أسبو ع الآلام
أيام البركة والصلاة.. «الدستور» بين باعة «السعف»: نشتريه من الصعيد.. ونصنع منه «صلبان» و«فوانيس رمضان»
- يتوافد المسيحيون وهم يحملون سعف النخيل على الكنائس بدءًا من الساعة السادسة صباحًا، ليشاركوا فى الدورة الكنسية.
- تتكون الدورة الكنسية من ١٢ محطة، يُقرأ خلالها ١٢ مقطعًا من مقاطع الإنجيل، تتحدث عن ذكرى دخول السيد المسيح إلى أورشليم.
- يتذكر الأقباط خلال الاحتفال ثورة المسيح العارمة تجاه إهانة بيت الله والهيكل على يد الباعة الجائلين والصيارفة الذين احتلوا الهيكل ليصنعوا رواجًا تجاريًا.
- كانت تقام القداسات ويرفع البخور فى أسبوع الآلام قبل البابا خرستوذولوس، البابا الـ٦٦ للكنيسة، ولكن حين جاء البابا خرستوذولوس منع القداسات ورفع البخور خلال هذا الأسبوع.
- البابا خرستوذولوس أقر إقامة صلوات المتوفين فى أسبوع الآلام، دون رفع البخور، كما أقر أن من يتنيح فى أسبوع الآلام يرش بالماء فقط.
يحتفل ملايين المسيحيين بـ«أحد الشعانين»، اليوم، كتذكار لدخول السيد المسيح الأراضى المقدسة قبل ٢٠٠٠ عام، حيث خرج أهل مدينة أورشليم جميعهم لاستقباله، فى موكب ملكى شعبى تاريخى.
وتحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بـ«أحد الشعانين»، اليوم الأحد الموافق ٩ أبريل، وهو الأحد السابع من «الصوم الكبير» الذى يصومه الأقباط الأرثوذكس على مدار ٥٥ يومًا متتالية، يليه «أسبوع الآلام»، الذى يُختتم بـ«الجمعة الحزينة أو العظيمة»، ثم «سبت النور» و«أحد القيامة».
ويعتبر «السعف» أحد أبرز مظاهر الاحتفال بـ«أحد الشعانين». وبهذه المناسبة التقت «الدستور» مع عدد من الباعة، للحديث عن أسرار الحرفة، ومصدر الجريد، والأشكال التى يصنعونها فى العيد.
ميلاد وصليب: ورثنا المهنة.. وفرحة الأطفال أكبر من أى مكسب مادى
حول إحدى كبرى كنائس شرق القاهرة، كنيسة «السيدة العذراء مريم والبابا أثناسيوس الرسولى» فى مدينة نصر، تجمع عدد كبير من بائعى سعف النخيل الذين افترشوا الأرصفة أمام الكنيسة منذ مساء الخميس ٦ أبريل.
جاءوا من الصعيد خصيصًا، بسيارات نقل محملة بجريد النخل، قاطعين مئات الكيلومترات بهدف مشاركة أقباط القاهرة بفرحة العيد من خلال تلك الحرفة التى توارثوها عن أجدادهم، وباحثين أيضًا عن رزق طيب فى هذه الأيام المباركة.
وقال ميلاد عيد، بائع سعف يبلغ ٣٤ عامًا: «نأتى كل عام خصيصًا من ملوى فى محافظة المنيا كى نحضر السعف من مزارع النخيل، فالسعف الذى نبحث عنه لنجدل منه الأشكال المختلفة يأتى من قلب النخلة، والنخلة الواحدة يُقطع منها من ٢ إلى ٤ جريدات من القلب».
وأضاف «عيد»: «النخيل متوفر فى الصعيد بكثرة، حيث يتوافد الآلاف من جميع المحافظات فى مصر إلى الأماكن الغنية بالنخيل فى وجه قبلى، لجلب كميات كبيرة تغطى احتياجات الاحتفالات فى كل مكان».
وواصل «عيد»: «اشتريت ٤٠٠ جريدة من أكثر من تاجر، وسعر الواحدة ١٠ جنيهات، لتكون التكلفة الإجمالية للسعف ٤ آلاف جنيه ترتفع إلى ٥ بحساب تكلفة الشحن والنقل من الصعيد إلى القاهرة».
وعن فكرة العمل فى جدل السعف، قال إنه تعلم هذه المهارة من والده، الذى يهوى تجديل السعف منذ أكثر من ٤٠ عامًا، مضيفًا: «أنا أستمتع بهذا العمل ولا أعتبره مصدرًا للكسب فقط، ومنذ طفولتى كنت أنتظر ليلة أحد الشعانين كى أرى أبى بكل شغف وهو يضفر السعف بأشكاله المختلفة حتى تشربت منه الصنعة، واليوم أتممت ١٥ عامًا فى هذا العمل، ومعى ابنى (كيرلس) بعمر ٦ سنوات يحاول تقليدى وكأنها قصة لا تنتهى».
وأضاف: «لا أنكر أننا نجنى أرباحًا جيدة من بيع السعف، لكننا نفرح أكثر لأننا نشارك فى رسم البسمة على وجوه الكبار والصغار خلال الاحتفال بالعيد، ونسهر على مدار ٣ أيام قبل العيد لنحرس البضاعة».
