تيك توك يُقلق الشرق أيضًا
شوط جديد فى «سباق التسلح الرقمى» خاضته لجنة «الطاقة والتجارة» فى مجلس النواب الأمريكى، باستجوابها، أمس الأول الخميس، شو تشيو، الرئيس التنفيذى لتطبيق «تيك توك»، الذى وصفته النائبة الجمهورية كاثى ماكموريس رودجرز، رئيسة اللجنة، بأنه «أحد أسلحة الحزب الشيوعى الصينى»، وأيدها ٢٩ نائبًا جمهوريًا و٢٣ ديمقراطيًا، هم كل أعضاء اللجنة، الذين توالت أسئلتهم، أو اتهاماتهم، بشأن استخدام التطبيق لأغراض تجسسية أو سياسية، أو تهديده الصحة النفسية والعقلية للأطفال والمراهقين.
تطبيق مقاطع الفيديو القصيرة، المملوك لشركة «بايت دانس» الصينية، يُعد ثانى أكثر مصادر الترفيه مشاهدة فى الولايات المتحدة بعد «نتفليكس»، وكان الأكثر تحميلًا فيها خلال عامى ٢٠٢١ و٢٠٢٢، بحسب شركة «سنسور تاور» الأمريكية لتحليل بيانات منصات التواصل الاجتماعى. ويقدر عدد مستخدميه فى العالم بأكثر من مليار، بينهم ١٥٠ مليون أمريكى، أى حوالى نصف الأمريكيين. وبعد أن أحدث ثورة فى مجال التواصل الاجتماعى، بمقاطعه القصيرة، ومحرك توصياته المتطور، وأصبح منافسًا قويًا لـ«فيسبوك» و«إنستجرام» المملوكين لـ«ميتا بلاتفورمز»، قرّر «تيك توك» مؤخرًا أن ينافس، أيضًا، «يوتيوب» التابع لشركة «جوجل»، بخدمة جديدة، تتيح لمستخدميه وضع مقاطع طويلة تصل مدتها إلى ٢٠ دقيقة.
القلق الغربى من شركات التكنولوجيا الصينية، إجمالًا، ليس جديدًا. وفى مقال عنوانه «سباق التسلح الرقمى»، كنا قد أوضحنا، منذ ثلاث سنوات تقريبًا، أن هذا السباق بات يأخذ أشكالًا أو صورًا متعددة. وتوقفنا عند مصطلح «السيادة الرقمية» الذى يعبر عن قدرة الدولة على تطوير وسائل دفاعية وهجومية للسيطرة على بياناتها وبيانات مواطنيها. كما توقفنا، أيضًا، عند مصطلح «المستعمرات الرقمية» الذى أطلقه الفرنسيون، وهم يعلنون رفضهم لأن تكون دولتهم بين الدول الواقعة تحت الاحتلال الرقمى الأمريكى، أو الصينى.
الجديد، هذه المرة، هو أن القلق الغربى صاحبه، أو سبقه، قلق شرقى أكبر. إذ قامت الهند بحجب «تيك توك» تمامًا فى يونيو ٢٠٢٠، وحظرته باكستان فى أكتوبر التالى، ثم تايوان، إندونيسيا وبنجلاديش، بشكل متقطع. والمفارقة، هى أن الصين نفسها كانت قد أعلنت فى يناير ٢٠١٩، عن اعتزامها تحميل مطورى التطبيق المسئولية عن أى مواد لا تتماشى مع سياسات الحزب الشيوعى الصينى، مثل المحتوى المتعلق باحتجاجات هونج كونج أو استقلال التبت أو مزاعم وجود انتهاكات ضد الأقليات العرقية والدينية أو غيرها!
المهم، هو أن مسئولين بالبيت الأبيض قالوا إن هناك «مخاوف أمنية وطنية مشروعة فيما يتعلق بسلامة البيانات»، وصدرت تحذيرات من «مكتب التحقيقات الفيدرالى»، و«لجنة الاتصالات الفيدرالية»، من أن «بايت دانس» يمكنها مشاركة بيانات المستخدمين مع الحكومة الصينية. وأنذرت إدارة جو بايدن الشركة بأن «تتخلى عن ملكيتها الصينية؛ وإلا فستواجه حظرًا تامًا فى الولايات المتحدة». مع ملاحظة أن شركة «مايكروسوفت» الأمريكية، التى تمتلك تطبيق لينكدإن، كانت قد أكدت فى أغسطس ٢٠٢٠، أنها تجرى مفاوضات للاستحواذ على تيك توك وعملياتها، أو أنشطتها فى الولايات المتحدة و٣ أسواق أخرى.
قبل هذه التصريحات، التحذيرات أو الإنذارات، منعت الولايات المتحدة استخدام التطبيق على التليفونات والأجهزة الحكومية، فى ديسمبر الماضى، وتبعتها المفوضية الأوروبية، فى فبراير، ثم بريطانيا، منتصف الشهر الجارى. وفى المقابل أكدت شركة «بايت دانس» أنها ليست مملوكة لأى كيان حكومى أو تخضع لسيطرته، ووصفت هذه الإجراءات بأنها «مضللة ولا تسهم فى تعزيز الخصوصية أو الأمن»، وأكدت أن التطبيق يعمل بطريقة لا تختلف عن تلك التى تعمل بها تطبيقات التواصل الاجتماعى الأخرى.
.. أخيرًا، وبغض النظر عن منطقية، أو مشروعية، قلق الشرق أو الغرب، نرى أن الولايات المتحدة، حال عدم حصول التطبيق على الجنسية الأمريكية، ستبدأ فى اتخاذ إجراءات تدريجية، قد يكون أولها، إدراج شركة «بايت دانس»، على قائمة الحظر التابعة لوزارة التجارة، لمنع الشركات الأمريكية من التعامل معها، كما سبق أن فعلت لمنع تلك الشركات، وأبرزها شركة «جوجل» من إتاحة منتجاتها لشركة «هواوى» الصينية.