بعد قصف القاعدة العسكرية.. لماذا تحولت آليات التصعيد الأمريكى فى سوريا؟
قال الدكتور محمد كمال الجفا، المحلل السياسي السوري والخبير العسكري، إن أسباب التصعيد بين أمريكا وإيران في سوريا والتسخين الذي تشهده جبهات شمال شرق سوريا ليس وليد الصدفة وإنما نتيجة تراكمات مستمرة واستفزازات متراكمة منذ عدة سنوات ونتيجة هجمات دامية ومميتة قامت بها الطائرات الأمريكية ضد مواقع للجيش السوري ولحلفائه في عدد من النقاط العسكرية على امتداد خطوط التماس على ضفتي نهر الفرات وقرب الحدود السورية العراقية.
وأضاف "الجفا" في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن القوات السورية تحملت واستوعبت مع حلفائها عشرات الهجمات ولسنوات عديدة إن كان مع العدو الإسرائيلي أو من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ودفعت أثمانًا باهظة في العتاد والسلاح والأفراد وكانت التعليمات بعدم الرد أو تقييد الرد ما أمكن وتحمل هذه الضربات لأسباب كثيرة منها عدم رغبة الجانب السوري بتوسيع حجم الاعتداءات وأيضًا رغبة روسية بعدم استجرار الجانب الإسرائيلي أو الأمريكي إلى صراع مفتوح، لكن المستجد في هذا الملف هو الموافقة الروسية أو عدم الاعتراض الروسي على أي ردود تقوم بها إيران وسوريا على الاعتداءات الأمريكية وهذا ما شكل نقطة التحول في اتخاذ القرار الإيراني بالرد على كل الاعتداءات الأمريكية وبالتنسيق مع سوريا.
أسباب التحول في المواجهات بسوريا
وأشار الجفا، إلى أن الرد الإيراني كان باستهداف مطار زراعي، يبعد خمسة كيلومترات عن بلدة اليعربية الحدودية مع العراق في أقصى شمال شرق سوريا، حولته قوات الاحتلال الأمريكي إلى مطار عسكري بعد دخولها إلى هذا البلد بدءًا من أواخر عام ٢٠١٤، وتركز عمله كقاعدة لوجستية لقوات الاحتلال بين سوريا والعراق.
وتابع "الجفا"، أن الجديد في قرار الاستهداف لموقع بعيد نسبيًا عن خطوط التماس مع الجيش السوري وحلفائه، ولا يمكن إصابته إلا بصواريخ بعيدة المدى أو مسيرات، لأنه خلال سنوات الاحتلال السابقة تعرض لضربات عدة بصواريخ ١٠٧ أو قذائف هاون، وهي عمليات تنسب إلى المقاومة الشعبية، لكن ضربة الخميس يوم 24 مارس الجاري كانت مختلفة من جوانب عدة وتحمل عدة رسائل.
وأكد الجفا، أن الأمريكيين لم يصرحوا أو يعترفوا بطبيعة الضربة إلا بعد تنفيذ غارات استهدفت مواقع لقوى رديفة في دير الزور أي قوات سورية بتمويل وقيادة إيرانية وقد اعترفت القيادة الأمريكية ببيان صادر عن القيادة المركزية الأمريكية أن القاعدة تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة، وأسفر الهجوم عن مقتل متعاقد مع الجيش الأمريكي وإصابة آخر، إضافة إلى عدد من الجنود الأمريكيين النظاميين أصيبوا بجروح.
وقال الجفا، إن الرد الأمريكي كان مباشرًا، حيث نفذت الطائرات الأمريكية فجر الجمعة، هجمات جوية استهدفت عدة مقرات ومستودعات ونقاط دعم لوجستي للقوات الرديفة وأسفرت عن سقوط شهداء، لكن الرد أيضًا كان مباشرًا عبر ضربات صاروخية استهدفت قاعدتهم المقامة في حقل العمر النفطي شرق مدينة الميادين السورية، وهو ما فسر كرد على الرد ولكن ثمة أسئلة عن رسائل هذه الضربة، خاصة أن الأمريكيين لم يتوقعوها، وهو ما يفسره فتح تحقيق بعدم عمل أنظمة الدفاع الجوي في القاعدة، وكذلك سقوط قتلى وإصابات في صفوف حامية القاعدة غير الشرعية.
