( فاتن ) و (نادرة ) في رمضان
للعام الثاني على التوالي تواصل ( نيللي كريم ) تألقها و انحيازها و انصافها للمرأة في قضايا جوهرية و انسانية يجب ان لا تنازع فيها .. فالمرأة انسان مكتمل غير منقوص و له حقوق و يحب عدم المساس بتلك الحقوق أو التمييز بينها و بين الرجل .. فالتمييز الجندري أو العرقي و كل انواع التمييز جريمة .. و قد عانت النساء طويلا في مختلف المجتمعات من شتى انواع التمييز
و في مجتمعاتنا الشرقية و في ثقافة الريف و الصعيد تتعرض المرأة لغبن أكبر
و لقد شاهدنا مؤخرا ما تم طرحه من إنجازات متعلقة بقانون الاحوال الشخصية لتصحيح اوضاع كثيرة و لكي تستعيد المرأة حقوقها و يستعيد المجتمع عافيته و يتم رفع الغبن عن الكثير من النساء اللاتي عانين طويلا من العوار القانوني الذي شاب قوانين الاحوال الشخصية و غيرها .. كذلك الوعي التراكمي الذي حدث في المجتمع بفعل عوامل عدة أرى ان الفن أحد أضلع تلك الفسيفساء التي شكلت وعي المجتمع بالتراكم فالفن له دور كبير لا يستهان به في احداث الحراك و التغيير التراكمي في أمور شتى .. و بفضل نضال النساء على اكثر من صعيد .. استعاد المجتمع الكثير من الحقوق الضائعة
و اسهمت الدراما و الكتابة الجيدة التي تصدت لها المرأة بذاتها - و الراحلة الكبيرة ( حسن شاه ) - نموذجاً واضحاً على ذلك ففيلم ( اريد حلا ) كان له دور لا يستهان به في تعديل قانون الاحوال الشخصية و غيرها ايضا من الكاتبات سواء من جيل المؤسسين او جيل الوسط او الجيل الحالي الى جانب الدراما التي نسجها رجال لصالح قضايا انسانية و قضايا تخص المراة
فقضايا المرأة تندرج تحت مظلة حقوق الانسان و لا أميل لمصطلح (النسوية )
و حقوق المرأة و افضل تسميتها و اعتبارها حقوق للانسان ..وكما كان ل ( فاتن امل حربي ) أثر كبير في دراما رمضان ٢٠٢٢
فل ( نادرة ) -التي تراها حماتها ( سكينة ) الكهينة ( قادرة ) - دور كبير في القاء الضوء على أزمة بل أزمات نساء الصعيد و العادات البالية المقيتة التي تحرم المرأة من ميراثها بسبب الهوس بفكرة الطين و الارض و العائلة و العزوة و تفضيل البنين على البنات في العموم و ان المرأة التي لا تنجب كالارض البور فتلجأ النساء للحيل و ربما ترتكب جريمة في حق نفسها و جنينها و معصية في سبيل الانجاب .. فالنساء كانت تذهب للمعبد لتنجب كما شاهدنا ما حدث لفرحة بنت حزينة في فيلم ( الطوق و الاسورة ) عن قصة العبقري ( يحيى الطاهر عبدالله ) و قامت زوجة أحد أبناء كبير النجع ( عبدالجبار ) بهذا الفعل الشنيع لارضاء من حولها و لتشعر انها كبقية النساء و قامت بدور ( ) بإقتدار و نضج فني كان مفاجأة بالنسبة للمشاهدين ( مريم الخشت ) زوجة ( علاء ) المتصوف المتخبط ما بين اللين و القسوة ..ما بين الغواية بكل انواعها و منها غواية السلطة و بين حالة الوجد و الاحساس بالذنب و التي تغلب عليه في نهاية الامر و الدكتورة ( أونس ) التي تمردت ك( نادرة ) على كل انواع الظلم و رفضته و قاومته و تعرضت للتعنيف الجسدي
فمسلسل ( عملة نادرة ) و هو انتاج مشترك بين ( المتحدة ) و ( العدل جروب ) وضع أياديه بمهارة جراح على جروح و علات اشتهر بها صعيد مصر تخص المرأة ( الانسان ) و تخص الظلم عموما في نواحٍ شتى .. منها ( الطبقية ) التي تظلل على فكر العامة و تصنف الناس لفريقين ( أسياد و خدام ) في حين ان هنالك ظالم و مظلوم
ناهينا عن قضايا السلاح العشوائي و مطاريد الجبل و تجارة الاثار بل
و التجار بالله و تفشي الاصولية في صعيد مصر و غسل أدمغة المراهقين و بالطبع كل ما سبق من عادات و تقاليد تمنح شرعية للتطرف و تحضر التربة لينمو فيها الارهاب و القتل و بالطبع الازدواجية التي يعاني منها غالبية الرجال ممن يعتقدون ان للدين نقرة تختلف عن الاخرى
و ان الرجل ليس من حقه التعدد فقط بل من حقه اقامة علاقات مع النساء في حين ان فكرة العرض و الشرف و ثقافة الثأر تحاصر المرأة و يتذكره الرجال دوما عندما يتعلق الامر بالنساء و تطارد النساء الظنون و الشكوك و يتم الطعن في أعراضهن بمنتهى البساطة ان شوهدت سيدة مع رجل
هذا الى جانب العنف الذي يمارسه الرجل ضد المرأة كأمر طبيعي و عادي يمارس بمنتهى البساطة و الاريحية و اعتياد النساء على ذلك و تقبله بصدر رحب !
