدة في كلمتين هما: "المسيـــــح قـام" يرن مرة أخرى. حقيقة لا يمكن أن تخبرنا ببساطة عن حدث من أحداث إيماننا ولكنها تمتلك القوة المحفزة لتنمية وتحويل الحالة الإنسانية وإعطاء معنى لنضالنا اليومي. لأن الإرادة الوحيدة التي يمكن أن تعطي معنى للمعنى المفقود للحياة في عالمنا المعاصر هي خدمة إرادة الله القائم من بين الأموات والمتمثلة في المحبة والسلام والمساواة والتعايش المتناغم والتضامن، تجربة لا تترك أحداً غير راضٍ.
من خلال هذه الرؤى الروحية أتبادل وأتقاسم معكم مرة أخرى هذا العام في القداس الإلهي وعلى مذابح القيامة أحيكم بتحية القيامة "المسيـــــح قام... حقاً قـــــام"، متمنياً للجميع ألا يظلوا تحت إطار العلاقات الرسمية ولكن أن نجعل هذه العلاقات حياة نشارك بها دون تمييز مع إخواننا جميع البشر دون تمييز للغة أو للجنس (genus) أو للعرق أو اللون كأعضاء متساوين في الإنسانية.
بهذه الأفكار والمخاوف الأبوية أخاطب الجميع من مقر الكرسي البطريركي الرسولي للقديس مرقص الإنجيلي بالتأكد المنتصر "المسيـــــح قــام".
أتمنى أن يكون عيد الفصح هذا هو نقطة الانطلاق لتصور جديد للعالم – عالم تغمره غزارة نور القيامة اللانهائي.