وأضاف: "قرار الاستهداف يعني أن زمن الصمت على الاعتداءات الأمريكية والعربدة الإسرائيلية قد انتهى وأن قواعد اشتباك جديدة ربما سيتم ترسيخها في المناطق التي تحتلها الولايات المتحدة الأمريكية وأن لا أمان لأي نقطة أمريكية في سوريا على وجه العموم، وشمال شرق سوريا على وجه الخصوص".
وذكر أن الدور الأمريكي الهدام في دعم التنظيمات الإرهابية والدفع بها الى البادية السورية وخاصة مجموعات تابعة لداعش سيتم الرد عليها بقسوة ودون سابق إنذار ولن يتم التغاضي عن هذه السياسات وأن قواعد الاشتباك السابقة لم تعد صالحة واتخذ قرارًا بتعديلها بما يجبر القوات الأمريكية على وقف استفزازاتها للقوات السورية وحلفائها ووقف دعم المجموعات الإرهاربية وأيضًا يبدو أن قرارًا قد اتخذ بتوسيع هامش المبادرة في استهداف القواعد الأمريكية وبأساليب متنوعة منها المسيرات المتطورة، وضمن هذه الرسالة ثمة مؤشرات على ضرورة نقل الصراع إلى شمال شرق سوريا والتصويب والتوجيه على الوجود الأمريكي غير الشرعي كسبب رئيسي للمعاناة السورية وفي الرسائل أيضًا جاءت الضربة بعد زيارة رئيس الأركان الأمريكي إلى شمال شرق سوريا قبل مدة والتي أعطت مؤشرًا على وجود مخطط لتحركات أمريكية محتملة توسع وجودها ونشاطاتها في سوريا.
وقال "الجفا"، إن تحذير الرئيسي الأمريكي جو بايدن من شن مزيد من الخدمات يدل على خشية واشنطن من تدحرج الأوضاع الأمنية وتمدد ساحة الاشتباكات وتحول القوات الأمريكية من حالة الاستقرار والاسترخاء إلى حالة الاستنفار القصوى وتحولها إلى الأعمال القتالية ورفع درجة الخطورة إلى الحد الأقصى خلافًا لحالة التموضع المريح الذي عاشته خلال السنوات السابقة واقتصار أعمالها على تقديم الدعم اللوجستي لقوات قسد. واشنطن لا تريد الدخول في حرب استنزاف في سوريا ولا تريد أن تصبح الأراضي السورية مصيدة جديدة للقوات الأمريكية لأن عقيدة القتال الأمريكية تحولت من الدخول المباشر في حروب تخوضها القوات الأمريكية إلى حروب عبر الوكالة تنفذها أدواته وميليشياته على الأرض ويقتصر دور الأمريكيين على الدعم اللوجستي والتقني والمالي.
تداعيات استمرار الوجود الأمريكي في سوريا
وأكد الجفا، أن تداعيات استمرار بقاء القوات الأجنبية بشكل غير شرعي في سوريا أثر على وحدة وأمن البلاد وهناك وضوح في أن مرحلة جديدة بدأت وأن استمرار ترك القوات الأمريكية يقوض الأمن والاستقرار في كل المنطقة.
وأوضح أن الوجود الأمريكي هدفه زعزعة الأمن والاستقرار لدول الجوار الأربع لسوريا من خلال مشروع قسد الانفصالي، وبالتالي لا بد من تغيير قواعد الاشتباك مع ما يمكن أن يسببه قرار التصدي لهذه القوات، حيث من الممكن أن يؤدي إلى تداعيات وتطورات تخرج فيها الأمور عن آلية الضربات الاعتيادية ذات الرسائل الموضوعية إلى صراع أوسع وهناك قرار جديد أدخل المنطقة في مرحلة جديدة منذ فجر الخميس عنوانها: "لا حصانة للاحتلال، واللعب على أرضه قد بدأ والقادم أعظم".