الزراعة فى «مصر الجديدة»
حين سأل الدكتور إبراهيم مجدى حسين، أستاذ المخ والأعصاب، أصدقاءه على صفحته بالفيسبوك: ماذا كنت تتمنى أن تعمل إن لم تكن تعمل بمهنتك الحالية؟ ونفس السؤال سألته لى مؤخرًا مذيعة التليفزيون فى أحد البرامج، كانت إجابتى واحدة عن السؤالين، وهى أننى كنت أتمنى أن أعمل مزارعًا أو فلاحًا فى أرضى، فمحلاها عيشة الفلاح حقًا، وما أحلى أن تعمل فى مهنة لا تتوقف آثارها عند شىء محدد ومحدود، فالخير كله فى الزراعة وما يتصل بها من صناعات قد لا تتوقف عند المواد الغذائية بل تمتد لكل تفصيلة فى حياتنا.
والزراعة فى مصر ذكرها الله سبحانه بقوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) سورة البقرة.
هذه الأرض الطيبة لنا فيها ما نسأل من خير وللبشرية جميعًا لهم فيها ما يسألون بقول رب العزة سبحانة وتعالى، ومع عصور الفشل والإهمال تعرضت أرضنا الزراعية للتآكل فكانت هى بديل الفلاح عن غياب دور الدولة، حولها الفلاح إلى مسكن له ولأبنائه فتآكل من أرض مصر قرابة مليون ونصف فدان.
كنا نرى تآكل أرضنا الزراعية بطول الطريق الزراعى من الجيزة إلى أسوان بامتداد محافظات الصعيد واكتسحت المبانى الخرسانية مدن وقرى محافظات الدلتا، حتى جاءت ثورة 30 يونيو فأوقفت العبث بأرضنا الزراعية بإصدار عدة قوانين غلظت من عقوبة التعدى على الأراضى الزراعية وأوجبت الحبس والغرامة التى تصل إلى خمسة ملايين جنيه لمن يعتدى على الأرض الزراعية.
لم تكتف الدولة بتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى عند وقف التعدى على الأراضى الزراعية والحفاظ عليها ، ولكن رؤية الدولة ورؤية الرئيس امتدت لما هو أبعد بكثير، فكانت الخطط القومية للنهوض بالزراعة وهى تزيد على 50 خطة قومية قد يصعب على أى باحث الإلمام بها جميعًا، فهى شديدة التخصص وكثيرة الأرقام.
فمنها على سبيل المثال 320 مشروعًا زراعيًا بتكلفة 420 مليار جنيه، واستصلاح 3 ملايين فدان تستهدفها المشروعات القومية للتنمية الزراعية فى الأراضى الجديدة، إلى جانب مشروع توشكى الخير بجنوب الوادى، ومشروع الدلتا الجديدة الذى يعد أضخم مشروع استصلاح فى العالم بتكلفة مبدئية 300 مليار جنيه ومعهم 350 ألف فدان فى مشروع «مستقبل مصر نواة الدلتا الجديدة».
كل ذلك إلى جانب مشروع تنمية الريف المصرى لاستصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان.
وتستهدف الخطة أيضًا تحقيق الاكتفاء الذاتى من الدواجن والألبان والأسماك إلى جانب 7 محاصيل رئيسية أخرى تحقق الأمن الغذائى.
نتج عن اهتمام الرئيس بقطاع الزراعة زيادة فى الإنتاج الزراعى فقد بلغ حجم الصادرات الزراعية المصرية عام 2022 نحو 5.6 مليون طن، تم تصديرها إلى ما يزيد على 150 دولة حول العالم.
ننتقل ألى نقلة نوعية أخرى استهدفها فخامة الرئيس واستجابت لها أجهزة الدولة وتوافرت لها الاعتمادات المالية بإطلاق المبادرة القومية لتطوير وتحديث منظومة الرى فى مليون فدان من الأراضى الجديدة و3.7 مليون فدان فى الأراضى القديمة، ومعهم المشروع القومى لزراعة 100 ألف فدان صوب زراعية.
كل ما سبق ماهو إلا مقدمة للحديث عن مشروع النهر الصناعى الجديد فهو أحدث مشروع رى تقوم به مصر ويعد معجزة هندسية حقيقية ومحاولة مصرية لترويض الصحراء الغربية لزيادة الرقعة الزراعية التى كانت لا تتجاوز 6% من المساحة الكلية لمصر.
مشروع النهر صناعى، هو الأضخم على مستوى العالم بطول 114 كيلومترًا فى قلب الصحراء لاستغلال مياه الصرف الزراعى والمياه الجوفية والسطحية فى الزراعة بعد معالجتها بمحطة مياه الحمام لإنتاج نحو 10 ملايين متر مكعب من المياه وهو المغذى الرئيسى لمشروع الدلتا الجديدة التى تشمل 2.5 مليون فدان وتوفير نحـو 10 آلاف فرصة عمـل مباشرة وأكثـر مـن 360 ألـف فرصة عمـل غير مباشرة.
إلى جانب الاهتمام بملف الزراعة والرى كان لا بد من الاهتمام بإنتاج الأسمدة التى تلبى احتياجات تلك الأراضى، فشهد إنتاج الأسمدة طفرة غير مسبوقة نذكر منها على سبيل المثال المشروعات الكبرى التى تم إنجازها فى الآونة الأخيرة، بداية من مصنع كيما أسوان لإنتاج الأمونيا ومشروع شركة الدلتا للأسمدة وأبوقير للأسمدة وموبكو لإنتاج اليوريا ومشروع شركة النصر للكيماويات الوسيطة (مجمع العين السخنة)، كما يوجد مشروع شركة الوادى للصناعات الفوسفاتية والأسمدة - أبوطرطور- الوادى الجديد.
كل ما سبق له معنى واحد أن خير أرض مصر ممتد ولن ينقطع إلى يوم الدين، وأن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر زراعة مصر كان بمثابة تعهد ربانى بحفظها وهو سبحانه من ألهم القيادة المصرية بالاهتمام بهذا القطاع الحيوى ليبشرنا بمستقبل أفضل للأجيال الحالية والقادمة إن شاء الله.