فزوجة ( علاء ) تعرضت للضرب المبرح من زوجها لشكه فيها بعد وشاية عشيقته بها !
و في مشهد لاحق نراها تتحدث معه بمنتهى النعومة و الرومانسية و كأن شيئا لم يكن و لم تحرك هي ساكنًا و كانه أمراً عادياً و مقبولا و معتاداً و هذا نوع من التواطؤ مع العنف و مع فكرة ان للرجل الحق في ارتكاب جرائم و رغم ذلك يصلي و يقرأ القرآن و يوصف بانه رجل صالح تقي وورع ! و انبطاح المعتدى عليها و كأن الاعتداء الجسدي على النساء امراً عادياً رغم مرارته و انه جرم و ذنب لا يغتفر و يتكرر مشهد الضرب في العمل فيضرب ( عبدالجبار ) ابنته ( أونس ) و يكاد يحرمها من العمل و هي طبيبة في مستشفى الاقصر العام لانها التقطت لها صورة مع شاب تقدم لخطبتها و رفضه .. فالحب و المشاعر الرومانسية و العلاقات الغرامية و الاختلاط بين الرجال و النساء امور مازال الريف و الصعيد يرفضها و مازالت قضايا الثأر تخيم على ثقافة المكان و للمرأة حظ وفير منها و كانها ليست جرائم و كأننا مازلنا نعيش مأساة ( شفيقة و متولي ) و غيرها من الجرائم التي يبرر لها بالتقاليد و العادات و تصبح أمور مسلم بها و بالتالي طرحها في الاعمال الدرامية ضرورة لا رفاهية ..وتناقصت قضايا الثأر في العموم مقارنة بما كان .. و للفن دور كبير في ذلك
و كما فعلت (فاتن امل حربي ) و القت الضوء على العوار في قانون الاحوال الشخصية و أمور النفقة و الولاية و حق الرؤية و التطرق لمظلومية المرأة المعيلة و المعنفة و بطىء إجراءات التقاضي و ثغرات و ألاعيب المحامين تلقي ( نادرة ) بنت الصعيد. الضوء على مشاكل المرأة في الصعيد و الاعراف التي تخالف الشرائع و تحرم عليها أخذ إرثها من الاراضي و الاطيان و ان على شقيق الزوج المتوفي ان يتزوج من أرملته كي لا يذهب ولد المتوفي و ارملته لرجل غريب ! فهكذا يحجرون على الاناث ..يحجرون على حاضرهم و مستقبلهم و لا يزوجون بناتهم ممن يعتبرونهم اغراب (من خارج النجع) الى جانب الطبقية التي اشرت اليها و ثقافة العين التي لا تعلو على الحاجب و التي مورست على الصحفي الذي ينحدر من اسرة بسيطة و تتم معايرته بأنه ابن للكلاف و ان ليس من حقه انتقاد اسياده او الاقتراب منهم كأنهم اللاممسوسون
و بالطبع لا يستطيع مصاهرتهم و لا يجرؤ على البوح بحبه لابنة الاكابر و الاعيان و كأننا عدنا لعهد الملكية و زمن الباشا و ابن الجنايني بل و كأن الثورات التي مرت بالبلاد لم تغير شي من ثقافة الصعيد و تقاليده العصية البالية
فالمشكلات لم تتغير رغم ان الزمن تغير و الحراك بطيئاً لكنه ليس مستحيلا و الدراما و الفن حتماً من محركات التغير و إثارة الوعي و لهما دور لا يستهان به و سنرى ما ستفعله ( نادرة ) التي اضطرت للزواج من رجل الجبل ليحميها من بطش ( عبدالجبار ) كي تسترد حقها الشرعي في ميراثها من زوجها المتوفي و كيف ستكون نهاية ( عبدالجبار ) فكل ليل اخره نهار و للظلم يوم معلوم ترد فيه المظالم و للمرأة حقوق لن تضيع طالما وراءها من يطالب و من يبدع .