رمضان النجوم.. فاتن حمامة تروى حكاية «الخروف والصيام» (5)
في عددها الصادر بتاريخ 7 مارس 1961، روت الفنانة فاتن حمامة لمجلة الكواكب فلسفتها عن الصوم وكيف ترى حكمته، حيث تقول في مستهل حديثها: «إن حكمة الصوم عندي ليست في أن أحس بالجوع فقط، وإنما في أن أتسامح وأروض النفس على احتمال المتاعب، ولو كانت من هذا النوع الذي سأرويه لكم في هذه القصة».
وأضافت: «ذات رمضان مضي، وفي صباح شديد الحرارة، قررت أن أسافر إلى الإسكندرية، ركبت سيارتي وانطلق بي السائق هادئًا مبسوطًا حتى أصبحنا عند مدخل الطريق الصحراوي، وفجأة انقلب هدوء السائق إلى ضيق، فقد بدأت متاعب القيادة مع بداية المضايقات على أسفلت الطريق الصحراوي، وأمامنا عربة يركبها مجموعة من الشبان المشاكسين الذين يحلو لهم أن يحولوا بين العربات الهلفية وبين المرور، ورأيت سائقي يحاول أن يفلت منهم بعد أن فشل بوق السيارة في تنبيههم، ولكني قلت له بهدوء: علي مهلك يا أسطي، معلهش الدنيا صيام».
شبان مشاكسون يطاردون سيارة فاتن حمامة
وتابعت: «واستطعنا بعد قليل أن نتغلب بالصبر والتأني علي عبث الشبان، ومررنا وليتنا بقينا كما نحن، لقد أصبحنا خلف عربة لوري ضخمة مليئة بقطيع من الخرفان، وكان السائق ــ أجارك الله ــ من مثل هؤلاء السائقين ــ عنيدًا، كان يجري بالسيارة وفجأة يهدئ من سرعتها ثم يوقفها، حتى كدنا أن نصطدم به أكثر من مرة، وسائقي صامت لا يتكلم، لقد قلت له: "معلهش.. الدنيا صيام" وراح يضغط على أعصابه عملًا بنصيحتي، واللوري من أمامنا يشاكسنا، وضايقنا، وفي إحدى الحركات الجنونية التي يأتيها سائق اللوري، سقط "خروف" على الأرض، ولاحظت أن الدماء بدأت تنتزف منه، فأوقفت السائق وحصلنا على الخروف ثم قلت له: "بسرعة، حاول أن تدرك اللوري حتي يلحق به "الخروف"، وراح سائقي يلتهم الطريق، حتي لحقنا باللوري، ومن عجب أن سائق اللوري لم يكد ينتبه لنا حتى بدأ يعاكسنا من جديد».
وهكذا عاد الخروف لصاحبه
وتختتم «حمامة»: باختصار استطاع سائقي ببراعة أن يتجاوزه، وأن "يربط" أمامه واقفًا، وقال له سائق اللوري هائجًا ثائرًا: عايز أيه يا جدع أنت؟ ورد عليه سائقي: فيه خروف وقع منك، ومرة أخرى رد عليه السائق المشاكس: "طيب وأنت مالك يا أخي؟ وكاد سائقي أن يهجم عليه لولا أن صرخت فيه قائلة: «لا.. لا يا أوسطيى.. الدنيا صيام»، وهدأ غضب سائقي، وناول الخروف لسائق اللوري، ثم ركب كل منا سيارته، بعد أن تصافح سائقي مع سائق اللوري، وحين تعمد سائقي أن يتأخر بعربتنا قليلًا، وأبطأ اللوري هو الآخر من خلفنا وكأنه لا يريد أن يسبقنا، وهنا تطلع السائق إلى وجهي فى المرآة التي أمامه قائلًا: «عندك حق يا مدام .. الدنيا صيام صحيح».