تشارلز خارج بريطانيا!
أخيرًا، خرج الملك تشارلز الثالث من بريطانيا، لأول مرة، منذ اعتلائه العرش، وذهب إلى العاصمة الألمانية برلين، التى كان من المفترض أن تكون هى ثالث محطاته الخارجية، لولا الأزمات الداخلية، الاقتصادية، التاريخية، أو النفسية، التى منعته من المجىء إلى شرم الشيخ للمشاركة فى قمة المناخ، ولو لم ترفض باريس استقباله، بعد أن شهدت فرنسا أسوأ أعمال عنف، منذ بداية المظاهرات الرافضة لرفع سن التقاعد.
بسلامة الله، هبطت الطائرة البيضاء، التى تحمل علم المملكة المتحدة، أمس الأول الأربعاء، فى مطار برلين الدولى، وتوقفت فى جراج المنطقة العسكرية بالمطار، حيث تم بسط سجادة حمراء أسفل السلم. وبعد أن استقبلهما رئيس البروتوكول الألمانى والسفير البريطانى فى ألمانيا، توجه الملك وزوجته إلى بوابة «براندنبورج» بوسط برلين، حيث استقبلهما الرئيس الألمانى فرانك- فالتر شتاينماير وزوجته، فى سابقة لم تحدث مع أى ضيف من قبل، بسلام حرس الشرف العسكرى، تحت أقدام الخيول الأربعة، التى تعتلى تلك البوابة، التى كانت شاهدة على انقسام المدينة، طوال ثلاثة عقود، ثم صارت رمزًا لوحدة ألمانيا.
مع عشرات الكلاب المدربة على كشف المتفجرات، انتشر كل عناصر شرطة المنطقة، البالغ عددهم ١١٠٠، مع تعزيزات من مناطق أخرى، وتم إغلاق بعض الطرقات الرئيسية أمام حركة السير فى وسط العاصمة. وعقب الاستقبال، توجّه الملك إلى القصر الرئاسى حيث أقيم حفل استقبال. وأمس الخميس، أجرى محادثات مع المستشار الألمانى أولاف شولتس، وتنزه مع رئيس بلدية العاصمة، وألقى خطابًا فى مجلس النواب، والتقى لاجئين أوكرانيين. واليوم، الجمعة، تنتهى زيارة الزوجَين، فى هامبورج، ثانى أكبر مدن ألمانيا.
تقاتل البلدان فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبين ١٩٤٥ و١٩٥٠ قامت بريطانيا باحتلال ألمانيا الغربية. وبدأت المصالحة بينهما، بدأت بزيارة الملكة إليزابيث الثانية لبرلين، سنة ١٩٦٥، عندما كان الجدار يفصل بين شطريها. ثم تزايدت التوترات بين البلدين منذ أن قررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبى، بعد تحسن طفيف أعقب زيارة الملكة الأخيرة لألمانيا، سنة ٢٠١٥. وفى كل الأحوال، لم تكن هناك، تقريبًا، توافقات بين البلدين، إلا بشأن الطريقة التى يتعين بها على الاتحاد الأوروبى التعامل مع باقى دول العالم!.
لم تكن صدفة، إذن، أن تبدأ زيارة تشارلز فى اليوم نفسه، ٢٩ مارس، الذى سلم فيه السفير البريطانى لدى الاتحاد الأوروبى، سنة ٢٠١٧، إخطار انسحاب بلاده من الاتحاد إلى رئيس المجلس الأوروبى. وعليه، وصف الرئيس الألمانى الزيارة بأنها «بادرة أوروبية مهمة»، موضحًا أن البلدين «يفتحان صفحة جديدة فى علاقاتهما» بالتزامن مع مرور ست سنوات على إطلاق بريطانيا إجراءات خروجها من الاتحاد. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن «شتاينماير» كان وزيرًا للخارجية، فى ٤ نوفمبر ٢٠١٦، حين التقى نظيره البريطانى، بوريس جونسون، رئيس الوزراء لاحقًا، وأوضح له أنه لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى قبل إخطار الاتحاد، رسميًا، بذلك.
للصحفى الألمانى فيليب أولترمان، الذى يعمل بجريدة الجارديان البريطانية، كتاب عنوانه «مجاراة الألمان... تاريخ المواجهات الأنجلو ألمانية»، صدر سنة ٢٠١٢، مزج فيه تجربته الشخصية فى بريطانيا، بالمواجهات، أو الصراعات، الشهيرة بين القادة البريطانيين والألمان، كتلك التى كانت بين مارجريت تاتشر وهيلموت كول، واستعرض من خلال هذا المزج مواقف البلدين المتباينة حول كل شىء تقريبًا، بدءًا من اللغة والسياسات، الداخلية والخارجية، وحتى الرياضة، قبل أن يشير إلى أن بريطانيا تغيرت كثيرًا، عما كانت عليه فى ستينيات القرن الماضى، وأن نفورها من الألمان تحول إلى نوع من اللامبالاة تجاههم. بينما رأى أن عيوبًا عميقة فى النفسية القومية الألمانية، تسرّبت إليها من الماضى، وتحتاج إلى علاج!.
.. ولا يبقى غير أن تضحك قليلًا، أو كثيرًا، حين تجد «وكالة الأنباء الفرنسية» تنقل عن مايكل هارتمان، عالم الاجتماع فى جامعة دامشتات أن «الألمان من كبار مؤيدى العائلة المالكة البريطانية» وأن «اهتمامهم الكبير بها لم يتلاش حتى بعد وفاة الملكة إليزابيث التى كانت تتمتع بشعبية كبيرة»!.