رمضان زمان
ينتمى الشيخ عبدالعزيز البشرى إلى آل البشرى وهم من العائلات الشهيرة فى العلم والأدب، والده هو الشيخ سليم البشرى، شيخ الأزهر الشهير. ويتميز عبدالعزيز البشرى بالانتماء إلى الإسلام السمح ونبذ التشدد، وحبه اللأدب والفن. وترك لنا البشرى تراثًا مهمًا ورصدًا للحياة المصرية والإسلام السمح جُمِع بعد ذلك فى كتابه المعروف بـ«قطوف». وسنعرض هنا لما كتبه البشرى عن رمضان وسماحة الإسلام.
كتب البشرى مقالًا مهمًا عن رمضان فى الحياة المصرية، وكان الداعى لكتابة هذا المقال حالة الطوارئ التى كانت تعيشها مصر أثناء الحرب العالمية الثانية. وهنا وكمصرى أصيل استنكر البشرى حالة الإظلام التام التى تعيشها القاهرة فى ظل أجواء الحرب والغارات الجوية، وهزه الحنين إلى سنوات ما قبل الحرب، حيث شهر رمضان هو شهر النور: «لقد كانت القاهرة والإسكندرية وسواهما من الحواضر الكبرى تستحيل إذا جن الليل فى رمضان كتلة من النور». ويسترجع البشرى ذكرياته حول تسابق الناس إلى إضاءة الشوارع والمنازل طيلة شهر رمضان، ويروى لنا المتغيرات التى طرأت على أنواع الإنارة فى مصر، خاصة فى شهر رمضان، ليبدأ بالشموع، ثم يوضح كيف انتشر الكيروسين «الجاز» كوسيلة للإضاءة، ثم التحوّل الكبير فى عصره إلى الإضاءة «بالكيروسين وبالغاز وبالكهرباء».
ويذكرنا البشرى، وقد قام جيلى بذلك، بمرح الأطفال حاملين مصابيح الشموع فى الشوارع ليلًا، مع ترديد الأغانى الشعبية المرتبطة برمضان وأشهرها: «وحوى يا وحوى، إياحة، بنت السلطان، إياحة، لابسة القفطان».
وعلى العكس من النظرة المتزمتة لبعض المشايخ تجاه المرأة فى هذا الزمان، وخروج المرأة، يحدثنا البشرى عن زيارات النساء للأهل والصديقات فى ليالى رمضان: «ولا تنسى أن السيدات كن إذا برزن إلى الطريق فى رمضان لزيارة الأهل والصديقات سعين وبين أيديهن الخدم يحملون المصابيح الكبيرة يتألق كل منها بطائفة من الشموع، فتزيد الطريق نورًا على نور!».
ويحدثنا البشرى عن قراءة القرآن فى المساجد فى ليالى رمضان، وعن الابتهالات الدينية والمُنشدين، وعن «طرب» السامعين لذلك: «حتى إذا بلغ- المُنشِّد- هذا المدى خُيِّل إلى الناس أنهم والمسجد الذى يضمهم بأرضه وسمائه، وعمده ودككه، ومنبره ومقاصيره، قد ارتفعوا كتلة واحدة حتى وصلوا إلى جنة عدنان، ونالوا ما ينال المؤمن من الرضوان».
إنه بحق عصر شيوخ السماحة، فها هو البشرى يقول لنا: «الدين يُسر وبفضل هذا اليُسر كان من دولة الإسلام ما كان.. وهذه تكاليف الإسلام، ما قامت فيها مشقة إلا قامت بإزائها رخصة، ولا كان فى أحدها على أحد عُسر إلا ذلل بين يديه طريق العذر».
كل عام وأنتم بخير.. وسماحة.