الأم في عيدها
مسعود شومان فى عيد «ست الحبايب»: الأم بمثابة بئر الحكايات الأولى
يرى الشاعر والباحث في الفلكلور المصري مسعود شومان أن الأم بمثابة بئر الحكايات الأولى ودورها تجاوز بكثير المكتبات الشفاهية، قائلًا إن تاريخنا الشفاهي والشعبي نستمده بكرًا وطازجًا من أفواه وأفعال أمهاتنا.
وتساءل شومان: "كيف نلم بواحد من أعظم المكتبات الشفاهية؟، إنها بئر الحكايات التى شممت فيها أولى الروائح، وميزت في حروفها الأصوات في بكارتها، ومع مشيتها كنت أمشى مسحورًا أمام ما تحكيه فأرى الألوان بعينيها، حيث تتداخل جداريات الحج المرسومة على حوائط البيوت الطينية في حارات وشوارع شبين القناطر، تلك المدينة التى تتأرجح بين الريف والمدينة، مدينة متريفة تتراءى من علٍ وهى تحمله صغيرًا، فيمد الرأس لأقاصى جريد النخيل الذى احمرت بلحاته ويميل مع الزهور المتمايلة بحرية في أصص الزرع لتتجاور مع رائحة الحوائط، هكذا تشكلت المخيلة في الألوان والرسوم البسيطة، والكتابات التى تعيش لتكوّن ذاكرة للناس، حيث التشكيل باللون في دقة وجمال يراهن على مغازلة القلوب والأرواح، ومنها للمعتقدات الشعبية التى تشكل في أتونها الخيال.
كان نذر أمى لولدها الأكبر "صفيحة" من الجاز، أحملها لأذهب بها إلى مقام الشيخ "سعيد البحر"، وكانت هذه الصفيحة نذرًا سنويًا لتعمير الكلوبات، في هذا الطقس كانت الليلة الكبيرة في المولد كرنفالًا للألوان المتزاحمة في الزى وفي الرايات والبيارق، ومع زحام المارة والألوان كنت أطوف مع الطائفين كطير هائم وراء رفرفة الأعلام التى تتمايل على إيقاعات النقرزان المحمولة على جمال مكسوة بألوان كأنها لوحات فسيفسائية من الأصفر والأحمر والأخضر والبنى، يتخللها الخرز الملون والشراشيب، والمرايات الصغيرة التى تعكس الضوء فتكرر الألوان لتبهج أرواح الناظرين والطائفين. لقد كانت الحياة فقيرة، لكنها اغتنت بلسان أمى بتكويناتها وموسيقاها وأغنياتها المنسابة كنهر لا يكف عن التدفق، لقد كانت العطية الكبرى التى قامت بدور فعّال في اكتناز حقيقتي الثقافية والإبداعية، واكتسابي لكمّ هائل من الموروث الشعبي من خلال حكاياتها، وإيمانها بالعادات والمعتقدات الشعبية، وفيها تشكل الشعر ووعت المخيلة كيف تهضم خراف حكاياها لتتجلى قصائد تسعى لكتابة شهادة الشاعر على وجوده في زمن ما ومكان ما.