وبَين أن عملية «تجديل» السعف تحتاج إلى أعصاب قوية ودقة متناهية، لأنه لا مجال للخطأ ولو بأى نسبة، فأى خطأ من شأنه أن يفسد السعفة لنبدأ العمل بالكامل من جديد.
ويقف بجانب ميلاد شقيقه «صليب» وهو شريكه فى العمل، الذى قال إننا نصنع عدة أشكال مثل «الكوباية» و«المطرحة» و«المبروم» على شكل قلب، إلى جانب الحمير والخواتم والتيجان.
وأضاف: «بمناسبة تزامن شهر رمضان الكريم مع احتفالات أحد الشعانين، طرأت إلى ذهنى فكرة عمل فانوس رمضانى من سعف النخل كرمز للوحدة الوطنية، وأهدى أول فانوس أصنعه إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأرجو أن يصله من خلالكم».
الأشقاء الأربعة: تضفير «الصليب» يستغرق 4 ساعات
بجوار فرشة «ميلاد»، توجد فرشة لـ٤ أشقاء، هم: «جرجس» و«بيشوى» و«أنطونيوس» و«فادى»، الذين يعملون جميعًا فى مهنة النحت، ويعيشون فى الصعيد، ويأتون سنويًا للقاهرة، فقط لبيع سعف النخيل فى موسم «أحد الشعانين»، باحثين عن البركة والرزق فى هذه الأيام «المفترجة» كما وصفوها.
وقال «جرجس» الشقيق الأكبر: «جئنا هذا العام بـ١٥٠٠ جريدة نخل، وبدأنا العمل مساء أمس الأول، بتضفير السعف وتحويله لأشكال وأحجام مختلفة»، مضيفًا: «أبيع سنويًا كل الكمية التى نأتى بها، وكذلك كل البائعين الذين يجلسون حول الكنيسة.. ينتهى الأمر بسعادة للجميع».
وعن طقوس إحضار السعف من الصعيد للقاهرة، قال «بيشوى»: «نشترى السعف من الصعيد قبل أحد الشعانين بأسبوعين، ونخزنه فى منازلنا، فى أماكن رطبة داخل شكائر من الخضرة، مثل البرسيم، يجرى تجهيزها خصيصًا، لأن السعف يجف سريعًا فى الهواء، لذلك يجب تغطيته بشكل جيد بالبطاطين أو السجاجيد».
وأضاف: «نظل نعمل هنا فى فرشتنا من مساء الخميس إلى ظهر يوم أحد الشعانين، نبيت الليل أمام الكنيسة ولا نبرح المكان حتى ينتهى الموسم، وعلى مدار اليومين ونصف اليوم، نجدل سعف النخل لبيعه للمصلين الذين يحرصون على شرائه منا واصطحابه معهم للاحتفال به داخل الكنيسة».
أما «فادى»، شقيقهم الأصغر، فهو المسئول عن البيع، رغم أنه لا يزال طفلًا، ويتفاءل إخوته بوجوده معهم دائمًا، قائلين إنهم يرزقون لأجله.
وقال «فادى»: «أبيع العديد من الأشكال، منها التاج بـ١٥ جنيهًا، والكوباية بـ٣٠ جنيهًا، والصليب بـ٤٠ جنيهًا»، مشيرًا إلى أن تسعير السعف المجدول يعتمد على الوقت الذى نستغرقه فى التضفير؛ فـ«الصليب» على سبيل المثال يستغرق من ساعتين إلى ٣ ساعات، بينما يستغرق «التاج» ١٠ دقائق.
مكارى: اشترينا 1000 جريدة نخل لتضفيرها على هيئة الرموز الدينية
انتقلنا من فرشة الأشقاء الأربعة إلى فرشة مجاورة، لأسرة مكونة من ٥ أفراد يعملون جميعًا فلاحين فى محافظة الشرقية، بعد أن اشترت الأسرة ١٠٠٠ جريدة نخل لتضفيرها وبيعها فى «أحد الشعانين». وقال كبير الأسرة ويدعى «مكارى»، إن «تضفير» السعفة الواحدة يمكن أن يحتاج لبضع دقائق وقد يمتد إلى ساعتين، وفقًا لنوعية الشكل المطلوب ومهارة من يجدل السعفة، مشيرًا إلى أن الأسرة تستطيع تصنيع العديد من الأشكال التى يطلبها المشترون.
وأضاف «مكارى»: «العمل فى تجديل السعف يحتاج للصبر، خاصة أنه لا يمكن تجديل الكثير من السعف وانتظار المشترى، لأن السعف يجف سريعًا، لذا يجب تضفير السعفة أولًا بأول وفقًا للطلب». وأشار إلى أن الأسرة فى أحد السعف تبيع بعض الأشياء الأخرى المرتبطة بالرموز الدينية، أو تجدل السعف ليحمل معانى معينة، موضحًا: «نضفر بعض السعف على هيئة (الجحش)، لأن المسيح دخل مدينة أورشليم جالسًا على (جحشٍ)، كما نصنع منه التاج، كرمز لتاج الشوك الذى وضعه الجنود الرومان على رأس المسيح يوم الجمعة الحزينة، وكذلك سنابل القمح، المستوحاة من حلم يوسف الصديق، التى تشير لسنوات الشبع السبع، التى صارت رمزًا للخير والبركة، يعلقه المصريون فى منازلهم منذ القدم».