«مسيحيون عن شهر رمضان 3».. فيفيان سمير: جمعتنا فوازيره وسحر ألف ليلة وليلة
فرض المصريون طقوسهم الحياتية والتفاعلية مع رمضان لتتحول إلى عرف، فالبداية مع “الفوانيس” التى تعلق أمام المحال التجارية والدوواين والبيوت والدكاكين وصولا للشقق، تتبعها الزينة بالخيامية، وصولا إلى “موائد الرحمن” التي لا تخلو حارة ولا شارع منها.
وفي ظل ذلك الزخم الذي يُثريه الشهر الكريم، يقدم “الدستور” مجموعة حلقات حول شهادات المبدعين المسيحيين عن طقوسهم الإبداعية وكيف يتشاركون الاحتفال بشهر يحمل خصوصية دينية لكن لم تمنع المصريين أن يصنعوا ما يجاور تلك الخصوصية المتعلقة برمضان كشعيرة دينية بخصوصية إبداعية واجتماعية .
قالت الكاتبة الروائية والقاصة فيفيان سمير: بمجرد أن يبدأ الحديث عن قرب حلول شهر رمضان تتدفق داخلي مشاعر وذكريات خاصة جدًا، تتصاعد وتيرتها وتتزاحم كلما اقتربنا من الشهر الكريم لتمتلكني تمامًا مع ليلة الرؤية وأول سحور، أغرق بكليتي بطقوس رمضان الذي عهدته بثمانينات وتسعينات القرن الماضي بأحد شوارع حي حدائق القبة.
وتابعت سمير: "بمجرد إعلان الرؤية تدق جرس الباب، أعرف جيدًا من القادم، إنهم جيراننا الذين بمثل أعمارنا، أنا وأخي، وأخوتهم الذين يكبروننا قليلًا، فقد حان موعد البهجة لنتشارك بمد أفرع الزينة بين شرفات منزلنا وشرفات منزلهم المواجه لنا، ونضيء الفانوس الملون الكبير أمام منزلنا، وقد أمتلأ الشارع بأصوات الأطفال وهم يغنون ويحملون الفوانيس الصغيرة محولين الليل الساكن، عادة، إلى نهار تكلله الفرحة والحركة التي لا تهدأ في تلك الليلة.
يسارع الكبار لشراء الزبادي والبيض ويصدح صوت عم محمود، بائع الفول الذي يجوب شوارع الحي، مناديًا على بضاعته من "الفول الجواهر والبليلة السخنة" فتطل السيدات من النوافذ والشرفات، وكأنه موعد متفق عليه للتهنئة بالشهر الكريم بين الجارات، التي تُدلي كلًا منهن "السَبت" ليضع عم محمود أطباق وعلب الفول والبليلة قبل ظاهرة الأكياس، وتمتد إليه الأيادي الصغيرة حاملة الأطباق والقروش القليلة في مظاهرة للحصول على سيد مائدة السحور لثلاثين ليلة. ويظل الليل مستيقظًا، بأصوات الأغاني الرمضانية والتهنئة المتبادلة بين المارة بالشارع بصوت متهلل مرتفع، حتى صلاة الفجر.
ومع الصباح تهدأ الحركة ولكن كل شيء يخبرك أنك برمضان، واجهات المحال المزينة، بائعي المشروبات الرمضانية والمخللات الذين يفترشون الأرصفة أمام محلاتهم، وخيم الكنافة والقطائف المنصوبة أمام الأفران، وعند نهاية النهار تزدحم الشوارع بالبشر الذين يهرولون للعودة لمنازلهم في وقت واحد تقريبًا قبل موعد الإفطار، وهناك بعض الواقفين على جانبي الطريق يناولون من يؤذن عليهم المغرب وهم بالطريق بعض حبات البلح وأكواب العصائر.
ولفتت سمير "مع اقتراب موعد أذان المغرب لأول يوم من أيام الصوم يدخل أبي حاملًا لفائف الكنافة والقطائف، ليحل دور أمي في إعدادها ونحن ندور حولها في احتفالية صاخبة استعدادًا لالتهام ما يتم تسويته، وكأنها لا تصنع الحلوى إلا في ذلك الوقت فقط، والحقيقة أن الكنافة والقطائف في ذلك الوقت بالذات يكون حقًا لها طعم مختلف يصاحبه إحساس مختلف، فتنهرنا أمي في حزم "مفيش حلويات غير بعد الأكل هجبهالكم قدام التلفزيون". نهرول إلى التلفزيون مع موعد الإفطار للحاق بمسلسل الأطفال "بوجي وطمطم"، وقد كان حينها التليفزيون المصري مقتصراً على ثلاث قنوات فقط قبل غزو القنوات الفضائية. بعد صلاة العشاء تطل علينا نيللي أو شريهان بفقرة الفوازير يليها مسلسل ألف ليلة وليلة بعالمه المسحور وحواديته يصاحبه الصوت المميز للفنانة زوزو نبيل، يليه مسلسل أو أثنين على الثلاث قنوات وبعض برامج المسابقات والمقالب خفيفة الظل.
وأشارت صاحبة "لحظات تانجو: إلى أن كان التلفزيون يتألق كمًا وكيفًا، بمقياس ذلك الزمن، فما يقدمه تسري به روح رمضان التي تميز تلك الأيام وارتبطت بوجداننا بذلك الشهر لتدرك أنه رمضان، ومع الحرص بشغف على متابعة أغلب ما يقدمه التليفزيون تكتمل المتعة بتناول كميات من الحلوى الرمضانية، يصاحبها مراسم إرسال واستقبال الأطباق الحائرة من الحلويات الشرقية بيننا وبين جيراننا والتي تستمر طوال الشهر، لتترك مكانها في نهاية الشهر لأطباق الكحك والبتيفور والبسكويت مع حلول العيد.
وتختم صاحبة “فراشات المقهي” حتى أصدقك القول عزيزي القارئ لم يعد رمضان كما كان، ولم يبقى من طقوسه القديمة إلا الشيء اليسير الذي مازلنا نتشبث به، لكنه مازال يثير شجون الماضي ويحيي الحنين لزمن كان أبسط وأقل بكثير في الإمكانيات والاختيارات، لكنه أكثر بهجة ولعله أكثر تقوى وإيمان خالي من المظاهر الزائفة، وله من جوهر الصوم والصلاة نصيب أكبر.